الرئيسية / كتاب الوعي العربي / أهل القمة العرب واستمرار الجري في ذات المكان!! – بقلم : محمد عبد الحكم دياب

أهل القمة العرب واستمرار الجري في ذات المكان!! – بقلم : محمد عبد الحكم دياب

رأي-دياب

5 – أبريل – 2019

من أهم ما ورد في بيان قمة تونس الأحد الماضي؛ كانت ديباجته، وتركيزها على عدة منطلقات لمسار الدورة الثلاثين للانعقاد.. وبدت منطلقات بلاغية لا تثير خلافا، لأنها لم تأت بجديد، وغابت فيها الآليات التي تترجمها إلى خطط وبرامج ممكنة التنفيذ، وملزمة للأعضاء والمشاركين. وجاء الاستهلال مؤكدا على أن ما يجمع العرب أكثر مما يفرقهم؛ روابط حضارية.. وتاريخ ومصير واحد، وعرى أُخُوة، ووحدة ثقافة، وشراكة مصالح، والبداية كانت إشارة إلى مركزية القضية الفلسطينية، وأهميتها بالنسبة للعمل العربي المشترك، مع التنويه إلى التحرك العربي في المحافل الإقليمية والدولية بخصوصها.
وكل ذلك مفيد لكنه غير مقبول.. فما زال «أهل القمة» يكررون أنفسهم، ويجترون ما سبق الرهان عليه؛ من عزم «على مواصلة الجهود لإطلاق مفاوضات جادة وفعالة ضمن جدول زمني محدد، تساعد على التوصل إلى تسوية تحقق السلام العادل والشامل وفق «مرجعيات العمل السلمي»، وقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية كما طرحت 2002، ومبدأ حل الدولتين». وهذا منطق أعوج، وموقف رخو، لا يصمد أمام همجية ترامب وعدوانية نتنياهو وعنصريته؛ حتى أن الحركة الصهيونية بطبعتيها الأمريكية و(الإسرائيلية) تعودت اتخاذ مواقف تتجاوز الحدود؛ كقرار نقل عاصمة الدولة الصهيونية من تل أبيب إلى القدس.. وما تلاه من إجراء تسليم ترامب مرتفعات الجولان المحتل بجرة لنتنياهو، واعتباره حقا من حقوق الدفاع عن النفس..
ووجب القول لـ«أهل القمة» العرب هم من يتمسكون بما أشار له البيان بمسمى «الآليات السلمية».. فالعرب لا يدعون لحرب، إنما يعانون من ويلاتها، ويتطلعون لسلام عادل ومنصف.. والآليات السلمية ليست مع ذلك السلام الصهيوني المسلح، ولا مع قرارات تضرب عرض الحائط بمرجعيات زائفة للعمل السلمي، تخرج دائما من جراب «الحاوي الصهيوني» بقرارات رسمية لا علاقة لها بالسلام من قريب أو بعيد، وهي في حقيقتها إرهابية وعسكرية الشكل والمضمون..
ولم ير «أهل القمة» الوفود التي لا تنقطع، وجولات التطبيع التي لا تتوقف، والمشروعات المشتركة التي تزيد ولا تقل.. لماذا لم يَتخذ «أهل القمة» موقفا سلميا جادا من كل هذا؟! فدعوات الاعتصام عمل سلمي، والمقاطعة نفس الشيء، وأكثر أنواع المقاومة تأثيرا كانت سلمية.. وخبرات الشعوب والدول على هذا الصعيد كثيرة لا تعد.. ومن خلال المنطلق الثالث أكد «أهل القمة» على وحدة ليبيا وسيادتها، وتجديد رفض الحلول العسكرية وكل أشكال التدخل في شؤونها الداخلية، والدعوة إلى الإسراع بتحقيق التسوية السياسية الشاملة في إطار التوافق والحوار دون إقصاء، وعلى أساس الاتفاق السياسي، وفق المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة بما يُعيد الأمن والاستقرار إلى ليبيا وإنهاء معاناة الشعب الليبي الشقيق..
هذا ما طرح في البيان ومَن منع «أهل القمة» من ذلك.. أليسوا هم من تنازلوا وأذعنوا.. وسلموا أمرهم لـ«الشرعية الدولية»، التي جردتهم من أي قوة حقيقية على الأرض؟، والشرعية الدولية لا تنتصر لمن لا ينتصر لنفسه.. وكان «أهل القمة» في زمن قريب يبادرون بالحلول، التي كثيرا ما توافقت مع «الشرعية الدولية»، التي كانت بدورها تزكي ما كان يقره «أهل قمة» ذلك الزمان، وكانت الآليات «السلمية» عديدة؛ كعدم الاعتراف، والمقاطعة، والعصيان والإضراب والتظاهر والاحتجاج بأنواعه، وكانت آليات تجد من يناصرها في المحافل القارية والإقليمية والدولية.

بقي الوضع العربي والإقليمي بين يدي لاعبيه المؤثرين؛ بداية من واشنطن، مرورا بتل أبيب، وصولا لموسكو وبكين وإيران.. وابتعد العرب عن أي دور ينقلهم من الموات إلى الإفاقة

وأشار المنطلق الرابع إلى سوريا و«ضرورة التوصل لتسوية سياسية تنهي الأزمة القائمة فيها إستنادا إلى مسار جنيف، وبيانات مجموعة الدعم الدولية لسوريا، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما يضع حدا لمعاناة الشعب السوري الشقيق، ويحقق تطلعاته في العيش في أمن وسلام، ويحافظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها».. وهنا بدا «أهل القمة» مصرين على موقفهم، الذي لم يتغير من «النكبة السورية» وليست الأزمة السورية..
من الذي موَّل وسلَّح، ودفع بالقوافل والجماعات المذهبية والطائفية والإرهابية المسلحة إليها؟.. هل هو الإصرار على تغيير نظام الحكم بالعمل العسكري، ولم يكن هناك عمل سواه؛ لم يبادر أحد باقتراح «تسويات وطنية ديمقراطية سلمية» إلا بعد التدمير والتخريب.. وتعامى «أهل القمة» عن ما يجري من تطورات وتغييرات، وانقلاب وموازين واعتدال أخرى؛ إقليميا وقاريا وعالميا.. واستمر أغلبهم منحازا للحلول الدموية، وما زال منهم من يفتح الأبواب مجددا لاستئناف السفاحين والإرهابيين والمرتزقة لجولاتهم، وهم من تكالبوا على سوريا وشعبها الحبيب والنبيل.
وربط المنطلق الخامس بين ما جاء من «استفحال أزمة اللجوء السوري» واستمرار وتفاقم أزمة اللاجئين الفلسطينيين المزمنة، والمحاولات المستمرة لإسقاط حقهم المشروع في العودة، ودعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء، ووضع كل الإمكانيات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية والناجعة، ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المواتية لعودة النازحين واللاجئين إلى أوطانهم؛ بما ينسجم مع الشرعية الدولية ذات الصلة، ويكفل احترام سيادة الدول المستضيفة وقوانينها النافذة، واستمرار إبقاء الدعم اللازم للاجئين والنازحين وللدول المستضيفة لهم»، وكأن القضية لا تعني «أهل القمة»، الذين لم يتعلموا من درس النزوح الفلسطيني.. والرهان على الزمن، لامتصاصهم في بلدان وأمصار نائية تحول بينهم وبين التفكير في العودة.. وما بالنا وقد مر على ذلك أكثر من سبعين عاما منذ النكبة..
ومن «أهل القمة» من يصطفيهم ترامب شركاء له في «صفقة القرن»، ومؤشراتها واضحة، مع دخول القضية الفلسطينية مرحلة التصفية النهائية.. وجاء ضم مرتفعات الجولان المحتل ليؤكد الشرعية النافذة، وهي «الشرعية الصهيونية» الباطلة، وقد حازت دعم شركاء من بين «أهل القمة».. وتم ترك النازحين السوريين نهبا للشتات وإسقاط قضيتهم بالتقادم.. بعد الاعتماد على «الشرعية الصهيونية»!!
وعن المنطلق السادس الخاص باليمن؛ استمر «أهل القمة» في رهانهم على الجهود الإقليمية والدولية من أجل إعادة الشرعية اليه، وكالعادة لم يراهن أحد على نفسه، وراهنوا على جهود الغير لاستقرار الشرعية في اليمن، «وطلب الزام الحوثيين بوقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق استكهولم في شهر ديسمبر 2018 الذي رعته الأمم المتحدة، ومواصلة مفاوضات التوصل إلى تسوية سياسية، وفق المبادرة الخليجية، وآلياتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي، بما ينهي الأزمة بعيدا عن التدخلات الخارجية والإقليمية، ويحفظ استقلال اليمن ووحدته، ويعيد له ولمنطقة الخليج العربي الأمن والاستقرار، والتأكيد على تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني لمواجهة التدهور الخطير للوضع الإنساني والصحي والاقتصادي فيه»!!
وكل مبادرات «أهل القمة» عفى عليها الزمن، الذي تغير واتخذ مسارات لا تناسب قدراتهم المعدومة.. ولم يستطيعوا اتخاذ موقف خارج نطاق هذه المبادرات الميتة.. ومعنى ذلك أنهم غسلوا أيديهم من القضايا المصيرية، وأوكلوا مهمتها لـ«الشرعية الصهيونية» بمركزيها في واشنطن ،تل أبيب.. وبقي الوضع العربي والإقليمي بين يدي لاعبيه المؤثرين؛ بداية من واشنطن، مرورا بتل أبيب، وصولا لموسكو وبكين وإيران.. وابتعد العرب عن أي دور ينقلهم من الموات إلى الإفاقة.

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *