الرئيسية / حوارات ناصرية / المحور المصري السوري – بقلم : سامى شرف

المحور المصري السوري – بقلم : سامى شرف

stamp_93

“مصر مقبرة الغزاة” خاضت الكثير من المعارك والملاحم ضد قوى عاتية حاولت كسر إرادتها واحتلال أرضها، بدءاً من الهكسوس حتى الصليبيين والمغول وصولاً إلى الفرنسيين والبريطانيين والإسرائيليين، وكانت دائما صحراء سيناء ميدان تلك المعارك، فمنها كان الغزاة يحاولون التسلل إلى مصر، ومنها كان يخرج القادة المصريون لتحرير بلادهم، وتحصين أمنها القومي بدءا من حدود الشام.

       في كافة هذه المواجهات تجلت وحدة الأمن القومي العربي بين مصر وسوريا؛ حيث لا انتصار حاسم يتحقق بدون وحدة البلدين، فما من مرة تلاقى القطران (أو الإقليمان الشمالي والجنوبي كما في الجمهورية العربية المتحدة) إلا واعتزت الأمة بلقائهما، وما من مرة تباعد القطران إلا واهتزت الأمة بكل مقوماتها ومكوناتها، وكان إضعاف أي قطر منهما هو إضعاف للآخر.

هذه الحقيقة أدركتها كافة القوى الاستعمارية التي أرادت السيطرة على مقدرات الأمة العربية؛ ومن ثم كان التخطيط دائما فصل مصر عن سوريا، وإضعاف المحور المصري السوري.

ونرجع قليلا للتاريخ – حقل تجارب العملية السياسية- فعقب الإعلان عن قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958م، يكتب “عدنان مندريس” رئيس وزراء تركيا إلى “جون فوستر دالاس” وزير الخارجية الأمريكي يقول: “إن الموقف الحالي وتطوراته تدعونا إلى إعادة تقييم الأمور، لقد ذهبت إلى فراشي بالأمس وعلى حدود بلادي الجنوبية ستة ملايين، واستيقظت صباح اليوم لأجدهم قد أصبحوا 36 مليونا!!”. 

كما نقرأ – أيضا- في أوراق الرئيس الأمريكي إيزنهاور تعليقا على الوحدة المصرية السورية: “أنني حتى هذه اللحظة لم أفهم ماذا حدث في الشرق الأوسط؟، إن كل ما قرأته لم يجعلني مهيأ للتطورات التي جرت، فهل كنا على علم بها أم أننا فوجئنا مثل الآخرين؟ لقد كانت سياستنا كما أعرف هي انتزاع سوريا بعيدا عن مصر، وعزل ناصر بأخذ سعود من جانبه، فإذا نحن نفاجأ بالعكس تماما؛ ناصر يستولي على سوريا بالكامل، ثم يقوم هو بعزل سعود .. أنني أريد تقريرا عن الكيفية التي تم بها ذلك”.

ثم ترسل وزارة الخارجية الأمريكية توجيها سريا –رقم (2279) بتاريخ 18/4/1958- إلى جميع سفرائها في المنطقة الفقرة الثالثة منه تنص على: “يتحتم علينا أن تظل جهودنا متجهة إلى مهاجمة فكرة الوحدة بين مصر وسوريا، ولا يجب أن تتوقف جهودنا لإيجاد فاصل بين البلدين، وينبغي أن يظل ذلك من أبرز أسس سياستنا في المنطقة، وهناك قوى داخلية تشارك الغرب معتقداته، كما أن هناك قوى خارجية يمكنها في أي لحظة ملائمة أن تتدخل، وينبغي تدعيم هذه القوى من غير كلل، وينبغي أن نذكر دائما أن أي تفسخ في الجمهورية العربية المتحدة لن يقرر فقط مصير مصر تحت حكم ناصر، وإنما سيجعل من السهل محاربة القومية العربية في أي شكل تتخذه في الشرق الأوسط”.   

وفي الفقرة الرابعة من التوجيه: “سوف تتكلل جهودنا بالنجاح أكثر إذا أمكن عزل الجمهورية العربية المتحدة عن باقي العالم العربي، وبالنسبة لهذه المهمة فإن ممثلي الولايات المتحدة سواء في الأقسام الدبلوماسية أو في أقسام الاستعلامات والدعاية في العالم العربي عليهم أن ينشروا الاعتقاد العام بأن الجمهورية العربية المتحدة تشكل خطرا على كل الحكومات العربية، وفي البلاد الملكية، علينا أن نشرح بقوة أن تدعيم الجمهورية العربية المتحدة قد يؤدي إلى سقوط حكم جميع البيوت الحاكمة، كما أنه في الجمهوريات يمكن بث الخوف ن ابتلاع القاهرة لهذه الجمهوريات، كما ينبغي انتهاز كل الفرص لتقوية الاتحاد العراقي الأردني الذي سوف يستمر في الحصول على تأييد الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوري المصري”. 

ويقول التاريخ أيضا أنه في الثاني من نوفمبر من عام 1956م، قامت طائرات فرنسية بريطانية بتوجيه ضربات جوية على هوائيات الإرسال الرئيسية للإذاعة المصرية في منطقة صحراء أبي زعبل شمال القاهرة أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وقبل أن يلقي الرئيس جمال عبد الناصر خطبته من فوق منبر الجامع الأزهر، فتوقفت الإذاعة المصرية عن الإرسال. 

وعند ذلك أعلنت إذاعة دمشق مباشرة بصوت المذيع عبد الهادي البكار «هنا القاهرة من دمشق، هنا مصر من سورية، لبيك لبيك يا مصر»، وتحوّلت الإذاعة السورية إلى إذاعة مصرية خلال أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وتم بث خطاب عبد الناصر من إذاعة دمشق.

كانت سوريا خط دفاع أساسي منيع للدولة المصرية، ما جعلها أول من بادر بفكرة تفجير أنابيب البترول في سوريا، وتضامن معها العراق ولبنان والخليج العربي، وعزما على تدمير الأنابيب التي تغذي قوات العدوان والدول الأوروبية ومنع وصول مصادر الطاقة لها. 

حين أقدم العمال السوريون على نسف خط أنابيب البترول، الممول الأساسي لأوروبا، بداية بتفجير خط “التابلاين” الممتد إلى طرابلس اللبنانية، وكذلك خط أنابيب البترول العراقي الواصل إلى ميناء بانياس السوري، إضافة إلى نسف فرع أنبوبة البترول في الأردن، واجتاحت المظاهرات شوارع ليبيا وقطر والبحرين والكويت ضد عنف وقبح أعمال قوات العدوان. 

أثرت الخطوة بشكل سلبي على القوى المعادية، ما استدعى التقليل من توزيع المشتقات البترولية، وفرض نظام البطاقات في توزيعها، مصاحبة بارتفاع الأسعار عامة ووقف إنتاج عدد من الصناعات الثقيلة. 

في سياق الأحداث، خرج الرئيس الراحل عبد الناصر، وقال “الأمة العربية دولة واحدة وهي كالبنيان يشد بعضه بعضا”، وعلى جانب آخر، احتل هذا الحدث “مانشيتات” الصحف المصرية، حيث كتبت صحيفة الأهرام “عمال سورية ينسفون أنابيب البترول إذا نفذ الإنذار البريطاني الفرنسي الموجه إلى مصر”، بينما نشرت الجمهورية، “نسف أنابيب البترول.. وقوات سورية تدخل الأردن وتتلقى أوامرها من عبد الحكيم عامر”.

هذه هي سوريا .. سوريا منبع القومية العربية، وأحد أهم ركائز الأمن القومي المصري عبر التاريخ، وما يحدث في سوريا ليس ببعيد، ولا يجب أن نتابعه من مقعد المشاهدين، ففي في ظل الارتباط التاريخي والاستراتيجي والقومي بين مصر وسوريا أولاً، ثم بين البلدين وسائر أقطار الوطن العربي، تصبح الدولة المصرية، بشعبها ونظامها السياسي، وأرضها، ومؤسساتها الوطنية وفي القلب المؤسسة العسكرية هي بلا شك أحد أهم الأهداف الكبرى لمخطط الفوضى الذي تتعرض له سوريا، والمنطقة العربية بأسرها.

من يظن أن ما تتعرض له سوريا من فوضى وتدمير بعيد عنّا هو مخطئ بكل المقاييس؛ والمتابع لتاريخ المنطقة، لابد أن يدرك أن كافة التهديدات الكبرى للأمن القومي المصري تأتي من البوابة الشرقية، وأن تأمين مصر وتحصين أمنها القومي يبدأ من سوريا، وأن ما يحدث في سوريا منذ سنوات، وتحديدا عقب فشل مخطط الهيمنة على الدولة المصرية – (الأمريكي – التركي – الإخواني) – ما هو إلا تغيير مرحلي تكتيكي، يرمي للبدء بالحلقة الأضعف –سوريا- في المحور المصري السوري.  

سوريا يا سادة أول حصون أمننا القومي، وسقوطها يعني لنا الكثير، ولا يجب أن يقتصر موقفنا عند حدود الشجب والإدانة؛ فإذا ما نجح مشروع الفوضى والتفتيت في سوريا، سوف يصير نموذجا يُفرض تطبيقه في كثير من الدول العربية؛ خاصة تلك الدول التي يمكن أن تشكل تحديا للمخططات والأطماع الاستعمارية في المنطقة.

عن admin

شاهد أيضاً

توماس سانكارا .. “الأصدقاء لا يخونون “.

  بقلم : عمرو صابح       كان توماس ايزيدور نويل سانكارا رائداً في …

تعليق واحد

  1. فى يونيو 1970 قبل الرئيس عبد الناصر مبادرة روجرز وكنت لم أكمل العاشرة من عمرى ولما كانت حماستى وأنا أتابع بطولاتنا فى حرب الاستنزاف أخبرت والدى رحمه الله أننى أرفض وقف إطلاق النار وأريد أن يصل صوتى لعبد الناصر وسأكتب له خطاباً بذلك فوافقنى والدى وبالفعل كتبت خطابا للرئيس بأن لايقبل المبادرة ويرفض وقف إطلاق النار ونزلت إلى مكتب البريد بمدينة طنطا حينها لتسجيل الخطاب فطلب منى الموظف بطاقة والدى وأرسلت الخطاب المسجل للرئيس ولا أدرى هل قرأ الرئيس خطابى أم أن تتابع الأحداث فى الأردن طغى على اهتماماته ولم يلمنى أحد أو يتوجه أحد للقبض على والدى أو حتى سؤالى لماذا تعترض على الرئيس – رحم الله الزعيم ومتع أستاذنا الفاضل المناضل سامى شرف موسوعة التاريخ بالصحة والعافية ولا عزاء للأقزام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *