الرئيسية / حوارات ناصرية / دراسة للدكتور صفوت حاتم : اللحظات الأخيرة لفاروق .. الملك .. والأنسان

دراسة للدكتور صفوت حاتم : اللحظات الأخيرة لفاروق .. الملك .. والأنسان

20910051

تفنيد الأوهام ونفي الأكاذيب

 15 يونيو 2015

*نشرت الدراسة في مجلة المصور المصرية علي عدة حلقات في 2015

المقال الأول ( 1-4 )

 

بقلم : دكتور صفوت حاتم

 

 

كثيرا ما ترددت على لسان بعض غير المتخصصين مقولة تنسب للملك فاروق أنه آثر الخضوع لطلبات الضباط الأحرار حفاظا على وحدة الجيش وعدم الزج بالبلاد في آتون حرب أهلية .

 

ولقد تكررت تلك ” الأكذوبة ” كثيرا على ألسنة العامة غير المهتمين بقراءة التاريخ في كتب التاريخ الجادة . وهو أمر نقبله ونتسامح معه , فنحن نفتقد الثقافة الرصينة .. ونفتقد معها قراءة التاريخ بعقلية جادة وموضوعية , بعيدة عن الهوى .

 

لكن أن يردد تلك ” الفرية ”  شخص بقيمة وجدية   ” الدكتور ” ناجح إبراهيم . فذلك يضع الفكر والثقافة المصرية في مأزق حاد .

 والدكتور ” ناجح إبراهيم ” لمن لا يعرفه , رجل بدأ حياته السياسية بالإنضمام للجماعة الإسلامية , وشارك في عمليات العنف والقتل التي قامت بها في آواخر حقبة السادات .. ودفع من عمره عدة سنين في السجن , قام خلالها بعمل مراجعات فكرية مهمة وشجاعة , تزيد من قدر الرجل وقيمته .  فضلا عن كونه أحد الرجال القلائل من تيار ” الإسلام السياسي ” الذي لا يحمل ضغنا أو كرها لتجربة الثورة المصرية  ولجمال عبد الناصر تحديدا . وقد سمعته أكثر من مرة يمدح تجربة الإصلاح الزراعي والنهضة الإقتصادية .

 

ولكنه في مقال منشور في عدد جريدة ” أخبار اليوم ”  يوم السبت 25 يوليو 2015 ,  بعنوان ” ثورة 23 يوليو .. والربيع العربي ” , كتب يقول :

 

” لقد كنت في بداية شبابي أعتقد أن السر في كون 23 يوليو ثورة بيضاء , هو توجه  الثوار من الضباط الأحرار أنفسهم فقط . ولكنني أدركت بعد عمق دراسة وتمحيص أن الفضل يعود أيضا لحكمة ووطنية وفطنة الملك فاروق الذي رفض أن يستجيب لنداءات بعض ضباط الحرس الملكي بالإشتباك مع الضباط الأحرار وأنهم قادرون على هزيمتهم .. ولكن الملك فاروق أبى أن يتجاوب مع رغبة هؤلاء وقال بهم حرفيا : أنا لا أريد أن أريق دماء أولادي أو أن أقسم الشعب المصري إلى نصفين ” .. ثم تنازل عن العرش في صمت .. ثم ركب يخت المحروسة مغادرا مصر .. ثم بكى بكاء مريرا في طريقه إلى أوروبا ” ( أنتهى ما قاله الدكتور ناجح إبراهيم عن وقائع تلك الحادثة )

 

وهنا لنا كلمة :

 

أولا أن الدكتور ناجح إبراهيم يقول أنه وصل لتلك ” الحقيقة ”  بعد ” عمق درس وتمحيص ” .. دون أن يذكر شاهدا واحدا . أو مرجعا واحدا يدلل به   على صحة هذا  ” الدرس والتمحيص ” ؟؟!!

 

ولا يغفر للدكتور ” ناجح إبراهيم ” أنه يكتب مقالا سريعا في جريدة ذائعة الإنتشار .. وهو يعلم .. أو هكذا أظن .. أن الكتابة الصحفية تنتشر أكثر بين العامة , غير المتخصصين , وأن ذلك يضاعف من مسؤولية الكاتب إزاء القراء .. حتى لا يروج .. بقصد أو دونه .. معلومات تاريخية مشكوك في صحتها أو مجافية تماما للوقائع التاريخية .

 

ثانيا : أن الوقائع التاريخية لتلك الأيام تذكر حقائق مجافية لما قاله الدكتور ” ناجح إبراهيم ” .. وغيره عن تسليم الملك فاروق بالأمر خوفا من إنقسام الجيش أو دخول الجيش والبلاد في حرب أهلية .

 

فالوقائع والشهادات الحيّة عن هذه اللحظات .. ممن عاشوها وعاصروها .. تروي لنا وقائع مخالفة .

 

كيف ؟؟

 

لعل أقرب الشهادات دقة   عن  وقائع تلك الأيام هي شهادة  أربع رجال  حضروا وعاصروا عن قرب أحداث تلك الأيام الثلاث .. منذ اللحظات الأولى للثورة وحتى مغادرة ” فاروق  ” لمصر على ظهر اليخت ” المحروسة ”

 

وفي هذه الدراسة , سنقدم شهادات  هؤلاء الرجال الأربعة  ..  وهم على الترتيب :

 

الأول  : هو الضابط في الحرس الملكي .. آنذاك .. والسفير بوزارة الخارجية .. فيما بعد ..  ” محمد وفاء حجازي

 

والثاني :  هو  المستشار ” سليمان حافظ ” .. الرجل الذي عاصر الثورة من اللحظات الأولى .. واوفده الضباط لمفاوضة علي ماهر والملك في الأسكندرية .. وسجل الرجل مذكراته كاملة .

 

والثالث : هو الأستاذ ” مرتضى المراغي ” آخر وزير للداخلية في عهد فاروق .. وكان أحد المتواجدين بجوار الأحداث في الأسكندرية في ” بولكلي ” حيث مقر رئاسة الوزراء في الأسكندرية .

والرابع : هو المؤرخ ” أحمد حمروش ” .. أحد الضباط الأحرار .. وكان مسؤولا عن قوات الثورة في الأسكندرية ومحاصرة  الملك في قصره في  رأس التين .

 

 

 

شهادة السفير محمد وفاء حجازي .. الضابط السابق بالحرس الملكي

 

تأتي أهمية شهادة السفير ” محمد وفاء حجازي ” .. رحمه الله .. أنه كان أحد ضباط الحرس الملكي الذين شاهدوا اللحظات الأخيرة في حياة فاروق كملك لمصر .. وعاصر وقائع رحيله على اليخت ” المحروسة ” .

 

وأترك المرحوم ” محمد وفاء حجازي ” يروي ذكرياته عن هذه اللحظات والتي سجلها بقلمه في مقال منشور في العدد التذكاري لمجلة ” الهلال ” بمناسبة مرور نصف قرن على ثورة يوليو .

 

يقول المرحوم ” محمد وفاء حجازي ” :

 

           ” مشهد مغادرة الملك فاروق من مصر يوم 26 يوليو , من المشاهد المثيرة , والتي مازلت أحتفظ بها في مخيلتي كأنها صورة حية .

كنت في ذلك الوقت , ضابطا في الحرس الملكي بقصر رأس التين بالأسكندرية .. وشاءت الأقدار , أن أكون الضابط المناوب في قصر رأس التين , في نفس اليوم الذي أعلن فيه تنازل الملك عن العرش . شهد القصر لأول مرة صورة مختلفة عن تلك التي اعتادها , والتي اعتدناها سابقا عليه . فقد كان الإنضباط والوجاهة هما سمات هذا القصر  , وإضفاء الهيبة هو الشغل الشاغل لكل القيادات السياسية , وكل القيادات التي كانت تتولى حراسة وحماية الملك .

ولكن في ذلك اليوم , انهارت هذه الصورة وتآكلت , ورأينا مشهدا آخر يتنافى تماما مع هذه الصورة الجمالية التي كانت تبهر بعض الناس أحيانا .. رأينا الشخوص على حقيقتها .. ورأينا الأحداث وهي تقع , فهي تبدل أوضاع وتغير هيبة ومكانة قيادات في هذا البلد .. شاهدنا الملك المنهار , الذي لم يستطع أن يتحمل أن يتحمل الصدمة . وشهدنا عددا من كبار رجال الدولة الذين يبكون بين يدي الملك , ولا يعلم أحد هل كان حزنا عليه أم خوفا من المستقبل الذي ينتظرهم .

شهدنا النساء العاملات في القصر وهن في إطار من الأبهة والفخامة والإدعاء بالإنتماء إلى المدرسة الفرنسية . فكلهن يتخفين وراء قناع اللكنة الفرنسية متشبهات ومتعلقات بعادات الغرب وتقاليده وثقافته ولغته .

شاهدتهن وهن ” يولولن ” كنساء قاع المدينة . الكل يبكي ويصرخ بصوت عال . رأيت هذا التحول المفاجيء الصاعق والذي لم يتصوره أحد يحدث في لحظة واحدة !!

ساعة ما عرف الجميع أن هناك وثيقة يقوم الملك بالتوقيع عليها بالتنازل عن العرش . رأيت ” علي ماهر باشا ” وهو يدخل ويخرج لعدة مرات وفي يده هذه الوثيقة لكي يصحح جملة أو يعدل فقرة إلى أن تم الإتفاق على شكل الوثيقة النهائي ووقع عليها الملك . وعلمت من بعض الأصدقاء الذين كانوا في القاعة التي وقع فيها الملك على الوثيقة , أنه قام بالتوقيع على الوثيقة مرتين , حيث اهتزت يده في المرة الأولى . ولكن في المرة الثانية لم تمتنع يده عن عدم الاهتزاز !!

 

ويضيف المرحوم ” محمد وفاء حجازي ” الضابط السابق بالحرس الملكي :

رأيتها , وأحسست بها وأنا في مكتبي كضابط مناوب , وكنت أتجول في طرقات القصر لأتابع الأحداث بدافع الفضول .. وعلمت أن الملك على وشك مغادرة القصر بعد ساعات .. وخلال تلك الساعات تحول القصر إلى ” مأتم ” تحيطه الغربان من كل ناحية , لا تسمع فيه إلا صراخا وولولة النساء , الكل في لوعة على المجد الزائل والأُبّهة التي إنهارت في لحظة . ( السفير محمد وفاء حجازي , شاهد عيان على ما جرى.. , مجلة الهلال , يوليو 2002 , صفحة 176 – 178 ) .

 

الإحتكاك بين الحرس الملكي وضباط الثورة

 

ويضيف المرحوم ” محمد وفاء حجازي ” :

 

                    ” … السلطة ضاعت والأُبّهة تلاشت مع مع توقيع الملك على وثيقة التنازل عن العرش .. ثم كانت طلقات النار المدوية والتي أفزعت الجميع , وخاصة أنه نتج عنها تحطيم الواجهات الزجاجية غالية الثمن . وكان ذلك أثناء احتكاك حراس القصر مع جنود الثورة المكلفين بتنفيذ الأوامر الجديدة .. وخشى الجميع من حدوث معركة دامية .. ولكن الله سلّم ولم يحدث أشتباك يؤدي إلى قتل أو دمار …

وذهبت إلى رصيف الميناء الغربي لأشاهد خروج الملك , وأرى الموكب الحزين والمثير . ولكن شاهدت في تلك الأثناء خروج صناديق وخزائن وحقائب في أحجام مختلفة , لتسبق الملك على مركب ” المحروسة ” .. وقبل الساعة الثالثة خرج الملك مرتديا الزيّ البحري الرسمي , وعلامات التوتر والكآبة والضيق بادية على قسمات وجهه .. وكنت قريبا منه .. ولذلك رأيت تفاصيل ما حدث على وجه كله خوف وفزع ودهشة … ولأول مرة أرى الملك عن قرب شديد برغم أنني كنت من حرسه الملكي .. كنا نراه .. ولكن على مسافات بعيدة .. ولكن هذه المرة كنت قريبا منه .. وكان واضحا لكل ذي عينين أن هذا الرجل كان في داخله خوف وحزن وندم .. ويحاول بقدر الإمكان أن يخفي مشاعره التي خانته !!

 

وفي هذا المناسبة يحضرني ما سمعته مؤخرا وأثار دهشتي , حيث أذاعت بعض القنوات التليفزيونية على لسان واحد ممن عشقوا تمجيد هذا الملك وجميع رموز العصر الملكي .. قوله أن الملك قبل توقيعه على وثيقة التنازل عن العرش .. قد رفض الإقتراح بالتدخل الإنجليزي لتغيير الموقف وحمايته , تحت دعوى أنه لا يريد ” حربا أهلية ” .. ولكنه لن يسمح لنفسه أن تحدث حربا أهلية .. وهي ليست أكذوبة فقط , لكن ذلك لا يتناسب مع طبيعة هذا الملك .. فهذا الملك .. كما رأيناه أثناء خدمتنا في الحرس الملكي .. أو قبل ذلك .. لم يكن يعنيه أمر هذا الوطن من قريب أو بعيد .. بالعكس كان منصرفا إلى المتع والملذات .. لدرجة أن البعض كان يطلق عليه ” الحلوف ” !!

ولم نسمع في هذه الأونة .. وأثناء تلك الأحداث عن هذه الحادثة .. وهذا الأدعاء الذي ليس له أساس من الصحة .. ونُسب بشكل فج إلى ملك لم يكن يعنيه مثل هذه الأمور ” ( محمد وفاء حجازي , الهلال , يوليو 2002 , صفحة 180 )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شهادة المستشار سليمان حافظ

 

 

والمستشار ” سليمان حافظ “..  لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة  .. آمن في مرحلة شبابه بمبادئ الحزب الوطني .. وشارك بحماس في الحركة الوطنية ضد الإحتلال .. ووقع تحت الإتهام في قضية اغتيال ” السير لي ستاك ” عام 1925 .. ولكن أنقذه القدر ولم يحكم عليه بالإعدام .. وبعد عام 1949 تولى منصب وكيل مجلس الدولة  .. الذي كان نظاما قضائيا جديدا تأسس عام 1946 .. وتولى رئاسته الدكتور ” عبد الرازق السنهوي ” . وعندما تولى ” سليمان حافظ ” قسم الفتوى والتشريع والرأي بالمجلس توثقت علاقات الود بينه وبين الدكتور عبد الرازق السنهوري .. وقاوما كل المحاولات التي بذلها الملك والحكومات المتعاقبة للسيطرة على مجلس الدولة أو اخضاعه . وفشل الملك وأعوانه في الإطاحة بهما.

وعندما قامت الثورة .. كان للثنائي : عبد الرازق السنهوري وسليمان حافظ دور كبير مع رجال الثورة والتشريعات القانونية التي اتخذتها الثورة منذ اليوم الأول .

ومن هنا ظهر المستشار ” سليمان حافظ ” كمستشار قانوني للضباط واستطاعوا فرضه على ” علي ماهر ” بعد اختياره كأول رئيس وزراء بعد الثورة .

وعلى الرغم من اقتراب المستشار ” سليمان حافظ ” من شباب ثورة يوليو .. إلا أنه أختلف معهم اختلافا شديدا بعد ذلك , مما أدى إلى إعتقاله في نوفمبر 1956  .. أثناء العدوان الثلاثي على مصر .

 وكتب المستشار ” سليمان حافظ ”  مذكراته عن وقائع تلك الأيام .. وهي مذكرات تكتسب أهميتها من كونها غير   متعاطفة مع ضباط الثورة  .. لذلك لا يمكن أتهامه بالإنحياز لضباط الثورة  أو معاداة الملك دون حق .

 

 

وهو ما سوف نتناوله تفصيلا في المقال القادم .

 

 

المقال الثاني ( 2-4 )

 

 

 

على ذكر ما جرى

 

 

فاروق يهدد  بضرب حركة الجيش

 

مثلت وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش  باكورة العمل القانوني للثنائي ( السنهوري وحافظ )  .. وهي الوثيقة  التي صاغاها سويا .. وقدمها للملك ” سليمان حافظ  ” بنفسه  . 

 

عن  وقائع تنازل الملك عن العرش  يقول الأستاذ ” سليمان حافظ ” :

 

” … اجتمع رئيس الحكومة علي ماهر عقب وصوله باللواء ” محمد نجيب ” فترة .. ثم غادر مقر الوزارة في ” بولكلي ” متجها إلى قصر رأس التين .. حيث انتقل الملك .. بعد أن طلب مني عدم مبارحة مكاني حتى يعود … ولما عاد رئيس الوزراء استدعاني لغرفته حيث فاجأني بسؤال أدركت منه ما سوف يتمخض عنه اليوم من أحداث جسام .. قال : أعندكم في مجلس الدولة عبد الحميد بدوي ؟؟!!   قلت : بل خير منه .  قال : من هو ؟؟ قلت : الدكتور السنهوري .  قال : أريد الى جانبي .. معكما .. شخص ثالث .. فهل ترى الدكتور وحيد رأفت ؟ قلت : بل الأستاذ عبده محرم .  قال : أعدوا لي وثيقة بتنازل الملك فاروق عن العرش لإبنه أحمد فؤاد .. على أن تكون معدة للتوقيع ظهر اليوم !!

 

ويكمل المستشار ” سليمان حافظ ”  قائلا :

” اتصلت تليفونيا بالأستاذ عبده محرم في مصيفه بالأسكندرية , فقيل لي إنه في القاهرة . وأسرعت إلى الدكتور السنهوري بمنزله فأبلغته الأمر . وأخذ في إرتداء ملابسه للتوجه معي إلى بولكلي . بينما كنت أنا ألقي نظرة عاجلة على نسخة من الستور كان قد وافاني بها … وفي دقائق معدودات , كنا قد أعددنا مسودة وثيقة تنازل فاروق عن العرش , بعدما أتفق رأينا على أن تكون صيغة أمر ملكي , استلهمنا ديباجته من مقدمة الدستور , وفيها رددنا سبب النزول عن العرش الي ما تقتضيه مصلحة البلاد … وقبل أن أتخذ طريقي إلى القصر , طلبت من اللواء محمد نجيب وصاحبيه أن يتصلوا بالقوات التي تحاصر القصر لتمكيني من دخوله … وفي طريقي إليه , رأيت وحدة من مدفعية الميدان تحتل رأس الأنفوشي مصوبة مدافعها إلى القصر . ولما وصلت للقصر وجدته محاصرا بوحدات من مدفعية الميدان الخفيفة والمصفحات . وقد قابلت قائد القوة المحاصرة للقصر , وطلبت منه السماح لي بدخول القصر لمقابلة الملك في مأمورية عاجلة عهد لي بها . وأبلغته بأن تعليمات له بذلك في طريقها إليه من القيادة العامة للقوات المسلحة بثكنات مصطفى كامل باشا . فأخبرني أنه يأسف لأنها لم تصل فعلا .. وبدونها لا يستطيع إجابة مطالبي . وكان لابد لكلينا من الانتظار .. فأخرجت علبة سجائري لأدخن , فإذا بها خاوية .. وأسرع الضابط وقدم لي علبته .. فلم أجد فيها سوى لفافة واحدة أبيت أن أختص بها نفسي دونه .. ثم اصطلحنا على أن نشترك في تدخينها .. ففعلنا .. وما ذقت في حياتي من لذة التدخين ما ذقته يومئذ .

وفي هذه الأثناء كنت قد طلبت من الضابط الإتصال بثكنة مصطفى باشا عن طريق اللاسلكي لتلقي تعليمات منها بالترخيص لي في دخول القصر . وعاد رسوله إلينا يقول أن عطلا طرأ على جهاز الإرسال فتعذر الإتصال .  وبينما كنت أفكر في وسيلة أخرى , فإذا بأنور السادات يصل فيفسح لي الطريق إلى باب القصر الخارجي , فأجده مغلقا وأضغط على زر الجرس فتفتح منه كوة يطل منها حارس أبلغه أني قادم من رياسة مجلس الوزراء لمهمة خاصة … دخلت إلى مبنى في الجهة الغربية من الديوان , واستقبلني على بابه الخارجي رجل قصير القامة متوسط البنية أسمر اللون في ملابس مدنية . وقدم لي نفسه , فإذا به الأميرلاي ” أحمد كامل ” . ثم دلج بي إلى صالة متسعة مستديرة صفت إلى جانب حوائطها مقاعد كبيرة تتخللها أخرى صغيرة وفي وسطها منضدة مستديرة من الرخام الداكن اللون , وفي الناحية اليمنى من مدخل الصالة باب لرواق احتشد إلى جواره عدد قليل من ضباط الحرس الملكي بملابسهم العسكرية ومن ضباط الحرس الخاص بملابسهم المدنية . 

أجلسني الأميرلاي أحمد كامل في أحد المقاعد الكبيرة , ووقف إلى جانبي يحادثني في رغبة للملك , ويرجو في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به أن أعمل على تحقيقها , وهي الإفراج عن ” أنطون بوللي ” الذي كانت القوات المحاصرة قد أعتقلته في اليوم ذاته مع الإميرالاي ” حلمي حسين ” أثناء تسللهما من القصر إلى خارجه , وأن الملك سيسطصحبه إلى الخارج لغير رجعة . ويا حبذا لو أمكن كذلك الإفراج عن ” حلمي حسين ” , ولكن أمر ” بوللي ” عند الملك أهم إذ توثقت صلته به منذ كان طفلا صغيرا .

ويضيف المستشار ” سليمان حافظ ” :

 

” ونسى أحمد كامل نفسه في حرارة حديثه هذا وجلس القرفصاء إلى جانبي , فإنتفضت واقفا , قاطعا حديثه هذا حتى يجلس في أحد المقاعد , وبعد تمنع قرب مني أحد المقاعد الصغيرة وجلس عليه يكمل الحديث , ولما أطمأن إلى وعدي بأن أبذل جهدي في تحقيق رغبة الملك السابق , انصرف عني إلى داخل الرواق ”

 

وهكذا يتضح لنا أن الملك في ظل الوقائع الجسيمة التي تمر بها البلاد , ويمر بها هو شخصيا , لم يكن مهتما بشيء قدر اهتمامه بمصير ” بوللي ”  و ” أحمد حلمي حسين ” . خصوصا الأول . ويبدو أن ذلك كان مطلبه الأول الذي حمله ياوره الخاص وألح عليه قبل مقابلة الملك .

 

كيف كانت المقابلة مع الملك نفسه ؟

 

يجيب  المستشار ” سليمان حافظ ” على هذا السؤال قائلا  :

 

” .. لم يمض قليل حتى رأيت فاروق يخرج من الرواق متجها إلى المنضدة القائمة في وسط الصالة , وهو عاري الرأس في حلة أميرال صيفية , وكان يسير مسرع الخطى , تأخذ بخناقه سعلة عصبية متواصلة . فإتجهت بدوري إلى المنضدة , وإلتقينا عندها , حيث مدّ إلي يده فصافحته , ثم أخرجت الوثيقة التي كنت أحملها إليه من مظروفها , وقدمتها إليه , فقرأها , وسألني عن ديباجتها , فأخبرته أنها مستمدة من مقدمة الدستور . ثم أعاد قرءتها متسائلا عما إذا كانت الصياغة على ما يجب أن يكون , فأكدت له ذلك . فأخرج قلمه وقرأها مرة ثالثة كلمة كلمة , ثم قال : ألا يمكن أن تضاف بعد عبارة ” بناء على إرادة الأمة ” كلمة ” وإرادتنا ” ؟؟

فقلت له أن صياغة الوثيقة في صورة أمر ملكي تنطوي على هذا المعنى . قال : فما الضرر إذن من الإضافة ؟

قلت له : اننا لم ننته من صياغة الوثيقة  على صورتها هذه إلا بصعوبة لا تسمح بإدخال أي تعديلات . قال : إذن كانت هناك وثيقة أخرى ؟ قلت : نعم . فسألني عنها . فأجبته بأنني لم أطلع عليها . قال : لعلك لا تريد ذكر شيء عنها لما قد يكون فيها من معان تجرح شعوري ؟ فأكدت له بشرفي أنني لم أطلع عليها . وعندئذ ذيل فاروق الوثيقة بتوقيعها .

وكانت عيناي لا تفارق يده وهو يوقع . ولعله لاحظ أنني أدركت من حركة اليد مبلغ انفعاله الذي كان يجالد للسيطرة عليه , فقال : أنه لا يشك في أني ألتمس له العذر في أن توقيعه لم يكن في الظرف الذي يلابسه منضبطا , على أنه سيمهر الوثيقة بتوقيع ثان . وقرن قوله بالفعل , فوقع مرة أخرى في أعلى الوثيقة . ورددت عليه بأنه ليس من فرد في هذه الأمة كان يود أن يبلغ الأمر إلى هذه النهاية . ولكن هكذا أراد الله , ومن الخير الخضوع لإرادته . فلم يعلق على ردي بقول , وانما لاحت على وجهه ابتسامة حزينة وهو يرد قلمه إلى جيبه . ولعله تذكر وقتئذ أن شعبا لم يول ملكه من الحب ما أولاه الشعب المصري له في السنين الأولى من ملكه . وأن ملكا  لم يبدد مثل هذه الثروة في أقصر مدة مثلما بددها هو , ثم استبدل بعد ذلك بالحب بغضا وبالولاء سخطا ومقتا .

 

 

 

فاروق يهدد بضرب حركة الجيش

 

نصل الآن للواقعة هدف هذا المقال , والخاصة بالزعم أن فاروق آثر القبول بحركة الضباط , وأنه رفض أن يستجيب لنداءات بعض ضباط الحرس الملكي بالإشتباك مع الضباط الأحرار وأنهم قادرون على هزيمتهم .. ولكن الملك فاروق أبى أن يتجاوب مع رغبة هؤلاء وقال لهم حرفيا : أنا لا أريد أن أريق دماء أولادي أو أن أقسم الشعب المصري إلى نصفين ” .. ثم تنازل عن العرش في صمت .. ثم ركب يخت المحروسة مغادرا مصر .. ثم بكى بكاء مريرا في طريقه إلى أوروبا “.. كما قال الدكتور ” ناجح إبراهيم ” في مقاله .

 

وفي شهادة المستشار ” سليمان حافظ ”  .. شاهد العيان الذي عاصر وقائع تنازل فاروق عن العرش  من أول لحظة .. وهو من صاغ وثيقة التنازل  مع الدكتور السنهوري .. وكان هو من قدمها لفاروق ..  نراه يقول :

 

” لم أجد صعوبة في أداء مأموريتي لدى فاروق , لأن الرئيس ( يقصد رئيس الوزراء) علي ماهر كان قد اتفق معه على النزول عن العرش عند مقابلته له في صباح هذا اليوم للمرة الثانية . وقد سمعت منه قصة ذلك الإتفاق فيما بعد …

قال لي إن اللواء نجيب سلمه إنذاراّ من القوات الثائرة بطلب نزول فاروق عن العرش ظهر ذلك اليوم .. ومغادرته مصر قبل الساعة السادسة من مساء نفس اليوم .. وكان الإنذار محررا بلهجة  بالغة منتهى الشدة . أحصت عباراته على فاروق في صراحة جارحة أوزاره ومساوئه . وقد خشى رئيس الوزراء علي ماهر أن يطلعه على نصه فيركب رأسه , فأبلغه مضمونه فحسب مشفوعا برأيه أن يقبله وينزل عن العرش لأبنه الطفل أحمد فؤاد , وبذلك يستبقي الملك في ذريته .

وهنا قال فاروق لعلي ماهر إنه ليس جبانا , وإن في وسعه أن يقاوم , وإن لديه من القوات الموالية له , أكثر مما لدى الثائرين , فقاطعه  علي ماهر بقوله : إنه لا يرضيه أن يعرّض بلاده لحرب أهلية لا يعلم الله ماذا ستجر على الوطن من ويلات .. ثم انتقل بالحديث فجأة .. وقبل أن يتيح لفاروق الرد .. إلى موضوع آخر .. وسأله عما إذا كان يريد مغادرة مصر بالجو أو بالبحر ؟ فاختار الملك السفر ” بالمحروسة ” مشترطا أن يصحب معه زوجته ” ناريمان ” وولده منها ” أحمد فؤاد ” مع سائر أولاده , وأن يودع على النحو الذي يليق بملك نزل عن عرشه بإختياره , وأن تشترك الحكومة برئيسها والقوات المسلحة بقائدها في وداعه . فأجابه علي ماهر إلى شروطه هذه دون تردد , وهو لا يعلم أتقرّه عليها القوات الثائرة أم لا تقرّه عليها . كما طلب فاروق أن يمّكن من مقابلة المستر ” كافري ” سفير أمريكا قبل سفره , فوعده علي ماهر بذلك .

 

ثم طلب فاروق أن تحرسه في طريقه إلى إيطاليا إحدى قطع البحرية المصرية , ولكن رئيس الحكومة علي ماهر أبى أن تتعدى الحراسة المياه الأقليمية . وقد علمت فيما بعد أن فاروق طلب من السفير الأمريكي عندما قابله أن يكون اليخت ” المحروسة ” في حراسة بعض وحدات الإسطول الأمريكي , الذي كان وقتئذ في مياه اليونان . ولكن السفير الأمريكي اعتذر بوجوب استشارة حكومته وعدم اتساع الوقت للأتصال بها ” ( ذكرياتي عن الثورة , سليمان حافظ دار الشروق , الطبعة الأولى 2010 , صفحة 45 )

 

ويبقى سؤال : لماذا استسلم فاروق لقدره بهذه السهولة ؟

 

هذا ما سنراه في المقال القادم .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال الثالث (3 – 4 )

 

 

 

 

لماذا إستسلم  فاروق ؟

 

للأجابة عن هذا السؤال نعود لمذكرات  المستشار سليمان حافظ  .. الرجل الذي قدم وثيقة التنازل عن العرش للملك السابق فاروق .

 يجيب ” سليمان حافظ ” على هذا  السؤال قائلا :

“.. وإذا كان نزول الملك عن عرشه قد تم بهذه السهولة دون سفك دماء  ولا متاعب , فإنما يرجع الفضل في ذلك , بعد الله , وما ألقاه الله في قلبه من رعب نتيجة مباغتة القوات الثائرة له , وإدراكه ألا ملجأ له منها , أن الشعب  كان أشد سخطا عليه منها , ويرجع الفضل بعد هذا كله إلى ما أبداه ” علي ماهر ” من مهارة وحزم وحضور ذهن وسرعة خاطر في إقناعه بذلك .. وهي صفات كان يمتاز بها ” علي ماهر ” على سائر أقرانه من السياسيين القدامى في مواجهة الأحداث المفاجئة ” ( سليمان حافظ , مصدر سابق , صفحة 45 ) .

 

وهكذا نرى من شهادة المستشار ” سليمان حافظ ” أن فاروق طاف بذهنه مقاومة الضباط الثائرين .. وصورت له ظنونه أن لديه من قوات الجيش الموالية له ما يمكنه من هزيمة الضباط الثائرين .. كما فعل جده  الخديوي توفيق مع عرابي وصحبه .

 

وهنا يثور سؤال : هل كان الإشتباك الذي حدث بين الضباط المحيطين بقاروق والقوات المحاصرة لقصر رأس التين بناء على مبادرة من ضباط الحرس الملكي أم بناء على أوامر من فاروق نفسه ؟؟

 

شهادة الضابط والمؤرخ  أحمد حمروش

 

للأجابة على هذا السؤال , من المهم الإستماع لشهادة أحد الضباط الأحرار الذي شاركوا عن قرب في وقائع تلك الأيام .. وهي شهادة الضابط ” أحمد حمروش ” .. احد الضباط المسؤولين عن القوات  التي حاصرت فاروق في الأسكندرية .. وهو في الوقت ذاته أحد المؤرخين الجادين لوقائع ثورة يوليو .. يقول أحمد حمروش : ” .. ولما كان الملك في الأسكندرية , فقد أخذت الأنظار تتجه إليها , وخاصة بعد أن استتب الأمن في القاهرة , وحوصر قصر عابدين , , وتم أعتقال كبار ضباط الجيش , والقلم السياسي , ومدير الأمن . . ولم تكد تهدأ أنفاس الضباط الأحرار في القاهرة , حتى كان الأمر قد استقر على إرسال وحدات إلى الأسكندرية تمهيدا لعزل الملك . بناء على تكليف لزكريا محيي الدين بوضعها , كما وضع من قبل خطة تحريك القوات يوم 22\ 23 يوليو . لم يكن تحريك القوات إلى السكندرية مجرد مظاهرة عسكرية , ولكنه كان ضرورة تقتضيها ظروف الحيطة والحذر من تصرفات الملك  , الذي كان مجرد وجوده يمثل خطرا حتى اللحظة الأخيرة . فالبحرية .. مثلا .. كانت خاضعة له خضوعا كاملا ولم تسهم بأي دور في الحركة .. وقوات الجيش هناك كانت محدودة .

لم يكن الملك يائسا .. كان يبحث عن طريقة للخروج من هذا المأزق .. كانت كلماته التي حملها مرتضي المراغي إلى محمد نجيب تحمل تلميحا باحتمال تدخل القوات البريطانية في الموقف كما حدث في أيام أحمد عرابي . ( أحمد حمروش , ص 227 )

 

 

 

 

فاروق  يطلب حماية السفارة البريطانية

 

 

 

وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر يهمنا أن نذكر ما كتبه ” مرتضى المراغي ” آخر وزير للداخلية في عهد فاروق .. وهي المذكرات التي تكتسب أهميتها من كونها تأتي من رجل كانت تصب في مكتبه كل التقارير السرية لجهاز الأمن المصري عن الشخصيات والأحزاب السياسية والمنظمات السرية .. ومنها تنظيم الضباط الأحرار .

ورغم الإحتراز الواجب في النقل عن ” مرتضى المراغي ” .. الذي حاول في مذكراته غسل سمعته عن الفساد الذي لحق بالنظام السياسي .. وخصوصا الفساد المتعلق بالملك وحاشيته .

 

يقول مرتضى المراغي عن واقعة الإتصال بالسفارة البريطانية ما يلي :

 

” .. لقد أراد الملك فاروق فعلا أن يستعين بالإنجليز في اليوم التالي لقيام الثورة . فأرسل مبعوثا إلى السفارة البريطانية قابل فيها الوزير المفوض مستر ” كرسويل ” الذي كان قائما بأعمال السفير . ودار بينهما هذا الحوار :

  • المبعوث : أنا موفد من الملك فاروق برسالة إليك .
  • المستر ” كرسويل ” ( بسخرية ) : وما هي الرسالة ؟
  • المبعوث : إنه يود معرفة ما إذا كنتم تستطيعون مساعدته ؟
  • كرسويل : وهل تظن أننا نساعد مجنونا ملعونا( Dam fool) ؟

 

وهكذا ترك الإنجليز فاروق لقدره . ( مذكرات مرتضى المراغي )

 

اللجوء للأمريكان

 

كان  فاروق  يحاول بكل الطرق انقاذ عرشه . فلما يئس من البريطانيين , فكر في اللجوء للأمريكان لإقناعهم بالتدخل لدى البريطانيين وانقاذه من حركة الضباط . وهكذا استدعى الملك فاروق  ” جيفرسون كافري ” سفير أمريكا لمقابلته في سراي المنتزة يوم 23 يوليو . وطلب منه فاروق أن يطلب من حكومته اقناع الحكومة البريطانية بحاجة الملك الشديدة لتدخل قواتها .

 

ويقول ” ايدن ” في مذكراته  أنه قد أوضح للسفارة البريطانية في القاهرة ان القوات البريطانية لا يجوز أن تتدخل لإبقاء فاروق على العرش . ولذا فإن السفارة البريطانية لم ترد على السفير الأمريكي ” كافري ” ردا مشجعا بعد اتصالات عاجلة تمت بين لندن وواشنطن ؟؟ كما يقول الوزير البريطاني ” أنتوني ناتنج ” في كتابه المهم ” ناصر ” .

 

ويعقب  ” أحمد حمروش ” على هذه الوقائع بجملة واحدة موحية  : ” وهكذا لم تثمر جهود ” الملك ” في استجلاب تدخل بريطاني أو أمريكي لحماية عرشه ” . ( قصة ثورة يوليو … , صفحة 227 ) .

 

 

 

فاروق : أنتم سبقتوني !!

 

 

تبقى في إطار هذه الدراسة .. واقعة تستحق الذكر .. فيما يخص نيّة فاروق  مقاومة حركة الضباط .. وقد ذكرتها معظم المراجع والشهادات القريبة من الأحداث .  وهذه الواقعة تخص واقعة توديع فاروق على اليخت المحروسة .. والحوار الذي دار بينه وبين الضباط وعلى رأسهم اللواء ” محمد نجيب ”

 

 

يذكر ” أحمد حمروش ” في كتابه ” قصة ثورة يوليو ” ما يلي :

 

      ” … وصعد محمد نجيب إلى المحروسة ومعه زملاؤه .. ثم أدى التحية العسكرية للملك المعزول .. وتصافحا باليد .. ومضت فترة سكون .. يقول عنها محمد نجيب ( الملك يتوقع أن أتحدث .. والقدرة على التعبير ضاعت من رهبة الموقف ) .

وأخيرا إنطلق نجيب يتحدث قائلا : أنني أريد أن أقول لك شيئا .. عندما اقتحمت الدبابات البريطانية قصرك في 4 فبراير 1942 .. كنت أنا الضابط الوحيد الذي قدم استقالته احتجاجا على هذا الإعتداء الشنيع على استقلال البلاد .  فعلت هذا بإسم الجيش كله .. وعبرت به عن شعور هؤلاء الضباط الذين قاموا بالحركة اليوم .. وفي هذا ما يدل على مبلغ ما كان من ولائنا نحن رجال الحركة لك .. أما الآن فقد تطورت الأحوال .. وانقلبنا نحن حماتك إلى ثوار عليك نتيجة أعمالك وتصرفات من حولك .

وفوجيء فاروق بهذا الحديث فقال : على كل حال أنني أتمنى للجيش كل الخير ..وأني أوصيك خيرا بالجيش المصري .. فهو جيش أبائي وأجدادي .. أن مأموريتك شاقة وصعبة .

وقال له نجيب : اني أعرف أن الكولونيل باشا الفرنساوي هو الذي بدأ تكوين الجيش المصري .

وكان فاروق قد لاحظ أن ” جمال سالم ” يحمل عصاه وهو في حضرته .. فتوقف عن الحديث .. واشار له  قائلا : أرم عصاك !!!

وحاول جمال سالم أن يعترض .. ولكن ” محمد نجيب ” نهره عن ذلك .. فألقى عصاه .. وووقف وقفة فيها شيء من اللامبالاة .

وقال الملك بعد أن صافحهم مودعا .. بعد أن أدى لهم التحية العسكرية .. أنتم سبقتوني في اللي عملتوه .. اللي عملتوه دلوقتى كنت راح أعمله  ؟؟!!

وطلب الملك تأجيل رحيل المحروسة نصف ساعة حتى تحضر بقية حقائبه .. ووافق نجيب بلا تردد . وخرج وفي ذهنه كلمات الملك .

 

ويعقب ” أحمد حمروش ” على هذا الحوار قائلا :

 

      ” … كان سباقا مع الزمن بين الملك وبين الضباط الأحرار . لو كانت الحركة قد تأخرت أياما , ربما كان بعضهم قد أصبح خلف قضبان السجون .. والملك في حياته اللاهية . ولكن أحداث التاريخ شاءت أن يخرج الملك معزولا من مصر , وأن يصبح ” محمد نجيب ” قائدا لحركة الجيش ” . ( ثورة 23 يوليو , أحمد حمروش , صفحة 232- 233 , طبعة الهيئة المصرية للكتاب ) .

 

وفي المقال القادم نستكمل الشهادات الحية عن نهاية الملكية في مصر  .. وظروف موت  فاروق الأنسان .

 

 

المقال الرابع (4-4 )

 

نهاية فاروق

 

في عام 1805 تولى محمد علي الكبير حكم مصر . كان الحاكم  يطلق عليه  يومها لقب الوالي . وقد تعاقب على الحكم من أسرة محمد علي ” أربعة ” ولاة هم : محمد علي ..ابراهيم باشا أبنه . وحفيداه عباس الأول وسعيد باشا .

ثم تغير لقب ” الوالي ” واصبح يلّقب  الحاكم ” بالخديوي ” .. وحكم مصر ” ثلاثة ”  يحملون لقب الخديوي هم : اسماعيل .. توفيق .. عباس حلمي الثاني .

ثم تغير اللقب الحاكم وأصبح لقبه ” سلطان ” . وحمل هذا اللقب ” أثنان ” من أسرة محمد علي هم : السلطان حسين كامل .. ثم خلفه ” السلطان فؤاد ” الذي نجح في تغير اللقب إلى ” ملك ” .

كان أحمد فؤاد الأول هو أول ” ملك ” يحكم مصر من أسرة محمد علي . وفي عام 1936 خلفه ابنه فاروق .. وفي يوليو 1952 .. اي بعد 147 سنة ( قرن ونصف تقريبا ) خرج فاروق وانتهت صفحة من صفحات الحكم في مصر . وقد جلس فاروق على عرش مصر 15 سنة , تم خلالها تشكيل 17 وزارة أي بمعدل يقل عن عام لكل وزارة !!

 

 

 

يقول المستشار ” سليمان حافظ ” الشاهد الذي قدم لفاروق وثيقة تنازله عن العرش وأحد  الذين شاهدوا  اللحظات الأخيرة لفاروق كملك :

 

“..  لم يكد ينتهي ” فاروق ”  من التوقيع حتى هدأت أعصابه وزايلته سعلته , وأخذ يحدثني في شأن ” بوللي ” و ” حلمي حسين ” , مبديا رغبته في الإفراج عنهما , أو على الأقل عن أولهما والترخيص له بإستصحابه إلى الخارج . وكان الإميرلاي ” أحمد كامل ” كان قد اقترب منا في هذه الأثناء , فقال إنه كان قد أبلغني هذه الرغبة , فوعدت بالسعي لتحقيقها ما أمكنني ذلك , فكررت للملك وعدي . واستطرد فاروق فقال : إن له في الخارج أموالا تكفيه على قلتها , وإنه لذلك يود أن توزع ثروته في مصر من الآن على ورثته , فإن لم يتيسر ذلك بقيت مجمدة لهم حتى يحل أوان استحقاقهم لها . فوعدته كذلك بالعمل على تحقيق رغبته هذه . وتحدث عن أوصياء العرش الذين أختارهم قائلا إن الأمير عبد المنعم سيحزنه أن يعهد إليه بالوصاية لأنه يحبه ولكن لن يسعه إلا قبولها . وأخيرا صافحني وعاد من حيث أتي .

وينهي المستشار ” سليمان حافظ ” بطل هذه الواقعة الوحيد , الفقرة بقوله : ” غادرت القصر ميمما دار الحكومة في بولكلي , حيث وجدت مجلس الوزراء منعقدا , فسلمت رئيسه .. أي علي ماهر .. وثيقة النزول عن العرش موقعة من فاروق .. وأبلغته رغبتي فاروق كلتيهما .. فعلق على أولاهما .. أي الافراج عن بوللي وحلمي حسين , بأن الجيش لن يقبل إجابتها . فقلت له أنني وعدت بالسعي لتحقيق رغبته , وأنه يتعين عليّ برا بوعدي أن أقصد اللواء نجيب شخصيا لهذا الغرض ( أنتهى النص )

 

أنطون بوللي..  مجددا !!

 

 

 

مما سبق يظهر جليا أن فاروق لم يكن مشغولا في المقام الأول  .. ووسط  هذه  الظروف المدلهمة .. سوى بموضوع واحد هو  انقاذ  رقبة أنطوان بوللي   وحلمي حسين . وبشكل خاص ” أنطون بوللي ”  .. و لا يمكن تفسير ذلك بدافع الوفاء والشهامة والمسؤولية عن مستقبل الرجلين .. بدليل عدم اصرار ” فاروق ”  على إخراج حلمي حسين سائقه الخاص من السجن  قدر اهتمامه بإنقاذ رقبة ” بوللي ” و اصطحابه للخارج ..

 لماذا كان يهتم ” فاروق ”  بمصير ” بوللي ” إلى هذا الحد ؟؟!!

لماذا لم يكن هناك شاغل للملك .. في ظل  هذه الظروف الكارثية  التي تحيط به  سوى إنقاذ رقبة ” أنطوان بوللي ” بكل الطرق ..  والإلحاح على ذلك  الأمر بنفسه.. أومن خلال ياوره الخاص الاميرلاي ” أحمد كامل ” ؟؟!!

 

الأجابة الوحيدة المتاحة  على هذا السؤال  لا  نجدها إلا في مذكرات الاستاذ ” مرتضى المراغي ” آخر وزير للداخلية في عهد فاروق .. 

 

يحكي الأستاذ ” مرتضى المراغي ” واقعة غريبة .. لا نملك سوى رصدها .. دون أي تعليق منا  بصحتها أو كذبها . فتظل واقعة على ذمة راويها .

 

يقول الأستاذ ” مرتضى المراغي ” :

 

             ” … هكذا ذهب فاروق وتخلى عن العرش , لأنه كان لا يعرف كيف يصونه .. فكان لاهيا عن كل شيء إلا طمعه وملذاته , مستهترا بكل شيء إلا حب المال والميسر . استهتر بالشعب واستهتر بحكومته . وكان استهتاره استهتار طفل عنيد مشاغب ظن أنه يستطيع أن يفعل أي شيء حين لم ير أحداً ينهره أو يزجره . كان يتظاهر بالقوة والجبروت . ولكن لما بدا  له في الأفق أن هناك ثورة قد يكون فيها خطر على حياته , حتى انهار وخارت قواه , وأمر يخته ” المحروسة ” بالإستعداد للإبحار في الساعة العاشرة من مساء يوم 23 يوليو . وأمر قائد بوليس السراي بأن يتصل بحكمدار بوليس القاهرة لكي يخبره ألا يقوم البوليس بأي محاولة ضد الجيش . واقال الوزارة قبل أن يتمكن مبعوثه من الإتصال بقيادة الثورة .

كان يريد الفرار بأي ثمن ( !! ) يريد النجاة بجلده ورقبته , ويحقق الرغبة التي طالما عاشت في صدره وهي أن يترك مصر ليعيش في الخارج .

ومن سخرية القدر أنه أراد أن يصطحب معه ” أنطون بوللي ”  سكرتيره المالي الذي كان يعرف كل شيء عن أموال الملك فاروق . ولكن ضباط حركة الجيش قبضت على هذا السكرتير وخرج فاروق من دونه .

 

ويضيف الأستاذ ” مرتضى المراغي ” :

 

           ” ولم تكن المفاجأة الكبرى لدى فاروق في فقده عرشه , وإنما كانت بعد وصوله إلى أوروبا واكتشافه أن أكثر المال الذي كان يعطيه ” لبوللي ” ليودعه في مصارف أوروبا , كان قد أودعه ” بوللي ” بإسمه هو , لا بإسم فاروق ( !!! ) . وعاش فاروق الذي ظن العالم أن عشرات الملايين من الجنيهات كانت مودعة بإسمه .. عاش بأقل من مليونين من الجنيهات , أطاحت بأكثرها عصابة من المحتالين الأجانب أتصلت به وأغرته بتوظيف أمواله في مشاريع إحتيالية وهمية . وضيع هو الجزأ الآخر في كازينو مونت كارلو وسان ريمو .

وأني أعلم عن يقين أن فاروق كان يعاني ضائقة مالية شديدة , وأنه كان يحصل على معونة شهرية قدرها ثلاثين ألف جنيه استرليني شهريا من الملك سعود . وعندما قطع عنه الملك سعود هذه المعونة , راح يفكر في وسيلة يستعيد بها ما فقده . ( شاهد على حكم فاروق , مرتضى المراغي , صفحة 290 – 291 , طبعة دار المعارف , طبعة أولى 2007 ) .

 

 

 

 

 

 

 

ويقول الأستاذ ” مرتضي المراغي ” في مذكراته :

 

                   ” ولابد أن فاروق كان يتوقع النهاية الغريبة التي انتهت إليها حياته . وهو نفسه لم يخف في احاديثه رغبته في الحياة خارج مصر متمتعا بالحرية,  وممارسة كل ما يريد دون قيود تفرضها عليه طبيعة الوظيفة … ولهذا كان فاروق حريصا على  أن تكون له ثروة خارج مصر . ولكن المفاجأة حينما إكتشف بعد خروجه من مصر أن معظم الأموال التي سلمها لسكرتيره ” بوللي ” ليودعها باسمه في بنوك سويسرا , قام ” بوللي ” بإيداعها في حسابه الشخصي . وعندما ذهب فاروق ليعرف حجم حساباته , كانت الصدمة أنه لم يجد لديه غير مليونين او ثلاثة ملايين فقط ( !! ) . وحتى هذه الملايين استطاع بعض المحتالين والنصابين أن      ( يلهفوا ) منها جزءاً كبيرا , عندما ضحكوا عليه وأقنعوه بإستثمارها في مناجم ذهب في البرازيل ( !! ) .

 

ويضيف الأستاذ ” مرتضى المراغي ” :

 

        ” وقد كانت لي فرصة التعرف على حقيقة اوضاع فاروق المالية وأن يُطلب مني القيام بدور في مساعدته بسبب علاقاتي مع السعودية وعملي بعد خروجي من مصر … وكنت يومها أعيش في روما وأمارس العمل التجاري الذي ساعدني عليه الأمير  ” فيصل ” . وذلك عندما جاءني حلاق فاروق السابق ” بترو ” ( وهو أحد المصادر التي كان يستقي منها فاروق معلوماته عن النشاط الشيوعي في مصر كما ذكرت في احد فصول هذه المذكرات ) . وقد عاتبني ” بترو ” في البداية لأني نسيت فاروق الذي كان يحبني , وابلغني أنه يريد أن يراني لأمر هام . واعتذرت وقلت له إنني تركت السياسة وأعمل بالتجارة , ولا أريد أن أعود للسياسة.  .  فقال ” بترو ” أنه يريديني ( أي  فاروق )  لموضوع غير سياسي , فهو يريد وساطتي في موضوع إقتصادي يهمه جدا .

وشرح لي  ” بترو ” أوضاع فاروق الحالية وكيف ضحك عليه ” بوللي ” من ناحية , والنصابون والمحتالون من جهة أخرى . وأضاف أن الملك سعود عندما عرف بهذه الأوضاع خصص مبلغ ثلاثين الف جنيه استرليني راتبا شهريا لفاروق . ولكن منذ فترة , فإن سعود  قطع هذا المبلغ عن فاروق . ولعلاقتي الطيبة بالسعوديين وعلى رأسهم الأمير فيصل , فقد طلب مني ” بترو ” بإسم فاروق أن أتصل بالملك سعود وأرجوه استئناف الراتب الشهري الذي قطعه عن فاروق ( !!! ) .

 

فقلت لبترو : ان الملك سعود لا علاقة لي به , بالإضافة إلى أن الطلب الذي تطلبه مني هو طلب مهين .. فكيف أتوسط لملك مصر السابق في الحصول على معونة له من ملك السعودية ؟؟!!

فقال بترو : معليش .. الأوضاع التي وصل إليها فاروق تسمح بذلك .. فاروق أصبح مدينا للبقال والجزار .. وأنا وأربعة غيري نعمل عنده .. لم نقبض مرتباتنا منذ عدة شهور .. بل أكثر من ذلك فإنني أقوم ببيع مخزون السيجار الذي عند فاروق لكي نحصل على المال ( !! ) .

 

ورغم توسلات ” بترو ” , إلا أنني رفضت التوسط لدى سعود لإعادة معونته الشهرية .  ثم غاب عني ” بترو ”   فترة , ثم فوجئت به يعود مرة أخرى يرجوني الوساطة في تزويج بنات فاروق من الأسرة المالكة السعودية . وكانت حجة فاروق خوفه على مصير بناته المسلمات من التورط في علاقة مع أجانب .  وقد صعب عليّ فاروق في هذا الطلب . وسافرت فعلا إلى السعودية وقمت بدور ” الخاطبة ” لبنات فاروق . ولكن أحدا لم يقبل الزواج بإحداهن ( !! ) . ( مرتضى المراغي , مرجع سابق , صفحة 300 ) .

 

 

موت فاروق

 

 

وقد قيل كثيرا عن اسباب موت فاروق .. وتداول الناس اشاعات متعددة عن موت فاروق . ومنها أشاعة أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أرسل أحد ضباط المخابرات لقتل فاروق بالسم .

وقد روجت كتب كثيرة هذه القصة . التي لا تستند إلى اساس من الصحة .

 

ونحن مضطرون .. مرة أخرى .. للعودة إلى مذكرات الأستاذ ” مرتضى المراغي ” الذي كان قريبا وشاهدا على ” بعض ” اسباب ووقائع موت فاروق ودفنه .

 

يقول الأستاذ مرتضى المراغي :

 

 

     ” … ومضت الأيام .. انقطعت عني أخبار فاروق إلى أن فوجئت بنشر الصحف خبر وفاته .. وعلمت موعد جنازته . فقررت الأشتراك فيها .. وكان من المشاهد التي لا أنساها عندما ذهبت إلى المقبرة التي أُعدت لدفنه , وكانت مقبرة المسيحيين المسماة ” الفيرانو ” في مدينة روما . وقد لفت نظري إحدى بنات فاروق , ولاحظت أن معها ولدا صغيرا كانت تهمس في أذنه بين وقت وآخر وهو في حالة إرتباك شديد . ويبدو أن الفتاة عرفتني وفوجئت بها تطلب من الولد الصغير الذي معها أن يصافحني .. ثم سمعتها تقول لي في أدب مفرط  : تسمح تخليه يقرأ الفاتحة على روح أبوه !!

وعرفت أن هذا الصبي الصغير هو الطفل ” أحمد فؤاد ” الذي قاسى فاروق طويلا من أجل أن ينجبه , وكان يحلم أن يرثه .. وطلبت من الطفل أحمد فؤاد أن يردد معي ما اقوله .. وقرأت آيات الفاتحة .. وأخذ يرددها هو خلفي .. حتى إنتهيت فأمسكت به أخته .. وأخذته .. وانسحبت !!

 

وبصدد وفاة ” فاروق ” وسببها .. يقول الأستاذ مرتضى المراغي :

 

              ” .. بسبب الحكايات الكثيرة التي ترددت عن وفاة فاروق .. ومن بينها اتهام أحد ضباط الثورة بأنه دسّ السم لفاروق في طعامه .. فقد مارست فضولي وظللت أتردد طويلا على المطعم الذي مات فيه فاروق إلى أن كسبت صداقة صاحبه .. وهذا المطعم موجود في شمال إيطاليا . وعندما عرف صاحب المطعم – بعد أن اكتسبت صداقته – أنني مصري , أخذ يحدثني عن فاروق , وتردده الطويل على مطعمه . وقلت له إنه كان غريبا أن يموت فاروق في سن 45 سنة هكذا فجأة وهو يأكل ؟؟!!

 

ونظر إليّ   صاحب المطعم . وقال لي ساخرا : يأكل ؟؟ !!

وأضاف ما معناه بالإيطالية : قل كان ” يحشي ” !!!

وأجابني بقائمة غريبة . فقد بدأ فاروق طعامه يومها بتناول سلطانية أسباجتي كبيرة عليها كوم من المحار .. وهو طبق معروف في إيطاليا اسمه ” اسباجيتي الاجاندولا ” . والمفروض فيمن يأكله ألا يأكل غيره … ولكن فاروق أكل كمية تقدم لثلاثة زبائن  ( !! ) . ثم اتبع ذلك بقطعة لحم خاصة وزنها حوالي كيلو جرام من نوع مميز اسمه ” فوليرنتينا ” وهو يعد من أحسن أنواع اللحوم ويحضرونه خصيصا من فلورنسا.. والمفروض أن يشترك أربعة في أكل القطعة التي أكلها فاروق ( !! ) . ولكن فاروق التهمها وحده.. ومعها بدون مبالغة صينية بطاطس ( !! ) .

ثم جاء دور الحلو .. وكان خفيفا : 5 أصابع موز .. وخمس تفاحات .. ونصف تورتة ( !! ) . ( مرتضى المراغي , مصدر سابق , صفحة 301 )

 

 

ويضيف الأستاذ ” مرتضى المراغي ” :

 

   ” ولم يكن سرا أن فاروق كان مريضا بالقلب .. وقد نصحه الأطباء بتخفيف وزنه .. ولكنه قد انجرف الى حب الطعام بصورة مذهلة .. وعندما التهم هذه الوجبة الغريبة .. كتمت على أنفاسه .. ومات فيها !!

 

وهكذا ..

مات آخر ملوك مصر “!!

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

تعليق واحد

  1. باعتقادى ان فاروق كان يود الخروج منصر ليستريح من عبء المنصب الذى قاسى فيه الامرين من انجلترى فى 4 فبراير سنة 42 – وقاسى ايضا من تقلص مسؤليته على الحكومة بدواعى الدستور حسب تمسك النحاس بتلك الكلمة كلما اراد فاروق شيئا يقول له النحاس انه غير دستورى – لدرجة ان فؤاد سراج الدين ابى ان ينقل احد الضباط عنما امره الملك بذلك –
    وفى رأيى ان كثرة اعباء الحكم جعلت فاروق يستسهل التخلى عن المنصب بسهولة – صحيح ممطن يكون جرب يتصل ببريطانيا ليتمسك بآخر ورقة ممكن تطيا فترة بقائه فى المنصب ( علشان يكون عمل اللى عليه فى حق نفسه وحق العائلة
    ايضا – ذكاء قادة الثورة فى انهم جعلوا الملك يذعن بالغادرة بثلاثة اشياء :
    1 – ان الثوار لم يقيلوا على ماهر واستمر 37 يوما وجعله هو المفاوض للملك ربيبه والموالى له باخلاص ” حسب اعتقاد الملك ” وهو الذى حفز الملك على المغادرة وحلف له مئة يمين انه سيضمن سلامته وسلامة ابنه ويفديهم بحياته
    2 – ان الثوار جعلوا ابنه وصى على العرش – وهذا خفف من هول الموقف للملك وبانه سيستمر المُلْك فى العائلة وابنه سيكون ملكا –
    3 – اخذهم محمد نجيب وجهة للثوار – وهو المحسوب على الحري القديم وتربى وترقى فى عهد الملك ” هذا جعل الملك يطئئن بان الثورة ستخلعه فقط , ثم تُعاد الاحزاب والعهد الملكى , بل يمكن ان يهدئ روعه ويجدد امله برجوعه الى مصر والاقامة فيها تحت رعاية ابنه الملك احمد فوؤاد – ربما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *