الرئيسية / حوارات ناصرية / سعد الدين الشاذلي: انتصار أكتوبر بدأ في عهد عبد الناصر – حوار الأستاذ فريد الجبالي

سعد الدين الشاذلي: انتصار أكتوبر بدأ في عهد عبد الناصر – حوار الأستاذ فريد الجبالي

حوار: فريد الجبالي

اalt

الفريق الركن سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري إبان حرب أكتوبر73:
انتصار أكتوبر بدأ في عهد عبد الناصر ببناء حائط الصواريخ ومعارك الاستنزاف

خطتي لتصفية الثغرة أيدها سعد مأمون قائد الجيش الثاني وعبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث.. وعارضها السادات وأحمد إسماعيل

السادات اختار احمد إسماعيل قائدا عاما للجيش حتى تكون الأمور كلها في يده

“ما دام عملتم كل هذه الإنجازات دي يا ولاد عليكم بالتحرك للمضايق”.. عبارة قالها السادات بعد العبور فوقعت الثغرة

اختلفت مع صدام حسين بسبب الحرب غير المبررة ضد إيران

عبرت السيارة الصغيرة المثقلة بحملها بوابة حدائق المنتزة، وأخذت تداعب نسمات الجمال الممزوجة بعبق التاريخ حواس ركابها الخمسة، الذين مثلوا جيلين مختلفين، فالجيل الأول عاصر وشارك في حرب أكتوبر، والآخر قرأ عنها فقط في كتب التاريخ.
التاريخ.. نعم.. فنحن الآن في الطريق لموعدنا مع رجل خطط ونفذ وشارك في صنع أعظم ما خطه وسجله التاريخ عن مصر وامتنا العربية في العصر الحديث؛ أنها ملحمة حرب أكتوبر المجيدة.. تلك الحرب التي مثلت شهابا ساطعا من العزة والكرامة سرعان ما خبي وانطفأ، ولكن بقيت منها العبر والمواعظ، وكشفت معادن الرجال.
سنلتقي معا مع احد صناع حرب أكتوبر لنراها من زاوية وجانب آخر مختلفا تماما فيما عاهده القارئ في أي كتاب مما جاء في سيول الكتب والجرائد الرسمية التي غابت عنها جوانب هامة من الحقيقة.. والسؤال المطروح أمامنا.. أليس من حقنا أن نعرف تلك الحقيقة بكل أبعادها؟ أليس من حق أجيالنا الشابة أن تلمس هذه الحقيقة بنفسها؟، أليس من حق القارئ بمصر أن يقرأ كتاب (حرب أكتوبر) بقلم الفريق الشاذلي، أسوة بما كتبه رفاقه عنها ومنشورا بالمحروسة بدلا من استجلابه من الخارج.. خصوصا وقد مرت علي أحداث الحرب أكثر من 35 عاما، وهذا أكثر مما تحدده الدول المتقدمة للإفراج عن وثائقها، حصار ساذج يتناقض مع ثورة المعلومات، فبمجرد كتابة اسم سيادته في أي محرك بحث ستنهال علينا الحقائق والمعلومات متدفقة من كل صوب.
سرحت بذهني بعيدا فقد مر أكثر من ربع قرن علي آخر لقاء بيني وبين الفريق الركن سعد الدين الشاذلي حين سافرت عام 1983 من دمشق للجزائر العاصمة، وكنت رفيقا له في احد مراحل نضاله المستمر كمعارض لاتفاقية كامب ديفيد في الخارج، لأستأذنه آنذاك بأنه قد آن الأوان للطيور المعارضة المهاجرة أن تعود لأعشاشها، وان الأنظمة العربية كلها سواء، وبعد العودة لبلدي وحين جاء دور دفع ضريبة موقفي المعارض لنهج الاستسلام، قلت وعيناي مغممتان ويداي مكبلتان، قلت وبكل فخر: (نعم كان لي الشرف أن أضع يدي في يد رجل من أعظم رجال مصر).. اجزم أنني كنت، ومازلت محقا.
.. تري ماذا فعلت به تلك السنوات – التي حالت هجرتي فيما بعد لأمريكا – دون أن أراه، خصوصا وانه قد قضي بعد عودته لمصر 3 سنوات منهم بالسجن وذلك بسبب نشر كتابه حرب أكتوبر(لاحظ ذلك).
أفقت من خيالي حين وصلت السيارة في الموعد.. لألقاه أمامي كما عاهدته دائما، قويا شامخا رغم العلامات الجديدة للسنين.. كان واقفا في انتظارنا ليتلقفني بالأحضان ويشدني من ذقني ضاحكا ومداعبا.. (جديدة دي يا فريد!!) وكان لقاؤنا هناك- وعبق التاريخ يلفنا- أمام احدي كبائن المنتزه وتحت ظلال أشجارها العريقة، والنسمات الندية لبحرنا المتوسط، كان لقاؤنا.. مع الموقف الشجاع.. مع القيمة، والقدوة التي افتقدها شبابنا هذه الأيام، مع رجل من أعظم رجال جيش مصر البطل، ليخصنا – نحن وحدنا- بلقاء سخي استمر لأكثرمن3 ساعات دون انقطاع إلا لتناول الحلوي والمشروبات.
شارك في اللقاء معي الزملاء حسن الفيل وعبد الفتاح مرسي ومن الشباب خالد متولي وإبراهيم عارف.
* يسعدنا كشباب يمثل الجيل الذي لم يعاصر حرب أكتوبر، أن يشكر الفرصة الطيبة التي منحتها لنا للقائكم.. نستأذكم في سرد قصة الكتاب وما هي دوافع كتابته؟
– هذا الكتاب (حرب أكتوبر) كان رداّ على كتاب السادات (البحث عن الذات) الذي كتبه بعد حرب أكتوبر، مليئا بالأخطاء والأكاذيب المتعمدة، وليست الأكاذيب المبنية علي الجهل وعدم المعرفة، حين أراد أن يحملنى في كتابه مسئولية الثغرة!! فكان لابد من الرد، لتصحيح الأخطاء الواردة والمتعمدة فى الكتاب، وعندما فكرت فى عمل هذا الرد، لم يكن فى ذهنى مطلقا توجيهه لأي جهة. فكتبته وحفظته، على أساس انتظار الوقت المناسب، كي تدرك الأجيال القادمة الحقيقة بوضوح.
* متي صدر الكتاب وماذا كان رد فعله؟
– صدر في عام 1979 على شكل مسلسلات نشرتها مجلة الوطن العربى الباريسية، حين تبين ان الكتاب كان خطيراّ جداّ، لدرجة إنه اغضب أنظمة أخري غير نظام السادات(!!) فوجئت انه أغضب النظام العراقى أيام صدام حسين، الكتاب كان به حقائق تاريخية بحته، والعقد كان بينى وبين مجلة الوطن العربى على أنها تنشر الكتاب. ولم أدرك آنذاك إن مجلة “الوطن العربى” كانت مموله من النظام العراقى، وبالتالي حينما اشتعلت الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 كان لى موقف. أنا لى مواقفي باستمرار فى الإحداث الهامة، فغير ممكن أن أقف مع المعتدى ضد المظلوم، فكان فيه تعاطف بينى وبين الإيرانيين على أساس إن صدام كان معتديا وليس له الحق فى ذلك.. بس.. هاجت الدنيا فى العراق، وابتدوا يضغطوا على مجلة الوطن العربى، بحيث لقيت (الوطن العربى) المتحمسة لنشر الكتاب.. قد أوقفت نشره!! مدعية ان الكتاب لا يشتريه احد فى العراق!! وهنا توقفوا عن الالتزام بنشر الكتاب.
* ماذا كان رد فعل سيادتكم؟
– رفعت قضية عليهم وكانت لحسن الحظ جهة القضاء كانت فى فرنسا وليست في القاهرة أو بغداد، وحكمت المحكمة لصالحى وألغوا عقد النشر بينى وبينهم.
* ماذا كان رد فعل النظام في مصر بسبب الكتاب؟
– كانت هناك محاكمة غيابية لي، لم يسمع عنها احد، وأرسلت خطابا للنائب العام وسجلت نسخه من الرسالة في نفس الكتاب، وأبديت رغبتي في الحضور لمصر بشرط ان تكون المحاكمة علنية للدفاع عن نفسي، وكشف ما لدي من مستندات.. ولكن لم يصلني منهم اي رد.
* ما هى الجهة التي منعت الكتاب رسميا؟
– لا يوجد قرار رسمى بالمنع.. إنما بالفعل منعوا نشر الكتاب!
* هل نشركم للكتاب بالخارج أدي إلى إفشاء أسرار عسكرية؟
– هم قالوا كده.. وأنا هنا أحتكم إلى الشعب المصرى والعربى كي يقول لي أين هذه الأسرار العسكرية؟ ولا بد هنا أن نفرق بين أسرار الدولة وأسرار النظام أو الحكومة. وحتى تتضح أمامكم هذه الرؤية، إليكم هذه القصة التي حدثت سنة 1980 خلال حرب الماروين او الفوكلاند بين انجلترا والأرجنتين: كانت مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء فى هذا الوقت زعيمة حزب المحافظين حين أخفت عن مجلس العموم معلومة لحصر الحرب من قبل جهة سيادية – وهذه المعلومة كانت في مصلحة انجلترا- أخفت تاتشر متعمدة هذه المعلومة عن مجلس العموم . ولكن وكيل وزارة البحرية والمنتمي لحزب العمال المعارض سرب هذه المعلومة.
* وما نتائج حجب هذه المعلومة الخطيرة؟
– تاتشر كانت تعلم تماماّ بهذه الوساطة، ولكنها أفشلتها فأعطت تعليمات للأسطول البحرى بضرب الباخرة الأرجنتينية “بلجرانو” التي كانت تعتبر فخر الأسطول الأرجنتينى وذلك لكونها تهدد سلامة وأمن الأسطول.
وعند محاكمة وكيل الوزارة ادعت تاتشر انها لا تعلم بمحاولة حصر الحرب. قال لها أبداّ..انها تعلم جيدا بهذه المعلومة وبتاريخها. ثانيا ان الباخرة ” بلجرانو” لم تكن تهدد الأسطول و كانت على مسافة 200 أو 300 كيلو من الأسطول و متجهة فى إتجاه الأرجنتين وليس فى إتجاه الأسطول!
النتيجة.. هاجت الدنيا وماجت فى إنجلترا . ذكرت كل هذه الحقائق فى كتابى في الطبعة الثانية للكتاب لان الواقعة حدثت عام 1980 بعد الطبعة الاولي بعام . اذن انا في كتابي لم اذع أسرار دولة أنا قلت أسرار نظام السادات . أسرار السادات الشخصية، وكاتب الكلام ده عن قناعة.
* معني ذلك هل من حق الشعب أن يعلم ماذا تفعله الحكومة؟ وهل من حقه أيضا كشف أسرارها؟
– يجب هنا أن نفرق بين أسرار الحكومة وأسرار الدولة، فإفشاء أسرار الدولة يهدد أمن وسلامة الوطن، ولكن أسرار الحكومة من حق الموظف العام ألا يخفى هذه المعلومات عن الشعب، ولا سيما إذا رأي أن هناك تعمدا بذلك من جهة الحكومة، فالشعب هنا هو صاحب السلطة العليا. تلك القصة كانت بتعالج قضية نتيجتها كانت لصالح وكيل الوزارة، فطلع الحكم رائعا.. كان دفاع الحكومة مبنى على أساس ان هذا الموظف أؤتمن على أسرار، وأنه أفشي هذه الأسرار لغير ذوى السلطة، فلما جاء الدفاع وقال إن الشعب هو صاحب السلطة الأعلى والشعب من حقه أن يعرف، وهذه المعلومات لا يمكن أن تؤثر على أمن وسلامة بريطانيا. وان الحكومة فى بريطانيا حكومة منتخبة فالشعب هو الذى انتخبها فالثقة مصدرها الشعب، وياريت هذا ينطبق عندنا.
* مقدمة رائعة شوقتنا كي نسمع من حضرتك تصورك لخطة وسيناريو الحرب؟
– في البداية نقول أنه لم يكن فى الخطة تحرير سيناء، هذا كان خارج طاقة وإمكانيات قواتنا، والقائد هو الذي يضع الخطة ضمن حدود الإمكانيات، لأنه إذا تجاوز إمكانياته لن يحقق شيئا، وسيدمر القوات المسلحة.
نحن دخلنا الحرب ونعلم تماماّ أن العدو متفوق علينا تفوقا ساحقا فى القوات الجوية، وبالتالي. لا تستطيع القوات البرية أن تغادر الغطاء الجوى فكان لابد من توفر قوات جوية متفوقة أو صواريخ خفيفة الحركة، ولم يكن ذلك متوفرا، كل ما كان عندنا صواريخ ثقيلة ثابتة مبنية بالخرسانة المسلحة ،مداها طويل صحيح؛ ولكن غير قابلة للحركة ..فالخطة اذن وضعت على أساس ان نستغل القواعد الصاروخية الثابتة.
* متي بنيت هذه الصواريخ وما هو مداها؟
– بنيت قبل الحرب طبعا.. هذه القواعد الصاروخية اتبنت واستكمل بناؤها فى سنة 70 أيام جمال عبد الناصر،رغم القصف الجوي اثناء حرب الاستنزاف العظيمة ،و كانت على بعد حوالى 20 أو 25 كيلومتر غرب القناة داخل أراضينا، وكنا بنجهز مواقع غرب القناة دون أن نحتلها، بحيث ان وقت العبور ندفع هذه القوات التي علي بعد 20 أو 25 كيلو .. تقوم تدينى 10 ــ 15 كيلو أكثر عمقا تجاه الشرق.
* (حرب أكتوبر).. كانت حرب تحرير.. أم حرب تحريك .. أم ماذا؟
– هناك وجهات نظر ،لكن المهمة الأساسية للقوات المسلحة كانت عبور قناة السويس ثم تدمير خط بارليف، واتخاذ موقع دفاعى ثابت شرق القناة، وبذلك أضع العدو أمام خيارين، كلاهما مر، إما ان يهاجم بالمواجهة وفى هذه الحالة سأحدث فيه خسائر بشرية كبيرة، لا يستطيع تحملها، ولا يتحمل الحرب الطويلة وبذلك أرغمته على الاثنتين وهذا كان فى صالحنا، لانه لا يستطيع فك تعبئته لأنه يعتمد على 18% من تعداد الشعب الإسرائيلي فى الجيش وهي نسبة خطيرة جداّ مع استبعاد الأطفال الصغار تحت 15و16 سنة والعجائز. وبالتالي الاقتصاد بيقف، والمصانع والزراعة بتقف عندهم، لأن الكل بيخدم القوات المسلحة، فالعدو بهذه الطريقة قد لا يتحمل أكثر من 4ــ5 أسابيع، حتى يتيح الفرصة لليهود بالجيش الأمريكانى والمسجلين فى الجيش الإسرائيلي للمشاركة معهم، او سيضطر للانسحاب للحدود الدولية المصرية الفلسطينية. هذه الفرصة ستمنحنا وقف تعبوية تمكنا من نقل قواعد الصواريخ للضفة الشرقية للقنال مما يمنحنا فرصة التحرك للممرات تحت غطاء الصواريخ.
* هل استطاع الجيش المصري أن ينفذ الخطة بنجاح طبقا لما خططت له؟
– بالطبع هذا ما حدث في الواقع.. الميزة أننا كنا فى أرضنا محصنين، وعندنا أعداد كتيرة من القوات المسلحة تتفوق علي العدو عددياّ، وان كان ليس نوعياّ فى السلاح، انما عددياّ يسمح لنا ان نتحمل، ونطيل مدة الحرب اكثر من 6 شهور اعتبارا من يوم 6، 7، 8 اكتوبر اصيب العدو الاسرائيلي بخسائر فادحة، تصور جنود الصهاينة انهم يؤدون هجمات الفرسان بتاعة زمان، وإحنا بنحصد فيهم ودمرنا لهم 300 دبابة فتوقفوا وفي نفس الوقت كانوا لا يقدروا علي حل التعبئة، وبالتالي كنا فى أحسن الظروف وطبقاّ للتخطيط 10 على 10 و 100%.
(تعليق من المحرر: طبقا لكثير من المصادر، بعد النجاح الساحق للعبور اتخذ الجنرال موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي قرارا بالانسحاب الي حدود فلسطين الدولية، ولكنه فوجئ بمكالمة ايقظته من النوم تأتي من هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي يطالبه بعدم اتخاذ هذه الخطوة المتهورة؛نظرا لما استنتجه من خطابات وتلميحات السادات التي كتبها احمد ماهر ونقلها اليه حافظ اسماعيل مستشار الامن القومي!!!!).
* سيادة الفريق، إلي هذا الحد والموقف واضح.. ماذا حدث من تطورات حتي تقع الثغرة؟
– ونحن في قمة الانتصارات وبأقل الخسائر الممكنة جاء السادات ليقول:( مادام عملتم كل هذه الانجازات دي ياولاد!! …عليكم بالتحرك للمضايق!!!!) هنا كان بداية الخطأ والخلل !!وده يدل على إيه ؟؟!!ليس خطأ عند السادات لوحده، وانما خطأ فى النظام وخطأ ايضا فى التنظيم. لانه فى جميع بلاد العالم فيه قيادة سياسية، وفيه قيادة عسكرية . الهرم العسكرى ينتهى عند رئيس الأركان والهرم السياسى ينتهى عند رئيس الجمهورية وهناك حدود فاصلة بين القيادات السياسية والقيادات العسكرية، هذا فى الدول الديمقراطية.
أما فى الدول غير الديمقراطية ليس هناك حد فاصلا بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية إضافة الي انه عندنا سلطات وظيفة جديدة غير موجودة فى أى بلد فى العالم وهى القائد العام للقوات المسلحة.
القيادة السياسية اذن هى التى تحدد الهدف للقيادة العسكرية وده بيتم بالتشاور بينهم، المفروض وزير الحربية يتفاوض معايا كرئيس للأركان وأقوله أيوه.. أو..لأ …انما لمُا يتفاوض معي القائد العام للقوات المسلحة فأنا ملتزم بالتنفيذ بعد تسجيل موقف المعارضة بتاعى.
* وهل استفاد السادات فعلا من هذه التركيبة في تعمده الانفراد بقراره؟
– طبعا بالتأكيد.. استفاد منها السادات بدهاءه المشهور به، ومن ضمن تخطيطه البعيد اختياره للمرحوم أحمد إسماعيل وزيرا للحربية حتي يكون عجينه فى ايده، حيث كان يعلم جيدا الخلاف القديم بيني وبينه منذ احداث الكونغو خلال محاولة (انفصال كاتنجا ومقتل باتريس لومومبا رئيس الوزراء).
والكل يعرف ان الرئيس جمال عبد الناصر احال احمد اسماعيل للتقاعد من القوات المسلحة مرتين، فارجعه السادات كمسئول عن جهاز المخابرات العامة . ثم في خطوة تاليه وزيرا للحربية فاذا هو بالطريقة دي كأنه قائد عام للقوات المسلحة، وبالتالي ما يقوله احمد اسماعيل لا يستطيع احد مناقشته!! والسادات عمل منه برافان حتى يستخبي وراءه.
وحصلت بيننا مناقشة حادة .. السادات ومعه احمد اسماعيل في جانب، وفي الجانب الآخر وقف في صفي قادة القوات المسلحة (سعد مأمون قائد الجيش الثاني وعبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث)..فلما قال السادات عايزين نطور الهجوم تجاه الممرات للتخفيف عن الجبهة السورية.. قلت له:(ده قرار خاطئ.. وعندي كل المبررات ..) المهم.. عملنا مؤتمر في الرئاسة، حضره معي عبد المنعم واصل وسعد مأمون، وقعدنا نكافح مع احمد اسماعيل طول الليل لغاية الساعة 12 مساء ومفيش فايده، وبالتالي كان القرار الذي كان بداية الانكسارات التي اخذت تتوالي علينا بعد ذلك!!
* وهل هذه الانكسارات كانت مقصودة توطئة لتحريك الموقف السياسي طبقا لخطة كيسنجر.. فيما سماه العامل المساعدCatalyst؟
– دي بقه كل واحد يفسرها زي ما هو عايز.. ما لم تفتح الملفات، التي اطالب بفتحها حتى نعرف كل حاجة.. طبعا فيه علامات استفهام.. وبصفتي كنت راجل مسئول، الجبهة السورية التي تحجج بها السادات لم تكن في حاجة اطلاقا الي هذه الخطوة!! فحينما اكون خارج نطاق غطاء صواريخنا، الطيران هو اللي حيتعرض لي وليست القوات البرية.
* هل ممكن التوضيح بصورة أكثر؟
– علشان تعرفوا هل الجبهة السورية كانت محتاجة الى هذه المساعدة أم لأ، لازم احكي هذه القصة بالتفصيل؛ بأرجع قبل الحرب بسنتين أنا توليت رئاسة الأركان فى مايو سنة 1971وكان هذا الاجتماع فى نوفمبر71 للمجلس السياسى للجامعة العربية والمجلس ده بيتكون من وزراء الخارجية ووزراء الدفاع من الدول العربية ورئيس أركان حرب القوات المصرية بموجب منصبه يعتبر سكرتير هذا المجلس الذي تحملت مسئوليته وبالتالي جهزت التقرير بتاعى علشان أعرضه على هذا المجلس.
فى هذا الوقت لم تكن عندنا نوايا هجومية- ولو إن كانت معمولة عندى بس كان فى السر-،وكان الكلام محدد فى ماذا سنفعل لو قامت إسرائيل بالهجوم علينا؟ يعنى رد الفعل، بافتراض ان اسرائيل هاجمتنا، احنا فى موقف اضعف لسه ولم نفكر بعد فى الهجوم لا على المستوى الاستراتيجى ولا على المستوى العربى، احنا كنا بنفكر ازاى نحمى أنفسنا لو قامت بالهجوم، وكان هناك تنسيق بيننا وبين السوريين فقمت بتقديم تقرير،كان خلاصته: (إن إسرائيل تتمتع بموقع مركزى بين الجبهة المصرية والجبهة الشرقية ..القوات الإسرائيلية متفوقة على كل من القوات الجنوبية والقوات الشرقية كل على حده، لكن لو اجتمعوا مع بعض يبقى فيه مشاكل لها. اذن عايزين نضمن ان الحرب تكون فى وقت واحد ،ولكن اللى بيتمتع بوضع مركزى له أسلوب قتالى علشان يحارب على جبهتين يقوم يحتوى جبهة بجزء قليل من القوات ويرمى بكل ثقله على جبهة واحدة يخلص منها، وبعدين يضرب التانية، التوقع كان ضرب سوريا اولا واخراجها من الحرب، وبعدين ينتقل بثقله إلى مصر).. والتقرير ده للأسف لم يذكر احد سيرته الي الآن اطلاقا..!!
* يا ترى التقرير موجود عند حضرتك؟
– موجود عندى وموجود فى الكتاب، وموجود فى أضابير الجامعة العربية ولكن لتعلموا بانه فى حالة قيام اسرائيل برمى ثقلها على الجبهة السورية، فان الجبهة المصرية لن تستطيع ان تقدم لها أى مساعدة طالما بقى التفوق الجوى الاسرائيلى قائما، لأن الذى سيتعرض لها هى القوات الجوية. ونتيجة لذلك يجب أن تكون كل جبهة قادرة على الردع بمعني أن الذي يهاجم لابد ان يكون متفوقا، والذي يدافع لابد يكون اقل شوية، ولكن بدرجة انه لا يقدر العدو يخلص عليه ،بمعني حينما تكون قواتى ثلثي القوات الاسرائيلية يبقى عندى قوة ردع .. العملية ليست سايبة.
فأنا كنت مطمن لان مصر لديها قوة ردع لإسرائيل وبالتالى باستبعد انها تقوم بالهجوم الأول على مصر ولكن كنت قلقا بالنسبة للجبهة السورية.
حاشية (تمر طائرة فوق مكان اللقاء.. وكان صوتها مرتفعا بصورة ملحوظة وهنا يسأل احد الحضور: سيادة الفريق قبل مانكمل الحتة دى، أنا عايز اعرف وقع صوت الطيارة دى عليك؟ بيفكرك بإيه؟ ضحك سيادته وضحك الجميع ويردد آخر: بيفكره بالضربة الجوية!!. ويستمر الجميع فى الضحك).

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *