الرئيسية / حوارات ناصرية / للمرة المليون.. مصر والسودان وعبدالناصر.. بقلم: السيد شبل

للمرة المليون.. مصر والسودان وعبدالناصر.. بقلم: السيد شبل

1794745_596908287067013_1196062079_n مع عبد الناصر

 65805499_651026755369832_9175370868174356480_n

لم يسع أحد للوحدة العربية قدر ما سعى إليها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ولولا المؤامرات الغربية التي عملت على تقويض مشروعاته وإجهاضها لتحققت أحلام الشعب العربي بالوحدة على يديه.

ولا ندري كيف لمتعلّم مرّت عليه سيرة عبدالناصر ولو مرورًا كريمًا في مراحل الدراسة أن يتماهى مع ما يروّج من أكاذيب تقول بأن عبدالناصر فرّط في السودان، وأن البلدين كانتا بلدًا واحدًا وهو من بيده قطع روابط الصلة بينهما !!.

ورغم أن هذه المزاعم تم الرد عليها من مئات الباحثين والمؤرخين، إلا أن الإعلام الذي دأب على تشويه عبدالناصر ومشروعه طوال الأربعين عامًا الماضية -منذ أن بدأ السادات مفاوضاته مع هنري كيسنجر في أعقاب اكتوبر 73 لفك الإشتباك- كان الأعلى صوتًا فكان ذا تأثير أكبر، لذا رأينا من واجبنا إعادة عرض وتجميع ما قدمه غيرنا بخصوص هذه القضية عرضًا تاريخيًا سرديًا، لا نتدخل فيه سوى للتوضيح.

** البداية.. غزو محمد علي للسودان وخضوعها لحكم أسرته.. من 1820 حتى 1880:

في عام 1820 عهد محمد على باشا (والي مصر من 1805 حتى يوليو 1848) ،إلي ابنه بغزو السودان، وانتهت الحرب بعد عامين بانتصار القوات المصرية وضمت كل السودان الشمالي ما عدا دارفور للحكم الخديوى، ويعرف السودانيين تلك الفترة بـ”الحكم التركي”.

بعد وفاة محمد علي استكمل خلفاؤه من عائلته غزو السودان واستطاعوا ضم المناطق الاستوائية حتى أوغندا بحلول عام 1875.

“وبعيدًا عن انتهاكات ومذابح ارتكبها محمد علي ومن خلفوه أثناء تلك الغزوات المتكررة، يمكننا القول بأن السودان كانت تابعة لحكام مصر فعليًا وتدار بأمرهم، مع الأخذ في الإعتبار أنها تأثرت بتزايد نفوذ الأوروبيين الدائنين في مصر في عصر سعيد باشا وإسماعيل باشا”

** المرحلة الثانية.. الثورة المهدية وإستقلال السودان عن حكم أسرة محمد علي 1880:

في عام 1880 قامت الثورة المهدية بزعامة محمد أحمد المهدي في السودان، ردا على ظلم الحكم المصري التركي ومدفوعه بفساد موظفيه وبسبب الضرائب الباهظة التي تم فرضها وعانى منها السودانيون، وبدأت مسيرتها بعدة انتصارات محدودة اتسعت بسرعة.

** المرحلة الثالثة.. هزيمة أحمد عرابي وسقوط مصر في قبضة الإحتلال البريطاني وإستقلال السودان بشكل كامل 1882 إلي 1899:

استعان الخديوي توفيق بالجيش الإنجليزي، للوقوف في وجه الزعيم الشعبي أحمد عرابي والذي كان يطالب بحقوق المصريين في الجيش ووقف صور التدخل الأجنبي في شئون مصر بعد صدور قانون التصفية عام 1880، وعودة نظم المراقبة الثناثية (الانجليزي الفرنسي)، ودارت معارك قوية أثبت فيها عرابي وزملائه بسالة وشجاعة لكن فرق الإمكانيات وخيانة عدد من الإقطاعيين لعرابي وتأليب بدو الشرقية عليه إلي جانب خيانة دي لسبس صاحب مشروع حفر قناة السويس أدى إلي هزيمته، وسقطت مصر في قبضة المستعمر الإنجليزي في 1882.

وخلال الفترة من 1880 حتى 1882 التي انتهت بسقوط مصر في قبضة الإستعمار وتدمير قوة جيشها بقيادة عرابي، كان جيش المهدي في السودان يواصل انتصاراته على على عدد من الولاة التابعين للسلطنة العثمانية ولأسرة محمد علي، في معارك عديدة مثل موقعة الجزيرة أبا في أغسطس 1881 والإنتصار على حملة راشد بك في ديسمبر 1881 ثم على حملة يوسف بك الشلالي في مارس 1882.

فيما بعد ضغط الجيش البريطاني على الخديوي توفيق لمد حملتهم العسكرية، التي يقودها ثلاثة عشر ضابطا أوروبيا على رأسهم الضابط الإنجليزي هكس باشا، بالتمويل اللازم وبعدد من جنود الجيش المصري المهزوم والمفكك “حينها”، وبالفعل استجابت الحكومة المصرية الواقعة تحت الاستعمار الإنجليزي ورأت في إرسال الجنود فرصة للتخلص من تهديدهم المحتمل حيث كان أغلبهم على ولائه لعرابي، وقد شكوا في نوايا الحكومة المصرية والمستعمرين من خلفها، وكان لهذا دورًا كبيرًا في هزمية الجيش فقد سرت شائعات وسط الجنود انهم في طريقهم إلى السجن في سواكن، وقد كثرت حالات الهروب من الخدمة كما قصّرت الحكومة المصرية في دفع متأخرات مرتباتهم مما أضر بروحهم المعنوية كثيرا وقد زج بهم في حرب ضروس في أرض غريبة عنهم، ومن بين الأسباب الأخرى التي أدت إلي هزيمة هذا الجيش تخبط القادة العسكريين وضلال الطريق ونفاذ المؤن وقوة جيش المهدي، في نهاية الأمر أنتصر المهديون وتم القضاء على هكس باشا وجنوده من المصريين والإنجليز في معركة شيكان الشهيرة، فيما بعد فتحوا مدينة الخرطوم، وقضوا على الجنرال غوردون حاكم السودان في ذلك الوقت لتنتهي بذلك فترة السيطرة المصرية على السودان بشكل كامل.

(( ويذكر أن الإمام محمد أحمد المهدي قائد الثورة المهدية كان لا يريد قتل الجنرال غوردون وكان يود الاحتفاظ به حيا ليبادل به القائد المصري أحمد عرابي الذي كان في الأسر حينها، حيث كان يراه أي -عرابي- بطلًا مجاهدًا ضد الإستعمار، لكن بعض أتباعه لم يستمع لتعاليمه وقاموا بقطع رأس غوردون في يوم تحرير الخرطوم يناير 1885م )).

** المرحلة الرابعة.. سقوط السودان في يد الإستعمار البريطاني بمشاركة من جنود مصريين 1899:

بعد وفاة الإمام المهدي تولى حكم السودان عبد الله التعايشي، وفي عهده تمددت الدولة المركزية، وعاصمتها أم درمان، بين دارفور في الغرب وإلى البحر الأحمر شرقاً، ومن بحر الغزال في الجنوب إلى دنقلا عند أقاصي الشمال، ورغم التحديات الخارجية التي واجهته مثل المطامع من جانب إنجلترا وفرنسا والحبشة، فإنه نجح في الحفاظ على حدود دولته في كافة الجبهات وأثر في تشكيل خارطة الأنظمة في الإقليم، مثلما فعل في إثيوبيا حيث استطاع تغيير نظام الحكم بقتل الملك يوحنا وإنهاء حكم التقراي وبإتاحة الفرصة للأمهرا، إلا أن حروبه الداخلية والخارجية الكثيرة كالحرب ضد الحبشة ومحاولة غزو مصر التي كانت قد صارت مستعمرة بريطانية بصورة رسمية في ذلك الوقت، أدت إلي تردي أوضاع السودان في عهده إلي حد ما.

وفي عام 1898 ونظرًا لتخوفات بريطانيا “التي كانت تحتل مصر” من زحف فرنسا تجاه السودان، وبسبب الأطماع الإستعمارية للمملكة البريطانية، قررت أن ترسل حملة قادها اللورد هربرت كتشنر، وكان من بين المشاركين فيها الضابط الإنجليزي ونستون تشرشل “رئيس وزراء بريطانيا فيما بعد” والذي وصفها في كتابه “حرب النهر” بأنها كانت “معركة اعادة الغزو”، على اعتبار أن بريطانيا كانت تشارك السلطنة العثمانية وأسرة محمد علي في حكمها، وذلك بسبب ضعف العثمانين وخضوع مصر للهيمنة الريطانية “حتى قيل الإحتلال العسكري المباشر” بسبب الديون المتراكمة في عصر سعيد باشا وإساعيل باشا.

وتجدر الإشارة هنا إلي أنه لم تتم استشارة خديوي مصر حينها “عباس حلمي الثاني” – ربما بسبب مواقفه المناهضة للبريطانيين والتي أدت إلي عزله على أيديهم في ديمسبر 1914- في الأمر رغم أن بعض المهام قد أسندت للجيش المصري بقيادة “كتشنر” الذي تلقى تعليماته من اللورد كرومر مباشرة و دون أي تدخل من وزارة الحربية المصرية، ومن المؤكد أن الجيش كان يعاني حالة من التفكك وغياب الروح المعنوية منذ هزيمة التل الكبير وهذا أمر طبيعي طالما أن الدولة محتلة.

كان ميزان القوة يميل للقوات الإنجليزية الغازية بشكل كبير، إذ تتفوق على قوات المهدية في التدريب و العتاد و السلاح، أما بالنسبة للمهديين والذي كان يقودهم عبد الله التعايشي فقد تفوقوا عددياً و اشتهروا بالإقدام الكبير و باستعدادهم للموت في سبيل قضيتهم، أستمرت المعارك لمدة ثلاث سنوات تقريبا وانتهت قتل الخليفة عبدالله محاربا في معركة أم دبيكرات في 24 نوفمبر 1899.

وأقدم الإنجليز بعد زوال الدولة المهدية على اعمال انتقامية كالتمثيل بالجثث، وتعقب أبناء المهدي وخليفته وكبار قادة الأنصار وقتلهم، وتهجير قبيلة التعايشة والإشراف من ال المهدي من أم درمان إلى النيل الأزرق وسنار وود مدني، ونبش قبر المهدي وهذا ما اكده تشرشل في كتبه سالف الذكر.

** المرحلة الخامسة.. إتفاقية الحكم الثنائي 1899 وأحداث ثورة 1924 وإنحسار دور مصر في السودان وصولًا إلي عام 1936:

في 19 يناير 1899 وقعت الحكومتان المصرية والبريطانية على اتفاقية تقضي بالسيادة المشتركة على السودان (الذي سمي بالسودان الإنجليزي المصري) عرفت باتفاقية كرومر- بطرس، نسبة إلي اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني وبطرس غالي رئيس وزراء مصر ويعد واحد من أسوأ الشخصيات السياسية فى تاريخ مصر وتم اغتياله فيما بعد على يد شاب مصري يدعى “إبراهيم ناصف الورداني.. وتحول إلي بطل شعبي في نظر الحركة الوطنية”، اعترفت الإتفاقية “بالجهود المشتركة” ماليا و عسكريا التي قادت إلى فتح السودان، كما اعترفت بالحقوق البريطانية في السودان المبنية على “حق الفتح”، وعليه يرفع العلمان البريطاني و المصري معاً في السودان (وكان هذا بحسب ما يذكر المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي وينقل الباحث عمرو صابح ترضية للخديوي عباس حلمي الثاني حتى يبتعد عن مصطفى كامل، مؤكدًا أنه كان في حقيقته حكما إنجليزياً خالصاً وليس ثنائياً).

وقضت الاتفاقية بترشيح حاكم عام من قبل بريطانيا، يعين بمرسوم ملكي مصري، وللحاكم العام كل السلطات التشريعية والمالية على البلاد.

ويرى البعض أن واقع هذه المرحلة يخبرنا بأن الدولتين مصر والسودان كانتا واقعتين تحت الإحتلال العسكري البريطاني، وكان الوجود المصري في السودان لا يزيد عن عدد محدود من الموظفين الذين يعملون تحت إمرة التاج البريطاني، وعدد من الوحدات العسكرية المصرية التي تعطي للاحتلال البريطاني مظهرًا شرعيًا.

عارض المصريون الوطنيون المعاهدة بشدة لإعتقادهم أن الخديوي قد تنازل عن السيادة المصرية على السودان لبريطانيا.

– فيما بعد غير الخديوي لقبه إلى “ملك مصر” بدلا عن “ملك مصر والسودان” في دلالة رمزية على اسقاط مطالباته بالسيادة على السودان بضغط بريطاني.

– استمر تمركز عدد من الوحدات العسكرية المصرية في السودان حتى تم سحبها بعد اغتيال السير “لي ستاك” الحاكم العام للسودان في القاهرة، حيث أمهلت بريطانيا مصر 24 ساعة لسحب قواتها و موظفيها من السودان وتم إخماد حركة عسكرية سودانية محدودة قامت بها الكتيبة الحادية عشرة السودانية، حيث تضامن عدد من الضباط السودانيين بقيادة علي عبد اللطيف مع المصريين واندلعت في البلاد أحداث عرفت في السودان بثورة 1924.

بعد هذا التاريخ لم يعد لمصر إلا النفوذ الإسمي الذي يمثله رفع علمها في السودان، خصوصا بعد تكوين قوة دفاع السودان في 17 يناير 1925 لتحل محل القوات المصرية في الدفاع عن السودان، و انحصر تمثيلها في السودان بمكاتب الري المصري وجمع البيانات عن النيل.

نظرياً استمرت معاهدة 1899 بلا تغيير حتى عام 1936

** المرحلة السادسة.. معاهدة 36.. وتصاعد الحركات الوطنية للمطالبة بالإستقلال:

في عام 1936 وقعت الحكومة المصرية اتفاقية مع بريطانيا العظمى أكدت بين بنودها اتفاقية 1899.

لعبت إنجلترا دورًا خبيثا مركبًا في هذا الوقت حيث استغلت حماس فصيل من العناصر المتعلمة فى السودان، إذ رأوا أنه تم إغفال رأيهم في معاهدة 36، وسعوا لإثبات أنهم قوة إيجابية وعليهم العمل لسودنة السودان.. وظهر تأسيس نادى الخريجين وماتبعه من ظهور تيارات سودانية تدعو للإنفصال عن مصر.

فيما بعد تشكلت أحزاب تدعو للوحدة والشراكة مع مصر أهمها الحزب الاتحادى برئاسة إسماعيل الأزهرى، إلا أن حزب الأمة الذي كان يؤمن بحق تقرير المصير والاستقلال التام عن مصر وبريطانيا ومن يدينون بالزعامة الروحية لعبد الرحمن المهدى استجابوا لدعوة الانفصال.

في عام 1946 حاول الإنجليز فرض هذا الواقع الانفصالى بشكل عملي عندما انتهت مدة عمل قاضى القضاه المصرى،وكان مفترض تعيين مصري خلفاً له وفقا للاتفاقيات السابقة إلا أن الإنجليز فرضوا تعيين قاضي سودانى خلفا له (وكان هذا المنصب يكاد أن يكون الصلة الإدارية الوحيدة لمصر بالسودان وقتذاك)، وفى العام التالى انتهت خدمه الحاكم العام البريطانى فى السودان فتم تعيين حاكم عام بريطانى آخر دون الإشاره فى المرسوم الى اتفاقيتى 1899 و 1936.

بعد الحرب العالمية الثانية تفاوضت مصر وبريطانيا بشأن تعديل وتنقيح معاهدة عام 1936، وطالبت الحكومة المصرية بريطانيا بالانسحاب من السودان، واقترح البريطانيون بعض التعديلات على الوضع وقتذاك ولكن المفاوضات أفضت إلى طريق مسدود.

كانت الحركة الوطنية في مصر تطالب بجلاء المستعمر البريطاني عن مصر والسودان، بينما انقسمت الحركة السياسية في السودان بين من يطالب بجلاء بريطانيا ويؤمن بالوحدة مع مصر وبين من يطالب باستقلال السودان عن مصر وعن بريطانيا، وأتضح هذا الأمر عندما توجهت مصر لعرض قضيه وادي النيل على مجلس الأمن، ففى الوقت الذى أرسل مندوبى الأحزاب الاتحادية السودانية لتأييد مطلب الوحدة، أرسلت الأحزاب الاستقلالية الانفصالية وعلى رأسها وفد برئاسة الصديق المهدي لتوضح مطالبهم باستقلال السودان فصارت القضيه نحو الصدام، ولاقت الأحزاب الإستقلالية دعمًا مباشر وغير مباشر من الإنجليز.

وفى النهاية كان الموقف فى مجلس الأمن ضد مصر بقيادة الدول الاستعماريه انجلترا (المستعمر) وفرنسا التى كانت تخشى أن يمتد تأثير مطالب الاستقلال عن المحتل الى دول المغرب العربي، وأمريكا التي كانت تطلع لأن تتسلم راية الهيمنة والاحتلال مكان إنجلترا.

وفي ظل حالة التناحر الحزبي التي سادت مصر في هذه المرحلة وقعت خلافات عديدة حول طريقة إدارة الأزمة مع بريطانيا، وعكست تخبط عام، بالإضافة إلي الظروف السياسية الغير مستقرة فى مصر بعد الهزيمة حرب فلسطين 1948.

في أكتوبر 1951 قام مصطفى النحاس بالغاء معاهدتي 1936 و1899 من جانب واحد، ولم تعترف بريطانيا بهذا الإلغاء، ثم تم إقالة حكومة الوفد بعد حريق القاهرة يناير 1952.

ويمكن رصد إقرار الحكومات المصرية حق تقرير المصير للسودان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بموافقة ملكية عبر التالي:

1- موافقة إسماعيل صدقي باشا في مشروع إتفاقية صدقي-بيفن 25 أكتوبر 1946 على منح حق تقرير المصير للسودان بعد فترة حكم ذاتي للسودانيين.

2- في إطار مباحثات “أحمد خشبة – رونالد كامبل” في حكومة محمود فهمي النقراشي مايو 1948 وافق خشبة ضمنيا على حق تقرير المصير بناء على موافقته على إنشاء المجلس التنفيذي السوداني و الجمعية التشريعية بمشاركة مصرية-إنجليزية للمساهمة في إعداد السودانيين للحكم الذاتي و تقرير المصير، وكان كل ما طلبه النقراشي أن يعلن الإنجليز أنهم لن يشجعوا السودان على الإنفصال عن مصر فرفضوا.

3- في 26 اغسطس 1950 اقترح محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية (1950 – 1952) اقترح اقامة فترة حكم انتقالية بالسودان الى 1953 لتأهيل السودانيين للحكم الذاتي و بعدها يكون لهم حق تقرير مصيرهم ضمن مفاوضات صلاح الدين بيفن، وفي 16 نوفمبر 1951 بالامم المتحدة وافق محمد صلاح الدين باشاأمام الأمم المتحدة على سحب كل موظفي و قوات مصر بشرط أن ترافقها مع سحب قوات و موظفي انجلترا و بعدها فترة انتقالية للسودنة ثم الحكم الذاتي و لاحقا حق تقرير المصير.

********

ومن كل ما سبق نخلص إلي مجموعة من الحقائق كافية لدحض أية مزاعم تتحدث عن تفريط الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر في السودان وهي:

أ- يمكننا القول أن السودان لم تكن تابعًا لمصر بشكل كامل ومباشر إلا في الفترة ما بين 1822 حتى 1875، مع التنبيه إلي ان هذه الفترة كانت من أسوأ الفترات التي عانى فيها السودانيون، وأدت إلي قيام الثورة المهدية، واستقلال السودان بقادة المهدية حتى 1899.

ب- لا يمكن وصف ما جرى في عام 1899 بأنه أعاد السودان لمصر، بل يمكننا القول بأنه وضع “مصر والسودان” تحت قبضة نفس المستعمر، فمن قاد المعركة وخطط لها خدمة لأهداف إستعمارية كان الجيش البريطاني بقيادة “كتشنر”، وحتى قرار مشاركة جنود مصريين في المعركة صدر من اللورد كرومر ولم تستشر وزارة الحربية المصرية “وهذا أمر منطقي في دولة خاضعة للاحتلال”، ومع إقرار اتفاقية الحكم الثنائي، إلا أن واقع هذه المرحلة يخبرنا بأن الدولتين مصر والسودان كانتا واقعتين تحت الإحتلال العسكري البريطاني، وكان الوجود المصري في السودان لا يزيد عن عدد محدود من الموظفين الذين يعملون تحت إمرة التاج البريطاني، وعدد من الوحدات العسكرية المصرية، والتي انسحبت بدورها عام 1924.

ج- في العام 1946 نجحت بريطانيا في فرض الواقع الانفصالى بشكل عملي عندما عينت قاضي سودانى خلفا لقاض مصري على عكس ما هو مفترض أن يكون، وفى العام التالى تم تعيين حاكم عام بريطانى آخر دون الإشاره فى المرسوم الى اتفاقيتى 1899 و 1936.

د- الحركة الوطنية السودانية المناهضة للإحتلال البريطاني لم تكن مجمعة على قرار الإتحاد مع مصر، وطالب بعض قادتها ورموزها بالإستقلال عن مصر وإنجلترا، وكان المستعمر البريطاني يغذي تيار الإنفصال عن مصر، وهذا يرتبط بالتركيبة السودانية نفسها والتي كان يستعصي معها الإتحاد إلا بالخيار العسكري -وهو ما كان يرفضه عبدالناصر- فهناك أفارقة بالجنوب غير عرب و لا مسلمين رافضين للإتحاد بالكلية مع مصر، وهناك عرب بالوسط و الشمال أكثرهم يريد الوحدة و منقسمين بين طرف يريد وحدة إندماجية و طرف يريد وحدة شكلية، وهناك أيضا كردفان ودارفور وبهما حركات إنفصالية لا تريد حتى التوحد مع السودانيين داخل دولة واحدة.

هـ- حق تقرير المصير الذي تم منحه للسودانين فيما بعد لم يكن قرار ثورة يوليو، بل سبقه قرارات مثالة من وزارات “إسماعيل صدقي – محمود فهمي النقراشي – حسين سري” في الفترة الملكية.

********

ويبقى أن نعرف أن جمال عبدالناصر لم يتوقف دوره عند حد الإستجابة لمطالب الشعب السواني العربي الشقيق ومنحه حق تقرير مصيره بعد إستقلاله عن المستعمر الإنجليزي، وإنما امتد لمجالات تعاون شتى وتنمية على مختلف الأصعدة.. وسوف نتعرض لها قريبًا في مقال مفصل بعون الله.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *