الرئيسية / حوارات ناصرية / سامي شرف يكتب : تعقيب واجب على مذكرات الفريق أول .. صادق!!!!

سامي شرف يكتب : تعقيب واجب على مذكرات الفريق أول .. صادق!!!!

2019-636864721085350218-535

يرد الأستاذ سامي شرف علي ما جاء بمذكرات الفريق محمد أحمد صادق التي نشرت بجريدة الأهرام حيث ماتم نشره تم بصورة مختصرة و مشوهةو هذا نص رد الأستاذ سامي شرف :


أعتدنا منذ وفاة الرئيس جمال عبد الناصر أن يطل علينا بين الحين والآخر ما يسمى مذكرات شخصية؛ يرصد فيها صاحبها ويحلل فترة حكم الرئيس عبد الناصر، ويعطي لنفسه أدوارا لم تكن له يوما، سواء كان شخصية عامة تولت منصبا عاما خلال فترة الرئيس عبد الناصر، أو شخصية عادية شاءت الأقدار أن يقابل الرئيس يوما ولو صدفة.

والحقيقة، كان من بين هذه المذكرات ما يستحق التعليق عليه، لأهميتها؛ حيث تتسم بالدقة والموضوعية، ولكنها قد تحتاج لبعض المعلومات أو التوضيح لتكتمل الصورة لدى القارئ، وأخرى لفداحة ما ورد فيها من زيف وتشويه مبالغ متعمد، وهناك من المذكرات التي لا تستحق التعليق عليها.

وما تنشره جريدة الأهرام على صفحاتها منذ منتصف فبراير الماضي، تحت عنوان “مذكرات الفريق أول محمد صادق”!!، هي من النوع الثاني من المذكرات، التي جاءت مليئة بالمغالطات، والتناقضات، وإدعاء دور لم يكن يوما لصاحبها، مما دفعني للتعليق؛ لتوضيح الحقائق للقارئ الكريم، من شخص عايش هذه الأحداث التي تناولتها المذكرات، وسبق وأشرت إليها من قبل في شهادتي “سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر جـ 5، الفصول 24-25-26″، لا سيما تلك المتعلقة بالفترة التي أعقبت الرحيل المفاجئ للرئيس جمال عبد الناصر، والسنوات الأولى لحكم الرئيس السادات.

 أول ما يلفت الانتباه في هذه المذكرات أن بها تضخيم كبير للذات، وإدعاء أدوار بالمنطق وبحكم الوظيفة والتسلسل في المسئوليات، ومنهج العمل لا يمكن أن تكون كما يرويها صاحبها؛ ففي بداية المذكرات مثلا؛ حين تحدث الملحق العسكري محمد صادق عن فترة عمله ملحقا عسكريا في ألمانيا الغربية أشار إلى أنه تواصل مع الطلاب المصريين والجالية المصرية هناك قائلا “لم أنس الطلبة المصريين‏، وباقي أعضاء الجالية المصرية الذين كانت شكوك السلطات المصرية تحاصرهم تماما‏،‏ وتصنفهم علي أنهم أعداء النظام‏، فلم أبال بنصائح البعض في القاهرة‏، وبنيت جسورا معهم، وقررت أن أكتشف مواقفهم بنفسي لا استنادا إلي التقارير والشائعات“‏.‏

لا أعرف من أين أتي بفكرة أن الطلاب المصريين في ألمانيا، وكان معظمهم موفدين من قبل الدولة كانوا محل شك من سلطات الدولة، وأنها تصنفهم على أنهم أعداء النظام!!!، فهل يعقل هذا أو يستقيم أن ترسل دولة أعداء لها ليتعلموا على نفقتها بالخارج؟!!، لمن لا يعرف .. الطلاب المصريين، بل والعرب الموفدين للخارج لتحصيل العلم والمعرفة في تلك الفترة كانوا محل اهتمام الدولة المصرية، والرئيس عبد الناصر شخصيا، وكان لهم دورا وطنيا وقوميا كبيرا في الدول الموفدين لها، وكانوا محل ثقة الدولة، وتعتمد عليهم في بعض القضايا الوطنية، ومن أمثال هؤلاء الدكتور أسامة الباز؛ والدبلوماسي الوطني البارز، الذي شكل مع زملائه العرب في جامعة هارفارد أول اتحاد عام يجمعهم، وكانت نواة هذا الاتحاد الجديد تضم إلى جانب الدكتور أسامة الباز عددا آخر من الشباب العربي المنتمين إلى جنسيات فلسطينية وسورية ولبنانية وأردنية وعراقية ومصرية ويمنية، ولعبوا دورا هاما في الدفاع عن وجهة النظر المصرية والعربية في المجتمع الأمريكي حينها، وغيرها من الأدوار الوطنية التي كانت توكل لهم.

وهل كان يستطيع أو يجوز للملحق العسكري أن يمد جسور تفاهم وتعاون مع أعداء وطنه؟!!، ولو فعل هل كان سيترقى في منصبه حتى يصل لأعلى منصب في مجاله؛ وزيرا للحربية؟!!

والذي قرأ هذه الحلقة سيجد صادق!! يناقض نفسه حين ذكر أن الرئيس عبد الناصر ألغى قانونا كان يعترض عليه الطلاب المصريين الموفدون لألمانيا الغربية. فهل هذا سلوك نظام يعتبر هؤلاء الطلاب أعداء؟!!

وفي هذه الحلقة – أيضا – يتحدث محمد صادق!! الملحق العسكري بألمانيا، عن واقعة استطاع فيها أن يصل لمعلومات عن صفقة أسلحة لإسرائيل، وأنه تواصل مع مدير المخابرات الألمانية في صباح اليوم التالي للحصول على المعلومات، ليواجهه بتلك المعلومات!!، هل يمكن أو يجوز أو يملك محلق عسكري لأي بلد أن يقوم بهذا التصرف في قضية هامة تتعلق الأمن القومي لبلاده دون الرجوع لرؤسائه أو الأجهزة المعنية في بلاده للتنسيق والمشورة؟!! .. أترك الإجابة للقارئ الكريم.  

الغريب، أن مذكرات الفريق أول محمد صادق!! مليئة بمثل هذه التناقضات، والإدعاءات بما يدحضه المنطق، وحقائق الأمور، والتي قد يكون سببها الضعف الإنساني لدى الكثير من الشخصيات العامة ممن يتجاسرون على إطلاع الرأي العام على تجربتهم الشخصية، فيحاولون تجميل وتلميع صورهم وإبراز دورهم في الأحداث التي شاركوا في صنعها أو كانوا شهوداً عليها، ومنهم من يتخطى تلك الحدود في ذلك بتزييف الأحداث لتضخيم دورهم، أو الدفاع عن انحيازاتهم وتصوراتهم، أو تبرير مواقف ثبت خطأها فيما بعد…إلخ من الأسباب التي تنأى بهذه المذكرات عن الموضوعية والحقيقة.

ولعل المثال البارز في هذا السياق؛ ما ذكره الفريق صادق!! في مذكراته عن وقائع 15 مايو 1971، وهي أحداث سياسية شديدة التعقيد، تبدلت فيها مواقف رجال، وسقطت أقنعة عن آخرين، لعبت المقادير دورا حاكما، وكانت المؤامرة أمضى فعلا من الإخلاص وصدق النوايا، إلا أن التاريخ ظل بوقائعه حكما عدلا .. ينصف الحقيقة لا الأشخاص .. يكشف يوما بعد يوم من تآمر ومن أخلص لهذا الوطن.

لست هنا بصدد الدفاع عن الذات أو عن مواقف بعينها؛ فأحداث ما يسمى بـ 15 مايو 1971 لاقت من الجدل الكثير، وكما أشرت .. وقائع التاريخ فرقت ما بين حقيقة والزيف، ولكني أكتب اليوم ضد هذه الجرأة من مقدم هذه المذكرات –عبده مباشر- والتي فاقت صاحب المذكرات نفسه، وتطاوله على الحقيقة؛ حين يقدم للمذكرات فيقول “ يرحل الرئيس عبد الناصر عن عالمنا، فينفجر الصراع على السلطة، وقبل أن تكتمل خطوات انقلاب عسكري دبره الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية، يتمكن بفضل الضغوط التى مارسها من إحباط هذه المحاولة، ويصل السادات إلى قمة السلطة، إلا أن فريق ورثة عبد الناصر الذين رأوا أنهم الأحق بالسلطة، بدأ العمل من أجل إزاحة السادات. ويقف الفريق صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى جانب الشرعية ويتمكن من إحباط المخطط الانقلابي للورثة. وبذلك تنتهي معركة الصراع على السلطة خلال مايو 1971 لصالح الرئيس السادات ويتولى محمد صادق منصب وزير الحربية، وتبدأ مصر التخطيط لأول معركة هجومية لتحرير مساحة من سيناء شرق القناة“.

هل إلى هذا الحد هان علينا تاريخنا، واستهنا بالعقول والضمائر؛ لمجرد أن نضخم من دور صديق أو صاحب معروف، أو نروج لموقف  سياسي بعينه؟!!.

سبق وأشرت في شهادتي بالمجلد الخامس بالتفصيل لأحداث 15 مايو، وهنا سوف أعرض بعض الحقائق التي لا يستطيع أحد إنكارها، فهي موثقة في شهادات آخرين، ومنها ما هو موجود في وثائق الدولة .. أضع ذلك أمام القارئ الكريم، وأتركه يحكم بعقله على ما ورد بالمذكرات ووجهة نظر صاحبها، ومن يقدم ويروج لها.

أولا:  الاحتكام للشرعية في انتقال السلطة ..وتغليب صالح الوطن

بعد أن أعلن الأطباء وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، ورغم قسوة الحدث ومرارته كانت مصلحة البلاد أكبر من كل حدث؛ على الفور عقد الحاضرون بمنزل الرئيس -وقبل الإعلان الرسمي عن الوفاة- اجتماعا في الصالون الرئيسي حضره كل من أنور السادات، حسين الشافعي، علي صبري، الفريق أول محمد فوزي، شعراوي جمعه، سامي شرف، محمد حسنين هيكل، وكان يقف على باب الصالون اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري.

وكان السؤال الوحيد .. من يخلف الرئيس عبد الناصر في هذا الظرف الدقيق من تاريخ مصر؟

وكان الاتجاه الغالب يتلخص في ضرورة تغليب مظلة الشرعية، تقديرا للموقف الذي تمر به البلاد؛ من استعداد لمعركة تحرير الأرض، ورحيل القائد والزعيم.

وفي نفس اليوم، عقد اجتماع مشترك لكل من اللجنة التنفيذية العليا والاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء في قصر القبة، أعلن أنور السادات في بدايته عن وفاة الرئيس عبد الناصر للحضور، وتم بحث مسألة انتقال السلطة، وهنا طرحت فكرتان كلاهما ينبثق عن مبدأ الشرعية؛ الفكرة الأولى، تقترح أن يتولى السادات رئاسة الجمهورية حتى انتهاء المدة المتبقية من رئاسة الرئيس عبد الناصر، وهي ثلاث سنوات.

الفكرة الثانية، هي أن يبقى الرئيس السادات رئيسا للجمهورية حتى إزالة آثار العدوان، وهو الحد الزمني الذي وضعه الرئيس عبد الناصر عندما قبل التكليف الشعبي في 10 يونيو 1967، على تجرى انتخابات رئاسية جديدة بعد ذلك.

وبعد مناقشة قصيرة، تشكلت لجنة من القانونيين لبحث الأمر في ظل الشرعية الدستورية، وخلصت اللجنة إلى أن الفكرتان السابقتان لا يتفقا مع الدستور، فضلا عن أنهما يقيدان صلاحيات رئيس الجمهورية، فيما يتعلق بقرار الحرب، والذي يستلزم وجود رئيس شرعي منتخب، يتولى تلقائيا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وقد لقى هذا الرأي تأييد الأغلبية، ولكن السيد حسين الشافعي أبدى تحفظه على اختيار السادات، ثم عاود وأيد الاقتراح بتوليه الرئاسة لمدة ثلاث سنوات –المدة المتبقية من ولاية الرئيس عبد الناصر- ووافق السادات على ذلك.

أسفر تطابق الرأي القانوني مع توجه الأغلبية عن قرار بترشيح السادات لفترة رئاسية جديدة ومنفصلة؛ سواء عن فترة رئاسة عبد الناصر، أو عن إزالة أثار العدوان.

وكان الفيصل في ترجيح هذا الرأي، تأييد موقف الفريق أول محمد فوزي، وزير الحربية القائد العام للقوات المسلحة، الذي أكد بوضوح على أننا مقبلون على معركة التحرير، وهناك إصرار على إتمامها، ولن يستطيع الجيش التحرك في هذا الاتجاه بدون قائد أعلى، وبمعنى آخر رئيس للجمهورية منتخب وفقا للدستور، يحق له وفق الدستور أن يصدر أمر القتال، ويصدق على الخطط العسكرية لخوض المعركة.

هذا هو موقف من أسماهم الفريق أول صادق، وعبده مباشر ورثة عبد الناصر والفريق أول فوزي، الذي اتهمهم بمحاولة الانقلاب على الرئيس السادات، بل والأكثر من ذلك يدعي الفريق صادق –وهو في ذمة الله الآن- أن لديه أمر كتابي من الفريق أول محمد فوزي بالانقلاب، دون أن يعرض صورة له أو يسلمه للرئيس الشرعي المنتخب الذي يكن له الولاء!!!، بذريعة أنه لم يكن يريد إلحاق الأذى به!!، ولكنه سمح لنفسه أن يشوه صورة الرجل، ويجعل منه متآمرا على رئيسه، والشرعية!!، وهو ما يضع كثير من علامات الاستفهام على ما يضمره الفريق صادق!! للفريق فوزي من مشاعر سلبية، يمكن للقارئ أن يلحظها جليا على امتداد المذكرات.

ورغم المحاولات من قبل البعض لعرقلة تولى السادات رئاسة الجمهورية، إلا أن من أسمتهم المذكرات بورثة عبد الناصر – وهو شرف بالطبع- تصدوا لها بقوة (تفاصيل كثير عن هذه المحاولات موجودة بالمجلد الخامس من شهادتي)، رغم اقتناع البعض منهم بأن السادات لا يصلح لخلافة عبد الناصر، وأنهم قد لا يستطيعون العمل معه وأنا أحدهم، إلا أننا قدرنا الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد، ولم نشا أن نزج بها في أتون صراع على السلطة، وفضلنا الاحتكام للشرعية، وإعلاء مصلحة الوطن.

لقد كانت إستراتيجية المرحلة التي توافقنا عليها جميعا، هي تحديد المسئوليات لكل فرد ولكل جهاز من أجهزة الدولة التنفيذية والسياسية والدستورية، وكان الرئيس السادات على اطلاع كامل بأبعاد هذه الإستراتيجية وأهدافها:

1.     استكمال الاستعداد العسكري لمعركة تحرير الأرض المحتلة.

2.     تأمين الجبهة الداخلية ضد أية انقسامات في الداخل، أو اختراق من الخارج.

3.     تطوير وتدعيم آليات النشاط المصري على المستوى العربي؛ لضمان حشد أكبر قدر من الطاقات العربية لصالح المعركة.

ثانيا: المراقبة والتسجيلات

الحلقة الرابعة من المذكرات تتحدث تحت عنوان فرعي عن “تسجيلات للضغط والابتزاز”، والغريب في الأمر؛ أن الفريق صادق!! يتحدث في مذكراته الشخصية عن أمور لا علم له بها، ثم يبني استنتاجات مغلوطة عليها، الأمر الذي يعكس إلى أي مدى هذه المذكرات هي أقرب لوجهة النظر أو للموقف السياسي أكثر منها شهادة حق لما حدث بالفعل –كما يجب أن تكون المذكرات الشخصية-  وقضية التسجيلات تلك- أيضا – أشرت إليها في شهادتي/ج5.

 وتعود إلى عام 1958 حيث كان يقوم بمهمة المراقبة والتسجيل المخابرات العامة والحربية، والمباحث العامة، إما بأمر من رئيس الجمهورية أو وفقا لتقدير رئيس أي من الأجهزة السابق الإشارة إليها، ولكن فيما يتعلق بتسجيل الاتصالات التليفونية لكبار المسئولين والوزراء مثلا فلابد أن يتم بأمر مباشر وصريح من رئيس الجمهورية.   

وكانت هناك أصول وضوابط صارمة، ومتابعة دقيقة جدا لهذه المسائل؛ لما قد يترتب على أي إساءة استخدام أو التلاعب فيها.

وبالفعل حدث خرق لهذه القواعد من قبل حسن التهامي؛ حيث قام وهو يتولى رئاسة قسم الاتصالات في المخابرات العامة عام 1958 بمراقبة تليفونات المشير عبد الحكيم عامر بدون أوامر، كما لم يستأذن أو يخطر رئاسته بنتيجة المراقبة، ولكن كشفت العملية بتبليغ أحد العاملين معه عن هذا الإجراء الفردي، مما أدى إلى إبعاد التهامي عن المخابرات العامة إلى وظيفة مدنية، وقد توسط له أنور السادات في ذلك الوقت لينقل إلى وزارة الخارجية؛ حيث عين سفيرا في فيينا.

وبعد عام 1962، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر أمرا بضرورة وضع نظام أمن بالنسبة لكبار المسئولين؛ سواء العسكريين أو المدنيين، وكان ذلك في أعقاب الانفصال بين مصر وسوريا، وبعد أزمة مجلس الرئاسة مع المشير عبد الحكيم عامر، وما تبعها من أحداث مست أمن النظام.

وكانت الأوامر تقضي بأن يوضع نظام ثابت للمتابعة الدورية لبعض الأشخاص، وكانت هناك لجنة مشكلة من الرئاسة والمخابرات العامة والحربية، والمباحث العامة، أجهزة مكافحة المخدرات والآداب والتهرب المالي والضريبي والرقابة الإدارية، تقوم بتحديد الأشخاص أو الجهات التي تطبق عليها نظام المراقبة؛ إما المستمرة أو الدورية حسب كل حالة، ووفق نتائج المتابعة، وكانت نتائج أعمال هذه اللجنة تعرض على الرئيس أولا بأول.

والجدير بالذكر هنا، أن عملية التسجيلات كانت تشمل أيضا لقاءات الرئيس جمال عبد الناصر، والقاعدة العامة المتفق عليها أن يتم تسجيل جميع لقاءات رئيس الجمهورية مع  الرؤساء والزوار وجلسات مجلس الوزراء، والاجتماعات الرسمية في قصور الرئاسة، أما فيما يخص منزل الرئيس في منشية البكري فقد كانت هناك ترتيبات جاهزة باستمرار لإجراء أية تسجيلات، ولكن لا تتم إلا بأوامر من الرئيس.

وفي عام 1970، أصدر الرئيس عبد الناصر تعليمات لكل من شعراوي جمعه وأمين هويدي وسامي شرف باعتبارنا المسئولين أمامه شخصيا عن أمن النظام، على أن نشرك معنا بشكل غير مباشر – الفريق محمد أحمد صادق، وذلك فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة، مع إخطار الفريق أول محمد فوزي بأي مسائل تمس هذا الموضوع.

كانت مسئولياتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل التي تحقق تأمين النظام بما فيها المراقبات والتسجيلات، وكل ما كان يتجمع من هذه الوسائل كان يرفع للعرض على الرئيس.

وهذا أمر معمول به ومطبق إلى الآن في كافة دول العالم كبيرها وصغيرها، ويعلمه خبراء الأمن، دون أن يتعارض ذلك مع اعتبارات احترام الحرية الشخصية، فالأمن القومي مقدم على ما سواه.

وجميع تلك التسجيلات موجودة ومحفوظة في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكري.

وبعد أن تولى السادات الرئاسة، استمر نفس الأسلوب بأوامر صريحة منه، إلا أنه لم يتم ترتيب أي نوع من التجهيزات للتسجيل في أي وقت حتى 13 مايو 1971 في منزل الرئيس السادات بالجيزة، أو في استراحة القناطر أو غيرها.

وكانت اللقاءات الرسمية مع رؤساء الدول أو الوفود الرسمية أو الزوار، علاوة على اجتماعات مجلس الوزراء وغيرها من المناسبات الرسمية الأخرى هي التي يتم تسجيلها في الأماكن الرسمية فقط دون أماكن إقامته .. وكل هذه التسجيلات محفوظة في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات في منشية البكري.

وأستطيع أن أجزم بأنه لم يتسرب أي من هذه التسجيلات، كما لم تستغل أي معلومات شخصية وردت بها بأي شكل من الأشكال حتى 13 مايو 1971.

وفي هذا، يقول السيد محمد عبد السلام الزيات -وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة – في كتابه “السادات .. القناع والحقيقة” ص138: “لم يكن التسجيل والتنصت غريبا على الرئيس السادات، فقد كان يعلم به، وكان أحيانا يطلب من سامي شرف فرض الرقابة على بعض الشخصيات؛ عسكرية ومدنية، بل إن أجهزة التسجيل والتنصت لم تجد رواجا مثلما وجدته في عهد تولي الرئيس السادات لرياسة الجمهورية، وتطورت أجهزة التسجيل والتنصت في عهد رياسته للجمهورية، وأخذت أحدث ما في العلم والتكنولوجيا الغربية…”.

ثالثا: الأسباب الحقيقية لانقلاب السادات على عبد الناصر

مع رحيل الرئيس عبد الناصر، رأت الولايات المتحدة وإسرائيل أن العقبة الكبرى التي كانت تقف في طريق هيمنتهم على مصر والمنطقة قد زالت، وبدءوا بالتقرب من خليفته الرئيس السادات، ووضعوا إستراتيجية محكمة للانقلاب على المشروع الناصري، وكانت نقطة البداية التخلص من الرجال الذين يؤمنون بمشروعه ومنهجه، واستبدالهم بآخرين يقبلون بمشروع بديل مناقض له.

 وقد رصدت المخابرات العامة اتصالات خلفية مع القائم برعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة “دونالد برجيس” بتكليف من الرئيس السادات.

وفي هذا الإطار، دار رصدت المخابرات العامة حديث بين الرئيس السادات وجوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية أثناء زيارته للقاهرة يدور حول مستقبل كبار المسئولين في مصر، ذكر خلاله الرئيس السادات لسيسكو نيته بإقالة كل من وزير الخارجية محمود رياض، ووزير الحربية محمد فوزي باعتبارهما يقفان في سبيل السياسة الجديدة التي يريد – السادات- إتباعها حيال قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، هذا بخلاف بعض الإجراءات الأخرى التي يعتزم إجرائها، ولكن لم يذكرها تحديدا.

((هذه الوثيقة محفوظة في أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكري، وكذا أرشيف الأمن القومي بالمخابرات العامة، ومكتب رئيس المخابرات أحمد كامل في ذلك الوقت)).

وفي سياق الانقلاب على المشروع الناصري، في نوفمبر 1970 قابل كمال أدهم المسئول عن المخابرات السعودية، والمقرب من المخابرات الأمريكية، الرئيس السادات وكان صديقا شخصيا له، ونصح السادات بالتخلص من الذين عملوا مع عبد الناصر، باعتبارهم مصدر قلق للأمريكان، يعوقوا مزيد من التقارب بينهم وبين السادات.

((هذا اللقاء فضحته مجلة الواشنطن بوست في عددها رقم 29253 بتاريخ 25 فبراير 1977، كما نشرت “دارين كايز” عن تفاصيل العلاقات بين السادات والجهات الأجنبية بشكل مفصل في كتاب لها بعنوان “عقارب وضفادع”)).

وفي هذا السياق، يقول محمد عبد السلام الزيات في كتابه سالف الذكر ص 196 ما نصه:

تكشفت لي بعد فترة طويلة بعض الحقائق عن مبادرة الرئيس السادات في 4 فبراير 1971 فهي لم تأت من فراغ، ولكنها تتماثل إلى حد كبير مع اقتراح لموشى ديان ظهر في النصف الثاني من سنة 1970 بوصفه اقتراحا عمليا؛ ومضمونه التوصل إلى تسوية جزئية مع مصر، باعتبار ذلك خطوة أولى وفي مصلحة إسرائيل سياسيا وعسكريا على أساس أن تنسحب القوات الإسرائيلية 20 ميلا من شرق القناة في اتجاه الممرات، وأن تعيد مصر افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية مع نزع سلاح القوات المصرية في غرب القناة“.

كما يقول هنري كيسنجر في كتابه “سنوات في البيت الأبيض” ص 128 النسخة الانجليزية: “في يناير 1971 اتصل ضابط مصري كبير يمثل المصالح الأمريكية في مصر، وابلغه باسم الرئيس السادات أنه يبدي اهتماما كبيرا باقتراح ديان“.

وهناك الكثير مما أعلن عنه في كتابات غربية وعربية –أشرت إلى بعضه في شهادتي- يوضح إلى أي مدى كان الترتيب بين السادات والأمريكان والسعوديين ضد مشروع عبد الناصر، ولو كان السادات –كما يزعم حوارييه- مراقبا حقا لعرفنا حقيقة ما كان بينه وبين الأمريكان والسعوديين، ولم نكن نسمح له بفعل ما فعله، ولو اقتضى الأمر أن أتصرف وحدي، وعلى مسئوليتي الشخصية، بدافع وطني وأخلاقي، ولكان مسار كثير من الأحداث، ومصير المنطقة قد تغير.

رابعا: الانقلاب

هذه المبادرة التي أعلن عنها السادات في فبراير 1971كانت بداية صدام مباشر بينه وبين علي صبري، الذي رفضها بشدة، كما رفضها الكثيرون، وقد أبلغنا –شعراوي جمعه وأنا- علي صبري بأنه يعتزم الاستقالة، فطلبنا منه أن يقابل الرئيس السادات، وقد حدث بالفعل، وأبلغه الرئيس السادات تراجعه عن المبادرة.

وبدا أن الرئيس السادات كان يعمل على كسب الوقت، واختيار التوقيت المناسب لفرض أفكاره، ومنهجه، والتخلص من كل معارضيه.

بدأ السادات في طرح أفكاره حول حل الاتحاد الاشتراكي، لأنه يرى فيه عقبة كبيرة أمام تحالفه مع الأمريكان.

بدأت الأمور تتأزم بين الرئيس السادات من جهة، وعلي صبري والاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي من جهة أخرى بصورة متصاعدة، حتى قرر الرئيس السادات إقالة علي صبري.

هذه الإقالة أثارت حفيظة الكثيرين، وكشفت عن نهج السادات في التعامل مع من يخالفه الرأي.

وفي يوم 13 مايو 1971، استدعاني الرئيس السادات في منزله بالجيزة، وكلفني بإبلاغ شعراوي جمعة أنه قبل استقالته، وحين سألته عن السبب، قال أنه خان الأمانة، وفشلت جميع محاولاتي لاستيضاح الأمر.

وتوجهت على الفور لمنزل شعراوي جمعة، وفي الطريق بدأت أراجع أحداث ما بعد رحيل الرئيس عبد الناصر، وكم الضغوط الهائل الذي أتحمله نفسيا وعصبيا، وقررت أن أكرر طلبي للرئيس السادات بأن يعفيني من المسئولية، ويقبل استقالتي التي رفضها أكثر من مرة.

لم أجد شعراوي جمعه في منزله، وعلمت أنه بمكتب الفريق فوزي بكوبري القبة، ولما وصلت هناك كان معهما محمد فائق، وسعد زايد، ومحمد أحمد صادق رئيس الأركان .. صاحب المذكرات.

أبلغت جمعه بقرار الرئيس السادات وما بين الوجوم والاستنكار كانت ردود الفعل من الجميع، واصطحبت شعراوي جمعه إلى منزله، حيث لحق بنا الفريق فوزي، ومحمد فائق، وسعد زايد، ويبدو أن الخبر تسرب في الدائرة الضيقة، فتوافد على المنزل حلمي السعيد، وعدد من أقارب وأصدقاء شعراوي.

وفور وصلنا لمنزله، أبلغت شعراوي جمعه بعزمي على الاستقالة، ولكنه لم يؤيدني، وذكرته بالتسجيلات التي قامت بها المخابرات العامة، والتي وصلتنا ظهر ذلك اليوم –نتيجة مراقبة دونالد بيرجيس القائم بالأعمال الأمريكي بالقاهرة- عن نية السادات عزل محمود رياض والفريق محمد فوزي من منصبيهما في حديثه مع سيسكو بحضور دونالد بيرجيس، وأكدت له أن الأمر مخطط، وأن المسألة مسألة وقت حتى يتم التخلص بكل من يعارض توجهات الرئيس، وصممت على قراري، وحتى أحسم الموضوع، قمت على الفور بالاتصال بالرئيس السادات، ورد على كما لو كان ينتظر مكالمة، وقلت له: “مساء الخير يا فندم –لم أنتظر الرد وتابعت- أنا بلغت شعراوي بقرار سيادتك، ويا سيادة الرئيس أنا بأضع نفسي تحت تصرف سيادتك – وهو تعبير يقوله الوزير المستقيل لرئيس الدولة- وأنا تعبان صحيا ونفسيا ومش هأقدر أكمل بهذا الشكل .. وأرجوك أن تعفيني

فقال السادات: “يا سامي أنا عارف انك تعبان ومتأثر .. استرح لغاية يوم الأحد، وبعدين نبقى نتكلم لما أشوفك”.

فقلت له: “يا فندم أنا مستقيل ومش هأقدر أشتغل في هذا الجو وبهذا الأسلوب، وأرجو ألا تعتبر هذا التصرف تضامنا مع شعراوي، لكن ده قراري بقناعتي الشخصية”.

ورد بقوله: “استريح يا سامي لغاية يوم الأحد .. وهاشوفك ان شاء الله”.

وانتهت المحادثة بإصراري على الاستقالة.

وطلبت ورقة، وبدأت أحرر استقالتي، وبدون ترتيب وبدافع فردي عفوي بدأ الجميع يكتب استقالاتهم، وكأنهم كانوا ينتظرون الفرصة لإلقاء عبء ثقيل عن كاهلهم، إلا أن الفريق فوزي استأذن في التوجه لمكتبه؛ لتسليم الفريق محمد صادق مهام منصبه، بعد عقد اجتماع لهيئة الأركان.

وبعد أن أتم مهمته، عاد ليجدد تحرير استقالته التي سبق وأن جهزها يوم 10 مايو 1971، وتم الاتصال تليفونيا بكل من عبد المحسن أبو النور، وضياء الدين داوود؛ لإطلاعهم على الموقف،دون توجيههم لتصرف بعينه، إلا أنهم قرروا أن يتخذوا نفس الموقف.

((الذي يعود للحلقة الرابعة من مذكرات صادق!! يجده غير صادق تماما فيما يروي عن هذه الوقائع التي لم يكن موجودا فيها، ويغير الأمكنة والأزمنة، ويعطي لنفسه دورا أكبر من حجمه حينها، مما يورطه في اختلاق تفاصيل متناقضة تخالف العقل والمنطق وحقائق الأمور؛ لسبب لا يعلمه إلا الله)).

بعد كتابة الاستقالات، استدعيت أشرف مروان ليتسلمها ليقوم بتوصيلها للرئيس السادات في الحال، وقد كان.

اليوم التالي 14 مايو 1971، وفي الساعة السابعة صباحا حضر إلى منزلي أحد ضباط الحرس الجمهوري برفقة شخص يرتدي ملابس مدنية ليبلغاني بصدور قرار بتحديد إقامتي في منزلي.

وصدر الأمر باعتقالي بعدها بيومين، يوم الأحد 16 مايو 1971 –ذلك الأحد الذي حدده لي الرئيس فيما قبل لمقابلته لي للنظر في طلب استقالتي- وهو ما يؤكد أن الأمر كان مخططا سلفا، ولا علاقة له بمسألة الاستقالات.

وتم تقديمنا للمحاكمة مع كل من تقدموا باستقالاتهم، وعدد من أعضاء الاتحاد الاشتراكي ومجلس الأمة والتنظيم الطليعي (91) معتقلا، بتهمة الخيانة العظمي، والعمل على قلب نظام الحكم في القضية رقم (1) لسنة 1971.

هذه هي الحقيقة، أما ما جاءت به مذكرات صادق!! يؤسفني أن أؤكد أنها خالية من أي صدق فيما يتعلق بأحداث ما يسمى 15 مايو –على الأقل- وهو ما أستطيع أن أجزم به؛ لأنني  م رجل عاصر وشارك في جميع وقائعها بحكم عمله وموقعه، ناهيك عن كثير من اللا منطقية في كثير من أجزائها الذي نشر بجريدة الأهرام.

والحكم في النهاية للقارئ الكريم .. الذي لا يجب أن يستهان بعقله ولا بقدرته على الحكم على الأشياء

عن admin

شاهد أيضاً

توماس سانكارا .. “الأصدقاء لا يخونون “.

  بقلم : عمرو صابح       كان توماس ايزيدور نويل سانكارا رائداً في …

2 تعليقان

  1. ألحبيب ســـامي

    شكرا علي تعليقك وتصحيحك ألشريف الأمين ، وإبعاد دلك “ألــتــلــفــيــق” عنا

    أنت تعرف “جيدا” بانني كنتخلال تلك ألفترة “مــوجـود” في ألمانيا بسبب
    دراسة ألدكتوراه

    أؤكد لك سطور تعليقك وأنت تعرف جيدا “خــلــفــيــات” هدا ألتأكيد ، أن
    كــــلام “ألفريق أول محمد صادق” لا مكان له من ألصحة ، بألنسبة للطلبة ألمصريين ،
    وأن ألتدعيم لـــمـــصر وللريس كانا في مقدمة ما “يـــــمــيــــز” نشاطاتنا .. ألطلبة ألمصريين وألعرب
    وهو ما كان يحزي علي “إحترام وتقدير بل وتأييد ” معظم الشعب ألألماني وأدي إلي تعليقات إيجابية من ألصحافة ألألمانية “ألنزيهة” …. ويمكن لمن يريد مراجعة “دير شبيجل ” و “دي زايت” و “سيوددويتشه” و “فرانكفرتر ألجيماناه” وألعديد من ألصحف ألإقليمية خلال دلك ألوقت

    د. يحي الشاعر

  2. علي بكر الحسيني

    منذ وقاة الزعيم والاعداء يحاولون النيل منه ومن تجريته الرائدة بتشويه الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *