الرئيسية / كتاب الوعي العربي / مبادرة برلمانية تهدد استقرار الأسرة الحاكمة في مصر – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

مبادرة برلمانية تهدد استقرار الأسرة الحاكمة في مصر – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

 

08, Nov 2019

رأي-عبد-الحكم.jpg99

تقدم النائب البرلماني المصري أحمد الطنطاوي بمبادرة للإصلاح السياسي؛ طرحها على موقع الـ«يوتيوب»، وتضمنت مقترحات؛ صرح بأنه بصدد تقديمها لمجلس النواب؛ مستهدفا منها «إحداث حالة حوار وطني حول المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه البلاد. وذلك من خلال تشكيل 12 لجنة برلمانية تناقش أزمات البلاد المختلفة»، وذكر النائب إن مبادرته تستجيب لتصريحات سابقة لـ«المشير»، حث خلالها البرلمان على القيام بدوره في بحث الانتقادات الموجهة إلى مؤسسات الدولة، وأشار النائب إلى عدم الالتفات إلى التعديلات الدستورية؛ لكونها «تمثل انتكاسة كبيرة في التوازن بين السلطات، وتعود بنظام الحكم في مصر إلى ما يشبه إدارة الدولة في القرون الوسطى، من خلال تكريس كل السلطات في يد رئيس الجمهورية»، وهي «ضربة موجعة لعملية التحول الديمقراطي» على حد قوله..

على أن تنتهي فترة الرئاسة الثانية في عامها المحدد وهو 2022، وإجراء انتخابات رئاسية لا يترشح فيها «المشير»، وذلك التزاماً بالعهود التي قطعها على نفسه مراراً بعدم الاستمرار لأكثر من دورتين رئاسيتين. وذلك على خلاف التعديلات الدستورية التي أقرت مد ولايته حتى عام 2024، ومنحته حق الترشح لفترة رئاسية ثالثة، مدتها 6 سنوات، لتصل لعام 2030، وتلك التعديلات وصفناها بالبطلان في مقال بتاريخ 26/ 04/ 2019؛ عنوانه: «خطيئة التمديد جعلت التعديلات هي والعدم سواء».

وبذلك تحول الدستور من دستور يتسع لدولة إلى دستور يضيق بعائلة؛ همها «التمكين» لنفسها، وتتربص لاصطياد أمثال النائب أحمد الطنطاوي؛ لكونه متحدثا له حضور، وينتمي لـ«إئتلاف 25/30» المعبر عن ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وما قام به الطنطاوي حق من حقوقه الأصيلة؛ كفلها الدستور، وقد شغل مقعده بأصوات ناخبيه، وليس بقرار شخصي؛ غير دستوري؛ يصدره رئيس جمهورية لمواليه وأتباعه، ووصل حد فرض سلطانه الشخصي على تعيين رؤساء الهيئات والمؤسسات القضائية والسيادية، ففقدت ما كان لها من استقلالية!!..

بجانب أن الطنطاوي أُعتبر مبادرته تستجيب لتصريحات سابقة لـ«المشير»، طالب فيها البرلمان بـ«القيام بدوره في بحث الانتقادات الموجهة إلى مؤسسات الدولة».. ومن الواضح إن «المشير» هو من ينزع الشرعية عن نفسه، منذ توليه أمر «شيطنة» ثورة يناير؛ بعظمتها ونبلها، ثم ضيقه بأنصار ثورة 30 يونيو؛ صاحبة الفضل في جلوسه على عرش مصر، ومستمر في تراجعه عن وعوده، وآخرها ما شاع على لسان الأبواق بأن «الفترة المقبلة سوف تشهد حضورا لأصوات المعارضة» بعد مظاهرات يوم 20 أيلول/سبتمبر الماضي، وقد يكون من بينهم من استطاع فهم رسالتها، التي كشفت عن إصرار الشعب في السير على طريق التغيير لنهايته..

والسؤال؛ هل كانت مبادرة النائب المحترم خروجا عن الدستور والقانون، ومنافية للأعراف البرلمانية والتشريعية؟، وهل حرّضت أحدا على العنف، أو أزهقت الأرواح؟، وإذا كان الرد بالنفي فأين المشكلة إذن؟ المشكلة نراها في شبق التمديد والتوريث، والانفصام النفسي والسياسي الحاد؛ حالة أكثر تعقيدا من حالة الرئيس المخلوع مبارك، فمبارك استمر يحكم لثلاثة عقود بدستور 1971. ولم يتحمل «المشير» دستور 2014، لأنه لا يُجيز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة، وعُدِّلت المادة 226، وكانت تنص على: «لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات»، فضلا عن تعديل المادة 140 وكانت تنص على: «يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة»..

«السيسي يسير على خطى مبارك؛ وضع أبناءه في مراكز مرموقة»، لتيسير التوريث، وإحْكِام القبضة على سلطات الدولة، ومفاتيح الحكم المدنية والأمنية والعسكرية والاستراتيجية، وازاحة المنافسين الأقوياء، وإنهاء استقلال الأجهزة الرقابية

بدأت رائحة «التوريث» تزكم الأنوف، ووصلت الرائحة الكريهة لعواصم عالمية عدة، وكانت صحيفة «التايمز البريطانية» قد كتبت عنه في نيسان/إبريل الماضي (2019): فقالت «السيسي يسير على خطى مبارك؛ وضع أبناءه في مراكز مرموقة»، وفسرت ذلك بأنه لتيسير التوريث. وإحْكِام القبضة على سلطات الدولة، ومفاتيح الحكم المدنية والأمنية والعسكرية والاستراتيجية. وازاحة المنافسين الأقوياء، وإنهاء استقلال الأجهزة الرقابية، وخصخصة السلطة القضائية والهيئات السيادية.. والغاء المواد الدستورية المانعة لعزل مسؤوليها، ووضع تعيينهم في يد رئيس الجمهورية؛ يُعَيّن ويُقِيل ويُضَيّق وينتقم، وصار تعيين وعزل رؤساء المجالس القضائية العليا وأعضائها، والهيئات الرقابية الأعلى ومن هم في حكمها ينتظر أوامر «المشير»..

وعن الأبناء، فمحمود؛ الإبن الأوسط يشغل منصب نائب رئيس المخابرات تمهيدا لتعيينه رئيسا للجهاز، وهو من تولى رئاسة لجنة تعديل الدستور، ويحتل مصطفى؛ الابن الأكبر منصبا رفيعا بالرقابة الإدارية، ونُقِل النجل الأصغر من وظيفته بوزارة النفط إلى منصب أعلى في المخابرات العامة. وهنا تجب الإشارة إلى من يُطْلق عليهم «الأَمْنَجية»، ويمثلون أجهزة الأمن في الجهات الحكومية وغير الحكومية..

وعلى صعيد آخر نجد النائب صلاح حسب الله دمغ مبادرة الطنطاوي بأنها محاولة للاستقواء بجهات خارجية، وهذا نوع من الذعر والفوبيا التي تنتاب هؤلاء حين لا يجدون ما يسعفهم، فيلجأون لتهم جاهزة ومعلبة ومرسلة، وجعل من «مبادرة الطنطاوي» اعتداءً على الإرادة الشعبية التي جاءت بالرئيس، «وأقرت التعديلات الدستورية بطريقة ديمقراطية نزيهة شهد لها العالم» حسب قوله، وعلينا الاعتذار للفنان صاحب مقولة «أحلى من الشرف ما فيش» رحمه الله، وقد طالب «النواب الأمنجية» بإخضاع الطنطاوي للمساءلة التأديبية، على أمل إسقاط عضويته..

و«الخطوط الحمراء» عند رئيس البرلمان؛ على عبد العال هي؛ رئيس الجمهورية والجيش والشرطة؛ متوعدا من يتناول القيادة السياسية بالسلب لا مكان له على أرض مصر!!، مسترسلا: «إحنا ما عندناش مبادرات، واللي يعلن زي ما هو عايز، فنحن لا نلتفت إلى مثل هذا الكلام». وهنا يحق لنا أن نعرج على المادة 234 من دستور 2014: وتخص تعيين وزير الدفاع، ونصها: «يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارًا من تاريخ العمل بالدستور» (2014). وجاء التعديل ليثبت أن «يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، مع حذف قيد الشرط الزمني؛ وهكذا فإن عزل وزير دفاع يتخذ مبررا لتعديل الدستور!!.

ومشكلة مبادرة أحمد الطنطاوي أنها تقبل دستور 2014، وتبعا لذلك عليه أن يقبل ولا يقبل بالأمر، وأكثر من هذا مطالبته بعدم ألتقدم لدورة ثالثة، وذلك يضعه في عداد الفاسدين؛ الذين تحل عليهم «لعنة المشير»؛ الأشبه بـ«لعنة الفراعنة»، وما كان عليه أن ينطق بعبارة ترك الحكم عام 2022، أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة لا يترشح فيها «المشير»؛ التزاما بالتعهدات التي قطعها على نفسه بعدم الاستمرار في الحكم لأكثر من دورتين رئاسيتين..

وعلينا أن نتذكر تهديدات «المشير» التي لا تتوقف وتزداد حدة وهو يشير لـ«الكرسي» ويحذر من فاسدين، «يعرفهم»، ويتطلعون إلى الكرسي، ومن تابع تهديداته يجدها موجهة ضد الشعب بفئاته وطبقاته ومكوناته.. ومجلس نواب يقبل هذا الوضع ليس إلا سركا للبهلوانات والمروضين؛ لا للتشريع أو المراقبة، والغريب أن ذلك الدستور العائلي ينص على إضافة غرفة جديدة إليه تُسمى «مجلس شيوخ»..


عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *