الرئيسية / أخــبار / ذكرى زيارة السادات المشؤمه للقدس – خواطر في ذكري يوم حزين من أيام مصر

ذكرى زيارة السادات المشؤمه للقدس – خواطر في ذكري يوم حزين من أيام مصر

Egyptian President Anwar Sadat addresses the Israeli Knesset in Jerusalem. November 20, 1977 Jerusalem, Israel
Egyptian President Anwar Sadat addresses the Israeli Knesset in Jerusalem. November 20, 1977 Jerusalem, Israel

تاريخ المناسبة: 1977/11/19

خواطر في ذكري يوم حزين من أيام مصر
***

كتب د.حسن نافعه.
في مثل هذا اليوم من شهر نوفمبر عام ١٩٧٧ كان الرئيس السادات في طريقه إلي القدس لإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي، وعندما حطت الطائرة فوق أحد مدارج مطار بن جوريون وفتح بابها، وبدأ السادات رحلة النزول من فوق السلم تلاحقه عدسات وسائل الإعلام التي احتشدت هناك بالآلاف، بدا المشهد كله وكأنه ينتمي لعالم اللامعقول، لدرجة أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لم يتردد في مقارنته بمشهد هبوط أول إنسان علي سطح القمر، فلم يشك أحد قط في أن تلك اللحظة جسدت واحدة من كبري المغامرات السياسية وأكثرها إثارة في التاريخ،

ولم يكن بمقدور أحد أن يتصور، ولو في أكثر أحلامه أو كوابيسه جنوحا، أن يتفتق ذهن رئيس أكبر دولة عربية عن وسيلة من هذا النوع لوضع حد لصراع دولي بالغ التعقيد من نوع الصراع العربي الإسرائيلي، ورغم إدراكي التام بأن البعض في مصر، وربما في العالم العربي أيضا، لايزال يعتقد أن قرار الرئيس السادات بالذهاب إلي القدس كان صائبا، بل ويعد واحداً من تجلياته الدالة علي الإلهام والعبقرية، والتي لولاها لظلت سيناء محتلة حتي يومنا هذا، إلا أنني لم أستطع أبدا أن أشاطر هؤلاء وجهة نظرهم، وتقتضي الأمانة أن أعترف بأنه لايزال يصعب علي محو مشهد كهذا من ذاكرتي، رغم مرور تسعة وعشرين عاما.

كنت قد أنهيت دراستي في فرنسا وعدت إلي مصر قبل أسابيع قليلة من وقوع هذا الحدث الذي داهمني وأنا أقضي مع أسرتي -حيث تعودت دائماً – إجازة عيد أظن أنه كان عيد الأضحي في قريتي الصغيرة الواقعة في محافظة البحيرة، ولا أدري لماذا تملكتني في ذلك اليوم حمي اضطرتني لمتابعة الحدث عبر شاشات التليفزيون وأنا قابع في سريري أرتجف تحت أغطية ثقيلة احتجتها رغم حرارة الجو،

بل إنني أذكر أنني كنت منفعلا لدرجة لم أستطع معها تمالك نفسي من البكاء حين رأيت رئيس مصر يهبط من سلم طائرته ويمد يده مصافحا مناحم بيجين وجولدا مائير وموشي ديان وغيرهم في وقت كانت فيه سيناء وبقية الأراضي العربية لاتزال محتلة ودماء شهدائنا الذين سقطوا في حرب ٧٣ المجيدة لم تجف بعد، كما أعترف بأن مشاعري كانت ممزقة تماما بين قلب يتمني أن تنجح أي محاولة، مهما كانت غرابتها في وضع حد لصراع لا تبدو له نهاية في الأفق، رغم ما قد تنطوي عليه هذه الخطوة بالذات من مساس واضح بكبرياء الوطن، وبين عقل يدرك يقينا استحالة تحقيق مثل هذا النجاح لمنافاته مع أبسط قواعد المنطق وحقائق الأمور.

علي أي حال أرجو أن يسمح لي القارئ الكريم بأن أطرح عليه في هذه المناسبة رؤيتي لبعض الحقائق التي بنيت عليها موقفي حول زيارة السادات للقدس، لعلي بذلك أسهم في مساعدة شبابنا الذين لم يعايشوا هذا الحدث علي تكوين رأيهم الخاص والمستقل منه، وهي حقائق ألخصها علي النحو التالي:

١- كان الرئيس السادات يعتقد أن من حقه بناء شرعية جديدة له تختلف عن شرعية المرحلة التي قادها جمال عبدالناصر بعد النجاح الذي أحرزه في حرب أكتوبر التي كان هو صاحب القرار فيها، وليس بوسع أحد أن ينكر عليه ذلك، لكن المشكلة أنه اعتقد أن الطريق الوحيد لبناء هذه الشرعية يكمن في هدم شرعية ثورة يوليو ذاتها وتوجهاتها الوطنية، بما لها وما عليها.

٢- تصور الرئيس السادات أن بإمكانه بناء هذه الشرعية تأسيسا علي قناعتين، ساعد هنري كيسنجر علي ترسيخهما في ذهنه، القناعة الأولي: أن الولايات المتحدة ستساعده علي تحقيق تسوية شاملة للصراع تملك ٩٩% من أوراقها، القناعة الثانية: أن الولايات المتحدة ستساعد مصر علي قيادتها للمنطقة من خلال مشروع للتنمية علي نمط مشروع مارشال الذي مكن أوروبا الغربية من الوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يكن لدي الرئيس السادات أي شك في أن الولايات المتحدة تملك الفضيلتين معا: أي الرغبة والقدرة علي إيجاد التسوية وتحقيق التنمية في آن واحد، وعلي هذا الأساس قبل الرئيس السادات بالولايات المتحدة وسيطا وحيدا وحليفا، وراح يهيئ الجبهة الداخلية لتحولات اجتماعية وسياسية تتناسب مع أسس الشرعية الجديدة التي يحاول إرساءها من خلال انفتاح اقتصادي وتعددية سياسية مقيدة.

٣- تصرف السادات علي أساس أنه يملك أوراقا حقيقية وأن بمقدوره مساعدة حلفائه الجدد علي اجتياز أزماتهم بتقديم تنازلات وإغراءات سياسية من جانب واحد ودون مقابل، فعندما بدأ نيكسون يواجه فضيحة ووترجيت راح يتبني موقفا مرنا إلي حد التفريط في اتفاق فصل الاشتباك، وذهب إلي حد تنظيم استقبال أسطوري له في مصر، ولتقوية عضد فورد وإغرائه بالاستمرار في الاهتمام بالمنطقة أعلن في مجلس الشعب عام ١٩٧٦ إلغاء معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي كان هو الذي بادر باقتراح إبرامها بنفسه عام ١٩٧١ عقب حسم صراعه مع «مراكز القوي».

٤- عندما اندلعت انتفاضة الخبز عام ١٩٧٧ لم يتوقف الرئيس السادات لمراجعة الأسس التي بنيت عليها توجهاته السياسية الجديدة مفضلا سياسة الهروب إلي الأمام باستمرار، فمع نهاية ١٩٧٦ كان قد بات واضحا أن سياسة الخطوة خطوة التي انتهجها كيسنجر قد وصلت إلي مأزق قبل أن تموت نهائيا برحيله، وفي بداية ٧٧ كان قد بات واضحا أن سياسة الانفتاح الاقتصادي والتعددية المقيدة قد دخلتا بدورهما في مأزق، وأن نظامه أصبح مهددا بالانفجار من الداخل ومحاصرا من الخارج، خصوصا بعد سقوط حزب العمل ونجاح الليكود بقيادة بيجين في الانتخابات الإسرائيلية عام ١٩٧٧، هنا لم يفكر الرئيس السادات وهو شخصية مغامرة بطبيعتها، في تقديم استقالته وإنما في الذهاب إلي القدس.

٥- لم يفاجأ الرئيس السادات بالتعنت الإسرائيلي بعد المبادرة، حيث كان قد أوفد حسن التهامي لمقابلة «ديان» بترتيب من الملك الحسن الثاني، وبالتالي كان علي دراية تامة قبل زيارة القدس بحقيقة الموقف الإسرائيلي الرافض للعودة إلي حدود ٦٧، ولإقامة دولة فلسطينية أو حتي الدخول في مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية حتي لو اعترفت بالقرار ٢٤٢، كما كان علي دراية تامة بأن الخيار الوحيد المتاح أمامه هو معاهدة سلام منفصلة بين مصر وإسرائيل.

٦- سأل الرئيس حافظ الأسد عندما ذهب الرئيس السادات للقائه في دمشق قبيل توجهه إلي القدس، عما إذا كان قد حصل علي ضمانات بتجاوب إسرائيل مع مبادرته، لكن الرئيس السادات أجابه بالنفي، مؤكدا أن أحدا لم يقدم له ضمانات ولكنه واثق من النجاح، وقد ثبت فيما بعد أن ثقته هذه كانت مبنية أيضا علي أوهام ولم تكن سوي أضغاث أحلام.

٧- علي الرغم من أن خطاب السادات في الكنيست بدا قويا ومعبرا عن الموقف العربي ورافضا لأي تسوية منفصلة، كما أن الدعوة التي وجهها للدول العربية لحضور مؤتمر مينا هاوس بدت كأنها تشكل دليلا علي استمرار تمسكه بسلام شامل، إلا أن الجميع كانوا يدركون أن بعض هذه المواقف كانت موجهة للاستهلاك المحلي وبعضها الآخر مجرد مناورات دبلوماسية لتحسين شروط معاهدة سلام منفصل لم يكن أمام السادات من طريق آخر سوي إبرامها.

ورغم الحقائق السابقة، والتي أصبحت ساطعة كالشمس بعد أن أكدتها جميع الوثائق التي نشرت تباعا منذ ذلك الوقت، مازالت هناك آراء تصر علي أنه كان بوسع الدول العربية أن تستيعد جميع أراضيها المحتلة، كما كان بوسع منظمة التحرير الفلسطينية أن تقيم دولتها المستقلة في حدود ٦٧ لو كانت قد استجابت لدعوة الرئيس السادات في حينها، وحضرت مؤتمر مينا هاوس، وهو ادعاء تجافيه كل الحقائق، فقد رفض رئيس الوفد الإسرائيلي المشارك في مؤتمر مينا هاوس أن يدخل إلي قاعة المؤتمر قبل إنزال العلم الفلسطيني بعد أن قال إنه علم غريب لا يعرفه،

وفي تقديري أن الرئيس السادات كان يعلم يقينا أن الدول العربية لن تحضر مينا هاوس، وأن الدعوة التي وجهها لم تكن سوي مناورة لإلقاء المسؤولية عليها وتبرير عقد معاهدة سلام منفصلة، وليس هذا دفاعا عن الدول العربية التي ارتكبت بدورها أخطاء قاتلة لا محل هنا لمناقشتها، لكن هذه الأخطاء ليست المسؤولة عن تعثر التسوية التي تتحمل إسرائيل وزرها وحدها.

بقي أن أقول إن هناك درساً يتعين علينا جميعا استيعابه في الذكري التاسعة والعشرين لهذا اليوم الحزين، وهو ألا نسلم أبد زمام مقاديرنا بعد اليوم إلي حكام مستبدين، أيا كان نوعهم، فكما يمكن أن يتسبب أي مستبد مقامر في كوارث يصعب علاجها نتيجة تهوره وحماقته، يمكن للأوطان أن تذبل أو تتخلف أو حتي تموت إذا قادها مستبدون جبناء جهلاء، ولا يجب أن يتصور أحد أن النظم الديمقراطية مصونة، فقد تفرز هذه النظم حمقي وجهلاء أيضا، من أمثال جورج دبليو بوش، لكن ميزة الديمقراطية أنها قادرة علي تصحيح أخطاء حكامها دائما.
عن المصرى اليوم القاهريه
19/ 11/ 2006

******

عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب : دراسة مقارنة الوحدة الألمانية و الوحدة المصرية السورية 1958_ بقلم : دكتور صفوت حاتم

بقلم : دكتور صفوت حاتم 1– في فبراير عام 2008 ..  أقيمت في القاهرة ” …

تعليق واحد

  1. Ostaz Nafaa
    Great article in such hard days when most writer are justifying the treason and finding excuse to the traitors
    فبعت القدس، بعت الله، بعت رماد أمواتك
    I read article to writer his name is
    سعيد اللاوندى
    writes
    “العلاقات السياسية الدولية فى عالم متغير”
    shame on such sham article
    one thing to say or ask Mr Alawindi
    يسقط التطبيع والمطبعون
    isn’t this what is called
    من التنطع نشأت صناعة الهزيمة فى الوجدان العام .
    ثقافة الهزيمة, تشريع الخيانة
    ثقافة المنبطحون والعمالة الصهيو أمريكية
    تزييف الوجدان و افساد العقول

    تسقط اتفاقيات العار .. تسقط مبادرات الخيانة .. تسقط أنظمة العمالة والتبعية
    عاشت المقاومة نبض الأمة وفخرها
    Freedom for Palestinian to tour freely and return to their country, their historic Palestine from water to water

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *