الرئيسية / حوارات ناصرية / ناصريون : صبحي عبد الحميد

ناصريون : صبحي عبد الحميد

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏

للتاريخ .. لسان :

تعرف ليش أزورك يا أبو رافد ؟

كتب مؤيد عبد القادر / رئيس تحرير مجلة الصوت: عندما كنتُ اسأله: تعرف ليش أزورك، يا أبو رافد؟

كان يجيبني مبتسماً:
حتماً للسؤال عني؟

فأرد سريعاً: لا يا سيدي.. ازورك لأطمئنَّ بأنَّ الوطنية الحقّة والقوميّة الحقّة ما زالتا تعيشان تحت ظلال عفّتك المطلقة..

اتذّكر بيت اهل الأستاذ صبحي عبد الحميد في حي الوزيرية برصافة بغداد.. كان من البيوت المترفة الشاهقة.. وعرفتُ أنَّ اباه كان ضابطاً، أيام كان العريف في الجيش، ذا شأن..

أصبح المقدم الركن صبحي عبد الحميد بعد انقلاب ١٤ تموز عام ١٩٥٨ ضابط ركن في مقر القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، وعندما أختلف معه بسبب سياسته المناوئة للوحدة ورمزها القومي الجمهورية العربية المتحدة وناوأ النظام الرئيس جمال عبد الناصر، غادر (أبو رافد) مقر الزعيم عبد الكريم قاسم إلى السجن مع مجموعة كبيرة من الضبّاط البعثيّين والقوميّين، لكنَّ الرجلَ لم يسيء للزعيم بكلمة..

عمل مديراً للحركات والخطط العسكرية في وزارة الدفاع بعد أنّ استلم البعثيّون، الحكم بعد ثورتهم في 8 شباط عام 1963، لكنه اختلف معهم أيضاً بسبب موقفهم المناهض من الرئيس جمال عبد الناصر، ذلك ﻷنَّ الرجلَ ظلَّ قوميّاً ناصرياً ملتزماً.. وبعد انقلاب المشير الركن عبد السلام محمد عارف يوم 18 تشرين الثاني عام 1963 بالضد من البعثيّين الذين ارسلوا إليه في بيته بحي الأعظمية برصافة العاصمة، عضو قيادة فرع بغداد لحزبهم، المهندس عدنان علي القصاب ليأتي به إلى المقر المؤقت لمجلس الوطني لقيادة الثورة في مبنى الإذاعة بحي الصالحية الكرخي، فيرّقوه من رتبة عقيد ركن إلى رتبة مشير ركن (فيلد مارشال) ويجعلوه رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة، أصبح العقيد الركن صبحي عبد الحميد وزيراً للداخلية ، لكنه ، على العكس من عبد السلام عارف ورشيد مصلح وطاهر يحيى، لم يضطهد، خصومه السياسيّين من البعثيين، بل ساعد الكثيرين منهم.. وبعد أن استوزر للخارجية، أختلف مع المشير عارف بسبب نكوثه بوعوده ورفضه إعلان الوحدة مع مصر عبد الناصر، فأختار عندئذ العملَ السياسيَّ السريَّ مع مجاميع مؤثرة من رفاقه الضباط القوميّين الناصريّين لتغيير مسار الحكم، لكنهم فشلوا فزُجَّ بهم في السجون!

وبعد استلام البعثيّين للسلطة من جديد في ثورة 17 تموز عام 1968، لم يقبل الأستاذ صبحي عبد الحميد أيَّ موقعٍ حكوميٍّ تمَّ عرضه عليه وظلَّ مناوئاً للبعث ومكتفياً بالجلوس في بيته، منغمراً بكتابةِ استذكاراتهِ التي اسْتَمْتَعْنا بتفاصيلها المؤثرة، وقد شرّفني بإهدائه لي عدداً من مؤلفاته مع عبارات أهداء أشْعَرتني بالفرح والإمتنان .. ومن بين إهداءاتهِ تلك، أنْ أهدى لي بالخطأ نسخةً من كتابَهِ مضافاً إليها فصولٌ مزيدةٌ بخطِّ يدهِ الكريمةِ.. وعندما أخبرتُ صديقي الكرخي الأستاذ نوري نجم المرسومي يوم زرته في مكتبه عندما كان وكيلاً أقدمَ لوزارة الثقافة والإعلام، بقصّة ذلك الإهداء وبنيّتي إعادة النسخةِ التي جاءتني بالخطأ من الأستاذ صبحي إليه.. قال لي الأستاذ نوري بطريقتهِ الكرخيّة المحبّبةِ: مؤيد ،لَكْ لا تصير غشيم وتعيدها، هذه وثيقة تاريخية، يجب أن تحتفظ بها! !

طبعاً، لم التزم بنصيحة الصديق نوري المرسومي، فأعدتُ النسخةَ من الكتاب إلى الأستاذ صبحي عبد الحميد، فغمَره فرحٌ كبيرٌ وعبّرَ عن امتنانه لي !

كان الأستاذ ( أبو رافد ) يقضي أيامه بين البيت ولقاءات شبه أسبوعية مع صديقيْ عمرهِ ونضالهِ الوطني والقومي: رئيس الوزراء اللواء الركن الأستاذ ناجي طالب، والوزير السابق العميد الأستاذ رجب عبد المجيد أحد مؤسّسي حركة الضباط الأحرار بداية عقد الخمسينيّات من القرن المنصرم مع مجموعة من الضباط في مقدّمتهم الشهيد العقيد رفعت الحاج سري، وكنتُ أنا شخصياً دائم الزيارة لرئيس الوزراء الأستاذ ناجي طالب الذي كانت تربطني به علاقات مودة متبادلة ..

المهم في الأمر هنا ، شعوري بالفرح عند زيارتي للأستاذ الوزير صبحي عبد الحميد في بيته بحي ضباط اليرموك بكرخ بغدادنا الحبيبةِ، فأجدُ نفسي أمام مَعْلَمٍ من مَعالِمِ العفّةِ المطلقةِ..

فأقول له:

أشكد عظيم أنتَ، يا أبا رافد، فهذا بيتك هو هو منذ استلامك إياه كواحدٍ من ضباط الجيش في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم.. لم تغيّر فيه شيئاً.. وهذه غرفة الجلوس هي هي كما يبدو لي أنها من أيام زواجك.. لذلك تمنحني زيارتكَ، يا أبا رافد، شعوراً بأنَّ العفّةَ المطلقةَ ما زالت حاضرةً عند المناضلين من أمثالك..

رحمَ الله المناضل الناصري الشجاع، الوزير والضابط الحر صبحي عبد الحميد، الذي عاد للعمل السياسي السرّي بعد الغزو ليقودَ مناضلي التيار القومي، وهو الذي كان يؤكد عليهم، عدم النيل من تجربة البعث على مدى ٣٥ عاماً، على الرغم من معاناته خلال بعض تلك السنوات كمعارض للبعث..

كان يوصي رفاقه الناصريّين والقوميٍين بإقامة أوثق العلاقات بالبعثيّين لأنهم الفصيل القومي الأهم.. عاد المناضل القومي صبحي عبد الحميد للعمل السياسي السرّي لمواجهة الغزو وعملائه وهو الذي لم يستفد شيئاً من نظام البعث، فيما هرب قياديون بعثيون كانوا مدلّلين ومرفّهين، وعندما كلّفني خلال اختفائه الرفيق المناضل طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية، أنا والرفيق (و . ع) بإعادة التنظيم الحزبي، وأنا خارجه، كان أصحابُ الحناجرِ المدويّةِ أيامَ المكاسب والمغانم، يتهرّبون، حتى من اللقاء بنا !!

 

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *