الرئيسية / كتاب الوعي العربي / رأي في التغيير وفي معوقات «الجهالة المقدسة»!

رأي في التغيير وفي معوقات «الجهالة المقدسة»!

 

محمد عبد الحكم دياب

الكتابة عن حال التردي العربي والإقليمي أشبه بالسير على قطع الزجاج المكسور والمحطم.. لا منجاة للكاتب من النزف الذي يصيبه فضلا عن التأثير النفسي الناجم عن استمرار السير على ذلك الطريق الدامي.. أقول هذا وقد وصلتني في الاسبوع الماضي رسائل عدة من الكاتب والطبيب السويدي؛ العراقي الأصل د. محمد زاير.. وهو شديد الارتباط بقضايا وطنه العراق ومشاكل الأمة العربية.. ومنذ بداية الحصار، وما أعقبه من غزو وتهجير، واقتتال أهلي، وتقسيم جغرافي وفُرقة سياسية وطائفية ومذهبية، منذ ذلك الوقت وهو لا يكل عن الدعوة لنبذ كل هذه الصور المعيقة للانطلاق، فما آل إليه وضع العراق يُعتبر الأكثر مأساوية؛ لا يضاهيه غير نكبة فلسطين، المستمرة من عقود.
والشعب الفلسطيني مقاوم يعرف طريقه.. وقلل اعتماده على الرهانات والوعود الرسمية العربية والإقليمية، وزاد تشككه في القرارات الدولية المنحازة والظالمة.. ومع ذلك بذل الفلسطينيون قصارى جهدهم ليضمنوا استمرار قضيتهم حية في ذاكرة الناس بمختلف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم، فكسبوا أنصارا. وتميزوا بالقدرة على التجديد، والحفاظ على الهوية، وتنويع سبل المقاومة المشروعة.. وآخرها «مسيرات العودة» منذ أكثر من عام؛ حيث اتجهت نحو خطوط التماس بين القطاع وفلسطين المحتلة، والمسيرات مستمرة حتى تتحقق أهدافها، على أمل عودة دعم وعون ومشاركة الأشقاء وذوي القربى، وكلها خيارات مُصادَرة بأثر تطابق ووحدة الموقف الصهيوني والأمريكي وامتداداته العربية والإقليمية والدولية.. وكلها امتدادات في اتجاه معاكس لتطلعات الشعب الفلسطيني في التحرر والعدل وإقامة دولته المستقلة.
كتب د. زاير في أحد رسائله: أخي العزيز.. «مقالك العلمي في تحليله القيم وضع النقاط على الحروف التي شاخت وعجزت أن تغير الحال والأحوال في هذه الفترة العصيبة الخطيرة من تاريخ الأمة العربية». واصفا زعماء عرب، بأنهم يخطبون بصعوبة، والكلام يختنق في أنوفهم وعقولهم؛ يرددون كلمات التنديد والاحتجاج وهي التي أتمنى أن تُزال من القاموس العربي، فقد سمعناها واكتوينا بها مع الدمار والعار والشنار، ونريد أفعالا وليس أقوالا وليس كلمات الليل التي يمحوها النهار.
الشيء الذي افتقدته في مقالك، هو رأيك الصريح للإجابة على سؤال: ما هو الحل؟؟، وما هو المستقبل إذا استمرت الأحوال كما هي الأن؟. الشيء الذي يحيرني هو أن نيكسون لم يكذب لكنه تكتم وطمطم على من كذب؛ لكنهم أقالوه وطردوه من الرئاسة في أمريكا، أما الكاوبوي؛ غير المؤدب يكذب مرارا وتكرارا، ويهدي ما لا يملك لمن لا يستحق.. هل الصهيونية العالمية نجحت فيما جاء في البروتوكولات عام 1897؟..
وسؤالي الأخير: أتمنى وأعتقد جازما وقد أكون مخطئا أن الأمل قد لاح بريقه في الجزائر بلد المليون شهيد، وها نحن نرى الشعب الجزائري الشقيق يخرج الى الشوارع بإصرار شيبةً وأطفالا وشبابا وشاباتٍ بعمر الزهور؛ يطالبون بإصرار وثبات لتغيير الأحوال المزرية وتسلط المتخمين على مقاليد ألأمور. سؤالي هو مارأيك الصريح وتوقعاتك لما يأتي والقادم أعظم؟

إن «عصب الوعي»؛ إذا جاز التعبير، أصيب إصابة بالغة ومميتة، وصارت «الجهالة المقدسة» عنوانا معتمدا لكل ما هو متخلف ودموي وانعزالي وطائفي ومذهبي.. وتركت آثارها المدمرة البالغة على الفكر والثقافة والعلوم والفنون والآداب

وحول هذا السؤال الجوهري عن الحل.. فلن نجد جوابا شافيا عليه في هذه المرحلة.. ليس لأن الإجابة غير ممكنة.. لكن لأن ظروفها غير مواتية.. فالرد على هذا السؤال يمكن من خلال «مشروع» كامل للتغيير، وهي ليست مهمة كاتب فرد، فالفرد وحده لا يستطيع الوفاء بمهمة بهذه الجسامة مهما بلغ من القدرة والذكاء، ومثل ذلك «المشروع» أضحى أكبر من إمكانية الفرد، ويحتاج لجهد مؤسسي جامع.. ومع ذلك اجتهد مفكرون عظام في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من بلورة ووضع كتب ومؤلفات معنية بهذا الأمر.
أصدر عبد الله الريماوي «البيان القومي الثوري».. وكتب عصمت سيف الدولة «نظرية الثورة العربية»، وقدم جمال حمدان «شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان»، وغيرهم من مختلف الساحات والأقطار العربية، وقد دفع حمدان حياته ثمنا لكتاباته ومؤلفاته.. والسبب هو ما تطرق إليه في تحليل الشخصية الصهيونية وإمكانية تفكيكها، وما زال موته، أو قتله بمعنى أصح، لغزا لم يجد من يفك طلاسمه بعد.. وفي حدود علمي فإن آخر المحاولات كانت «المشروع النهضوي العربي»، الصادر عن «مركز دراسات الوحدة العربية» بلبنان، واستغرق إعداده عشر سنوات، إلا أنه ظهر في فترة انحسار وطني وقومي، فلم يلق الاهتمام المطلوب من أي مؤسسة أو سلطة عربية معنية..
وللأسف فهذه الأفكار «تشيطنت» بفعل الرعونة والجنون الذي أصاب الثورة المضادة، وأصاب حلفها النفطي السعودي والانعزالي المصري، ونجاحها في وأد ثورتي تونس ثم مصر في عام 2011، وتوفرت لها إمكانية «التأديب والانتقام والتضييق».. وليس معنى هذا التنصل من مسؤولية الرد.. فجدوى الرد بالمستوى المطلوب محدود؛ في واقع جفت فيه ينابيع المعرفة والاجتهاد والوعي.. وأتصور أن أقصى ما يمكن أن يقدمه الكاتب أو المثقف والمفكر الفرد هو الرأي غير التقليدي، الذي يهيئ الأذهان لتقبل «مشروع التغيير» وقيام «الدولة المدنية الديمقراطية»، ويدعو لجهد جماعي لصياغة مثل هذا المشروع.
ولتكن الصراحة رائدنا؛ وليكن التشخيص الموضوعي سبيلنا؛ ونقول إن «عصب الوعي»؛ إذا جاز التعبير، أصيب إصابة بالغة ومميتة، وصارت «الجهالة المقدسة» عنوانا معتمدا لكل ما هو متخلف ودموي وانعزالي وطائفي ومذهبي.. وتركت آثارها المدمرة البالغة على الفكر والثقافة والعلوم والفنون والآداب؛ حتى شوهت رسالات السماء والقيم الروحية، وكلها مجالات مهمة وحيوية في إحداث التنوير المطلوب لذلك الحل الذي تتطلع إليه القوى الوطنية والقومية والمستنيرة.
ونرى هذه «الجهالة المقدسة» في تبرير الزيارة المسيئة وغير اللازمة لواشنطن من قبل «المشير السيسي»؛ في ظروف وصلت فيها الرعونة والبلطجة الأمريكية درجة «العصابية»، التي لا يرجى شفاؤها، ورجَّحت منظمة «هيومن رايس ووتش» إن هدف الزيارة «الحصول على موافقة ترامب على التعديلات الدستورية المقترحة في مصر». وصرح ترامب عن عدم علمه بهذه التعديلات.. وهذا التصريح الكاذب يؤكد ولا ينفي ما جاء في بيان المنظمة الحقوقية الدولية!!
وعن أمل د. زاير الذي لاح بريقه بخروج الشعب في الجزائر بلد المليون شهيد، فالأمل دائما قائم مع استيعاب سنن الحياة، والتغيير يحدث دائما وباستمرار على مدار الأيام والسنين؛ دون إنذار أو تحذير، ولا توقفه معوقات، وقد ينتكس أو يتراجع، وهذا ما جرى في مصر بعد «شيطنة» ثورة يناير 2011، و«اختطاف» موجتها الثانية في 30 يونيو 2013 وقد لا يتم التغيير بالسرعة المأمولة، وسبب ذلك تحول المنطقة لساحة نشاط وعمل مسلح للجماعات والفصائل المضادة في الداخل ومن دول الجوار، ومن كافة أنحاء العالم، وأضيف ذلك انتصار مجاني للانتصارات الصهيو أمريكية ورديفها النفطي في المنطقة بقيادة الرياض، ودورها الدامي واللا إنساني في اليمن..

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *