الرئيسية / تقارير وملفات / مأساة سكك حديد مصر بين «خصخصة خبيثة» وأخرى حميدة – بقلم : محمد عبد الحكم دياب

مأساة سكك حديد مصر بين «خصخصة خبيثة» وأخرى حميدة – بقلم : محمد عبد الحكم دياب

772B6557-A8DD-4CE9-BD47-39ED12EDCF23_cx0_cy10_cw0_w1023_r1_s
09, Mar 2019

2011-634608366251434092-143-150x150.jpg 
شهدت محطة سكك حديد مصر المركزية بالقاهرة، صباح الأربعاء 27 شباط/فبراير الماضي، اصطداما لأحد الجرارات المندفعة بشدة وسرعة فائقة، فارتطم بمَصَد خرساني منيع نهاية أحد الأرصفة، وأسفر عن ضحايا ومصابين؛ متفحمين ومحترقين. وذلك المسلسل المروع يتكرر كثيرا وصار مألوفا في قطارات السكك الحديدية.. وتتبعه عادة تصريحات وتعليقات ووعود لا تنفذ بعد هدوء العاصفة. ومرفق سكك حديد مصر هو الأقدم في الشرق والثاني عالميا من خارج منظومة النقل الغربية.. وبدأ إنشاؤه عام 1834، إلا أن خلافا نشب بين القوتين العظميين وقتها؛ بريطانيا وفرنسا، عطل العمل، ثم استؤنف بعد 17 عاما في 1851، وبدأ تشغيله عام 1854..

وللسكك الحديدية في مصر دور اجتماعي وسكاني واقتصادي قد يرقى في بعض مناحيه لدور نهر النيل في تقوية الترابط، ونحقيق الاندماج، وتعزيز التواصل، وتيسير التنقل بين سكان شمال الدلتا وجنوب الوادي، وكانت وما زالت تمثل أهم عوامل التماسك واللُّحمة السكانية، وأهم وسيلة نقل حيوية وعملية للبشر والبضائع والمواد الخام والمعدات الاستراتيجية والآليات العسكرية؛ أثناء السلم وفي زمن الحرب وإبان الأزمات. ومثلها مثل كثير من المرافق والمؤسسات المصرية مستهدَفة بالاضعاف والتصفية من قِبَل قوى داخلية وإقليمية وخارجية، خاصة فيما بعد «الانفتاح» و«السلام» الملغوم مع تل أبيب، وتداعيات ثورة 25 يناير.. والحلول المطروحة من «صندوق النقد الدولي» للمشاكل والأزمات تتمحور حول مطلب واحد؛ اسمه «الخصخصة»، وتفكيك أصول المجتمع والدولة؛ وتُسْتغَل هذه الحوادث المتكررة في تزكية هذه الحلول الخبيثة..

وقد تكون «الخصخصة» علاجا؛ لكن بعيدا عن المؤسسات والمنظمات المصهينة، التي تعمل على سلب مصر إمكانيات قوتها الصلبة، وإفقادها أوراق تأثيرها الناعمة؛ والخصخصة المطلوبة لمصر «خصخصة خبيثة»؛ تصفي وتهمل وتخرب وتفسد المرافق والمؤسسات الإنتاجية والاستراتيجية.. وتُحَمِّلها ديونا، وتعرضها لاستنزاف متعمد، وخسائر مستمرة، وتدفعها للتخلص من قوة العمل والعمال وتشريدهم، وبيع القلاع الاقتصادية والانتاجية والاستراتيجية «بتراب الفلوس»..

وشبح «الخصخصة الخبيثة» ما زال ماثلا أمام الأعين الوطنية؛ تفحصها، وتتابع ملاءمتها لمقتضى الحال، وترصد الحوادث والخسائر المتعمدة. ونتائج سلب الحق في التمثيل والمشاركة في إدارة المرفق بفروعه، وإهمال العمل النقابي، وتدني التدريب والتأهيل، وعدم الاستعانة بالكوادر والخبرات الوطنية، واعتياد الإدارات المتعاقبة لخمسة عقود على اللجوء للاحتكارات ومؤسسات الاستثمار والتمويل الغربية؛ خاصة الأمريكية والأوروبية.. وهي عادة ما تصف نفسها بـ«الدولية»؛ تغطية على طبيعتها الاستعمارية، وتعطي انطباعا بأنها منظمات أممية تابعة للأمم المتحدة في مجال المال والاقتصاد والخدمات، وفي ذلك تدليس، وخدمة لاحتكارات صهيونية مملوكة لعائلات بعينها؛ ساهمت في نشأة «الوطن القومي» لليهود في فلسطين.. ومولته، وما زالت تمده بالسلاح وتحفزه على الاستيطان، ولتبقى له الكلمة العليا في تحديد مستقبل المنطقة..

خُطط الخصخصة جاهزة بالفعل؛ تتحين الفرص، ونجد أن كل مسؤول معني بها؛ يصرح بوجود خطط لتطوير مرفق السكك الحديدية، مُقَرَّة وجاهزة للتنفيذ..

ومراجعة عقود الخصخصة تكشف الأدلة.. وكثيرا ما أفصحت السلطات القانونية والقضائية والرقابية عن وجود شبهات فساد اقتصادي ومالي في العقود، وهو ما ينفي صحة ما يتردد عن المردود الذي تتعلل به الحكومات المروجة لـ«الخصخصة الخبيثة». واللافت أنه رغم فشل تلك الحلول، فإن الحكومات تعمل على عودة سنوات الفساد التي شابت حكومة عاطف عبيد رئيس وزراء مبارك في الفترة من 1999 إلى 2004، وظلت على مدار خمس سنوات؛ تيسر طريق كبار المسؤولين في الدولة والمؤسسات العامة نحو نهب المال العام والاستيلاء على أموال الشعب والحصول على المقابل من كبار المستثمرين والمحتكرين المصرين والعرب والأجانب، من أجل تقليل قيمة المؤسسات وأسعار المرافق والشركات المستهدفة وبَخْس أسعارها..

وساعد على ذلك برنامج «صندوق النقد الدولي» وفلسفته الحريصة على إبعاد الدولة عن توجيه وضبط النشاط الاقتصادي، ليتسنى للاحتكارات التحكم فيه، وفرض الشروط التي تمكنها من التحكم ومنح الفاسدين مساحات أكبر من المشاركة في الإدارة والقرار والملكية والتصرف، وذلك تحت مبرر تخفيف الأعباء المالية عن الدولة، وتدبير الاستثمارات وتغطية الخسائر وتوفير الرواتب وخلافه، ولم يثبت ولو مرة واحدة صحة ذلك المنطق، والتجربة المصرية تؤكد عكس ذلك، وتثبت عجز القطاع الخاص عن الوفاء بمتطلبات التنمية. وقد أحدثت «الخصخصة الخبيثة» هزات مدمرة، وطردت آلاف العاملين وشردتهم من أعمالهم ووظائفهم..

وتسير الدولة على نفس خُطى نظام عائلة مبارك والتخلص من أصول الدولة، وبيع الشركات الكبرى، باسم تنشيط البورصة وزيادة الإيرادات.. وعينها حاليا على أراضي هيئة السكك الحديدية، وتبلغ 191 مليون متر مربع، موزعة على 5500 كم، وحرم مسار الخطوط (7.5 متر) على الجانبين.. وانتهى مجلس النواب من تعديلات تشريعية مطلوبة لتمكين القطاع الخاص من الاستثمار في السكك الحديدية، و«تحرير» أسعار التذاكر وبطاقات السفر.. ولا مانع من شراكة الاحتكارات الأجنبية..

وفي وقت تبخل فيه الدولة على مرفق حيوي بهذا الشكل تتبدد المليارات في مشروعات محدودة الجدوى.. وما كان لها أن توضع في سلم أولويات ظروف مصر الصعبة..

وهنا نتذكر عبارة منسوبة للشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر الراحل؛ «تقتير هنا واسراف هناك»، وقالها والملك فاروق يقضي شهر العسل في أوروبا؛ بعد زواجه من الملكة «ناريمان» في أيار/مايو 1951، ومد الملك شهر العسل لعدة شهور، ويذكر الصحافي سامح جميل في مجلة «آخر ساعة»: حين علم الملك بقول شيخ الازهر اعتبر انه المقصود بعبارة «اسراف هناك»..وأُوِّلت عبارة «تقتير هنا» بأنها تعني الازهر وأوضاعه المالية.. وكان الإمام الأكبر قد طلب اعتمادا ماليا إضافيا لتحسين احوال الازهر والأزهريين..

ما العمل مع حلول عقيمة عششت في عقول المسؤولين؟ وما هو الموقف ممن وقعوا أسرى الخطط والمشروعات الأجنبية؟، وانصياعهم لشروط المؤسسات ومنظمات التمويل والإقراض الاحتكارية (الدولية)؟.. وما الرأي في من لا يستطيع الفكاك منها؟.. وما هو حجم المغانم والفوائد الشخصية التي فاقت الوصف التي حصل عليها المسؤولون؟؛. المسؤول يدخل إلى المنصب خالي الوفاض وفي أيام معدودة، أو شهور قليلة يتحول من شخص «على باب الله» إلى ملياردير «على باب الشيطان»؛ أعماه الطمع وجعله أكثر تهافتا واستغلالا من مرابي شكسبير في تاجر البندقية”!!..

وإذا كانت كراهية مسؤولين كبار لدور الدولة تصل إلى هذا الحد من العداء، فليجربوا ولو مرة «خصخصة حميدة»، بالدعوة لاكتتاب وطني، وبيع المرافق والشركات العامة بالأسهم من خلال شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض، ووضع حد أعلى لعدد الأسهم المسموح بها للفرد الواحد، بما لا يتجاوز مئة ألف جنيه، وهناك قاعدة ذهبية تقول: كلما اتسعت المصالح، وتمكن المواطن من الحصول على نصيب عادل من الثروة الوطنية؛ كلما استقرت الحياة واستقامت، وبقي الوطن منيعا وأصبح المواطن أقدر على الدفاع عنه.. وتكون له كلمة عليا في تقرير مصيره وتحديد مستقبله.. وعلى أولئك المسؤولين أن يفكروا «خارج الصندوق» من أجل حياة أكثر عدلا وأقل ظلما!!..


عن admin

شاهد أيضاً

مطارق الحنين الي فلسطين

مطارق الحنين!! د.شكري الهزَّيل لم يكن يدور بخلدي يوما ان تضرب الاسوار اطنابها حول قلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *