الرئيسية / كتاب الوعي العربي / سامى شرف يكتب : أمن مصر القومي والحياد الخطر

سامى شرف يكتب : أمن مصر القومي والحياد الخطر

نشر فى الاهرام اليوم 5مايو 2019
سامى شرف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يشير تاريخ مصر إلى أنها دائما ما كانت معرضة للتهديد في أمنها القومي؛ سواء من محيطها الإقليمي أو القوى الكبرى في النظام الدولي، وذلك لأنها كانت على الدوام مطمعا حضاريا، ومركزا جغرافيا استراتيجيا فريدا وبديعا، ولها تأثيرها ونفوذها كدولة محورية في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط، يتعدى حدودها الوطنية.

ولعل أبرز ما كشفته ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 هو ذلك التشابك والترابط الكبير وبصورة لم يسبق لها مثيل بين مصادر تهديد الأمن القومي المصري في دوائره المختلفة، بما يوحي أن هناك نوعاً من التماثل والتنسيق وتوزيع الأدوار بين القوى التي تقف وراء هذه التهديدات، في تلك الدوائر والتي يمكن إجمالها وفقا لخطورتها على الترتيب، كما يلي‮:

  1. ‬تهديد تدفق مياه نهر النيل؛ في عام 2010 قررت 6 من دول منابع النهر التوقيع–دون إرادة وضد مصالح مصر- فى مدينة «عنتيبى» الأوغندية على معاهدة جديدة لاقتسام موارد نهر النيل، تنتهى بموجبها الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقاً لاتفاقيات 1929، أعقب ذلك، شروع إثيوبيا ببناء سد النهضة؛ الذى يشكل تهديداً خطيراً لموارد مصر المائية.

وربما كان ذلك عقابا من أشقائنا في القارة على تجاهل مصر الطويل لهم، فبد أن كانوا عونا وسندا لمصر، صاروا مصدر تهديد مخيف، بسبب سياسات جاهلة بلغت من الغباء السياسي أنها لم تحافظ حتى على علاقتها بدول حوض النيل .. مصدر الحياة لمصر.

  1. خطر إسرائيل وعدوانها الصارخ على الحقوق العربية، في فلسطين المحتلة، والجولان المحتلة، وبما لها من أطماع تقليدية  في سيناء، ورغبة حقيقية في إضعاف الدولة المصرية، في ظل محيط عربي مفكك، تسوده الفوضى، وانحياز ودعم مطلق من جانب الولايات المتحدة لها.

  2. الإرهاب الذي تمارسه قوي الإسلام السياسي، ومحاولتها استنزاف الدولة المصرية، وزعزعة استقرارها، في موجة جديدة من العنف هي الأشد على الإطلاق، مع انتشار السلاح، وتطوره النوعي، بفعل الفوضى بالمنطقة، والتي جاءت على خلفية تدمير الدولة الوطنية في العراق، واليمن، وسوريا وليبيا، وتواطؤ أنظمة عربية؛ مثل نظام تميم بن حمد في قطر، ونظام البشير في  السودان، ودعم قوى مثل تركيا، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وغيرها.

  3. أطماع القوى الإقليمية؛ إسرائيل،‮‬وتركيا،‮‬وإيران، الذين يريدون تغيير موازين القوى عبر إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وفق تقسيم مذهبي وديني، يخدم مصالحهم، التي تتناقض مع المصالح الوطنية المصرية، والعربية.

  4. حالة الضعف العام في النظام الإقليمي العربي، وتهديد بقاء الدولة الوطنية العربية، بتحويلها “لدولة فاشلة”فاقدة لمقومات بقائها وشرعيتها الداخلية من جهة، والسيادةً المطلقة على أراضيها وإقليمها من جهة أخرى، كما هو الحال في العراق والصومال وليبيا وسوريا واليمن، بما يعني القضاء على النظام الإقليمي العربي لصالح قوى إقليمية أخرى، وتهديد صارخ ومباشر للأمن القومي المصري، الذي يتحقق في محيط إقليمي عربي قوى ومتماسك.

  5. الجوار الحدودي غير المستقر؛ فلأول مرة في تاريخ مصر الحديث، يصبح الجوار الحدودي لمصر في جوانبه الأربعة مصدرا للخطر على الأمن القومي المصري.

حيث تشهد الحدود المصرية مع دول الجوار تطورات تحمل الكثير من المخاطر والتحديات التي تتصاعد من آن لآخر بما يهدد الأمن القومي المصري.

– الشمال “البحر المتوسط”؛ هناك مخاطر مرتبطة بالهجرة غير الشرعية، وبتهريب الأسلحة والمخدرات، وهى أمور كلها تهدد استقرار الدولة، خصوصًا أن مصر تخوض حربًا شرسة مع الإرهاب، وفى الوقت نفسه تواجه تحديات اقتصادية لا حصر لها.

– في الشمال الشرقي الحدود مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، صار مصدر قلق، فبغض النظر عن دور حماس المشبوه والتآمري إبان أحداث ثورة 25 يناير 2011، وتواطئها في دعم الجماعات الإرهابية في مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان التي تنتمي لها، يشهد القطاع خلال هذه الفترة احتجاجات واسعة ضد الحركة، يهدد بعملية نزوح كبيرة من غزة داخل أراضي مصر في سيناء، يساعد ويحفز على ذلك ضغط إسرائيلي متنامي على القطاع.

وليس بعيدا عن حدودنا الشمالية الشرقية، ما يحدث في سوريا؛ تلك الدولة التي كانت وما زالت جزءا رئيسيا من الأمن القومي المصري .. هكذا يؤكد الواقع، وتجارب التاريخ.

– في الشرق “اليمن ومنطقة الخليج العربي”، حيث الأطماع الإيرانية في الهيمنة على المنطقة، وإثارة الفوضى، عبر وكلاء لها في اليمن والعراق، والبحرين، والسعودية.

– في الغرب “ليبيا”؛  تشترك مصر في حدود برية مع ليبيا هي الأطول من نوعها؛ حيث تصل إلى ما يقرب من 1200 كيلومتر، والسيطرة الكاملة عليها صعبة للغاية، وهى حدود ملتهبة، ومصدر أزمة، بعد أن صارت ليبيا من أكثر النقاط جذبًا للجماعات الإرهابية، وذلك بعد سقوط نظام القذافى، ومحاولة تلك الجماعات السيطرة على السلطة هناك، مدعومين بقوى إقليمية، ترمي للإضرار بالمصالح المصرية.

– في الجنوب “السودان”، حيث كان نظام عمر البشير المتحالف مع تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، والذي يقترب من الطرح الأثيوبي من قضية بناء سد النهضة، ولديه أطماع في أراضي مصرية في حلايب وشلاتين الحدودية.

وبعد إطاحة الشعب السودانى الشقيق بهذا النظام، صار أمام مصر تحديا جديدا يتمثل في الحفاظ على استقرار الدولة السودانية، وبناء جسور تعاون وتحالف مع نظام الحكم الجديد، يجعل منه داعما وسندا للدولة المصرية كما كان السودان دائما.

حين نتأمل هذه التهديدات لابد أن نلاحظ الآتي:

أولا: أنها غير مسبوقة من حيث تكتلها جميعا في وقت واحد من جهة، وخطرها الجسيم من جهة أخرى.

ثانيا: حجم الإمكانيات المادية والمعلوماتية والتقنية الموجهة للإضرار بالدولة المصرية.

ثالثا: التنسيق والترابط بين مصادر التهديد المختلفة.

رابعا: جميعها تهديدات إستراتيجية طويلة المدى في التأثير والتداعيات.

خامسا: البيئة الإقليمية والدولية الراهنة لا تخدم القدرات المصرية في مواجهة تلك التهديدات.

في هذا السياق المتأزم، يجب على الدولة المصرية، وصانع القرار أن يعلن موقف مصر بوضوح إزاء كافة التهديدات، وأن يضع إستراتيجية حقيقة قابلة للتطبيق لمواجهة كل تهديد وفق مصدره، وخطره، وآليات عمله، وإمكانيات مصر .

كما يتطلب ذلك؛ أن تشارك مصر بقوة وبشكل صريح ومعلن في كافة الترتيبات الإقليمية ذات التداعيات على المصالح المصرية في المنطقة، بما في ذلك أيضا أن يكون لها دورها المؤثر في التغييرات التي تحدث في دول الجوار الجغرافي، بما يؤمن حدودها، ويمنع هيمنة قوى معادية لها، أو متواطئة مع أعدائها في الوصول للسلطة فيها، وبناء تحالفات وجسور تعاون تؤمن المصالح المصرية في تلك الدول.

فالحياد هنا خطر، وضياع للمصالح الوطنية، وتقصير في حق الوطن، فأي غياب للدور المصري سوف يترك مساحة شاغرة يتقدم لشغلها آخرين، ممن لا تتفق مصالحهم بالضرورة مع المصالح المصرية.

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

تعليق واحد

  1. كورثر بشر 9 مايو، 2019 في 7:51 م
    تعليقك في إنتظار مراجعه المدير.
    خلاصة مقولته ان هناك قوى فى المنطقة لها اطماعها، وذكر منها تركيا وإيران وتجاهل النظام السعودي ودوّل الخليج ماعدا قطر. ركز على حماس فى حدودنا الشمالية الشرقية ، ولَم يذكر اسرائيل وهى العدو الاول لنا وللمنطقة، وان اسرائيل وامريكان هم من يدفعوا لتهجير الفلسطينيين لسيناء وتبادل أراضى مصرية فيما يسمى صفقة القرن. فكتابته لاتدعو الى التخاذل بل وللانضمام للتحالف السعودي الامريكى المهيمن على المنطقة. وقوله المتخاذل بان البيئه الإقليمية والدولية لاتخدم القدرات المصرية على مواجهة هذه التحديات ، وبذلك لايترك خيارا الا التحالف مع التحالف الجميل ورأسه السعودية، وامريكا. ليته ما تكلم وبقي صامتا، فما يدعو له عار على نظام كان منتسبا له، او نظام حر محب لمصر وشعبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *