الرئيسية / تقارير وملفات / الإخوان في أفغانستان.. قصة أخرى منسية

الإخوان في أفغانستان.. قصة أخرى منسية

قلتم لي واشنطن تحارب التطرف”الإسلاموي” وتحاصره ؟!
واشنطن، ليست هي، فقط، صانعته والمخطط له في أفغانستان بأواخر السبعينات والثمانينيات، أو هي مُثبتته في أرضنا العربية عبر تحطيم أي تجربة تقدمية لصالح الرياض، أو حاضنته في مساجد ومراكز عواصم أوروبا (التي يتزعمها الإخونج وينفق عليها الخليجيّون).. ليس هذا فقط، بل عندما تذرّعت بأحداث 11 ستبمر وأرادت توسيع نفوذها تحت شعار “الحرب على الإرهاب”، وبدأت بأفغانستان بـ 2001، قامت “حرفيًا” بإقصاء طالبان الملا عمر، وتنصيب التحالف الشمالي “الإخواني”، وهو طالبان، كما طالبان، لكنه أكثر “لطفًا” و”رخاوة”.. واستعدادًا للتبعيّة!؛ تأسيسًا على الفارق المعروف والمُتكرر في صور عديدة منها، مثلًا، الفارق بين السلفي الرخو أبو بذلة “عبدالمنعم أبو الفتوح” (ولو أن التحالف الشمالي كان أكثر عنفويّة)، والسلفي الخشن الصدامي صاحب اللحية الكثّة “عاصم عبد الماجد” (بينما الجوهر واحد).
الحكاية تبدأ عندما انسحبت روسيا من أفغانستان في 89، وكان الرئيس هو محمد نجيب الله، المُتولّي المسؤولية من وقت قريب في سبتمبر 87، يواجه، عمومًا، ميلشيات طائفية قبلية رجعيّة تتلقى دعمًا خارجيًا (أمريكيًا، خليجيًا)، وانتهى القتال بانتصارهم والاستيلاء على العاصمة كابول في إبريل عام 1992، ثم صار برهان الدين ربّاني الإخواني رئيسًا لـ”الدولة الإسلامية” الجديدة من يونيو، ومن هذا التاريخ ولـ 4 أعوام تالية، عاشت كابول مأساة دمار حقيقية وتعرضت مناطقها لقصف عشوائي كثيف، بسبب صراع هذه الميلشيات التي كان الإخوان في قلبها عبر رباني وعبدالرسول سيّاف وأحمد شاه مسعود (وزير دفاع ربّاني ونائبه)، وهؤلاء أبناء المدرسة الإخوانية (وأول اسمين قد جاءا إلى مصر، في أوقات سابقة بأواخر الستينات وأوائل السبعنيات، والتقيا بالإخوان، أثناء دراستهما في الأزهر للحصول على شهادة دراسية “أعلى” و”ماجستيرات”!.. وربّاني، فوق ذلك كان من أوائل من قاموا بترجمة أعمال سيّد قطب).
الصراع دار بين الميلشيات “الدينية” وبعضها، وبينها وبين جماعة قلب الدين حكمتيار “الإسلامي، أيضًا، والمتأثر بالإخوان وسيّد قطب”، وتركّز حول الصراع على السلطة واتهامات لربّاني باحتكارها، وسط دعم لحكمتيار من باكستان استمر تقريبا لـ 94، قبل أن تنقل دعمها لطالبان.
تسبب الصراع الدائر في مصرع عشرات الألوف (بين 40 إلى 60 ألف)، وتحويل حياة المئات إلى جحيم. (“الجهاديّون” وأمراء الحرب الذين حملوا راية المشروع الأمريكي طوال الثمانينات، ومن قبل، يقتتلون).
ثم ظهرت طالبان، وقاتلَتهم، وقامت بكسح هؤلاء من العاصمة في 96، ودفعتهم نحو الشمال ليشكّلوا “التحالف الشمالي الأفغاني” كقوى معارضة لطالبان (لعب الإخوان دورًا بارزًا فيها، إلى جانب آخرين)، وهذه تلقّت دعمًا خارجيًا، واستضافت فرنسا قادتها، وكان أحمد شاه مسعود (السلفي الديني المتطرف.. إلخ) يحل ضيفًا على البرلمانيين الفرنسيين في إبريل 2001، ويستقبله وزير الخارجية هوبير فيدرين هناك، وتُفتح الصحف لمباركة حضوره والتحاور معه، ويدعمه الاتحاد الأوروبي ويستقبله برلمانه بعدها بشهر.
وهو من جانبه لم ينسَ الظهور بثوب “السلفي المتحضر!” فصافح السيّدات، وأدان تفجير طالبان لتماثيل بوذا (!!)، وهتف لتحرير كابول من المتطرفين الطالبانيين، وتوسّل الدعم (وهو كان موجود).
بعد 11 سبتمبر 2001، وفي سياق استثمار واشنطن لحدث تفجير البرجين، سواء كانت صانعته مباشرة أم لا، بغرض توسيع نفوذها في الكرة الأرضية، ورفع أرباح شركات بترولها (هالبيرتون، وشيفرون) برعاية ديك تشيني وكوندليزا رايس، وتخويف العالم وتركيعه.. بدأت حملتها على كابول، ودخل الإخوان (والتحالف الشمالي) بمعنى الكلمة العاصمة بفضل الضربات الأمريكية، وبالتزامن معها. (طبعًا شاه مسعود، كانت طالبان أو حليفتها القاعدة، قد نجحت في اغتاليه في 9 سبتمبر باعتباره “مرتد كافر خائن” ومتعاون من الأوروبيين.. لكن بقية “الشلة” حصدت المكاسب وتولّى رباني الرئاسة من نوفمبر إلى ديسمبر 2001، ثم رأس ما سُمي بـ”المجلس الأعلي للسلام في أفغانستان”، واشتبك في البرلمان والانتخابات، وفعل نفس الشيء “عبد الرسول سيّاف”).. لكن الرئيس الجديد حامد كرزاي، الذي تولّى منصبه بعد مؤتمر معارضة أسسه “السادة” الغربيون في بون بألمانيا، لم يكن بعيدًا عن ملعب المتعصبين دينيًا سوى في أنه ليس متعصّبا ضد أمريكا، فحامد كرزاي كان، لفترة، وكيل وزارة خارجية الإخواني برهاني الدين رباني، أثناء سيطرة الأخير على حكم كابول، ورئاسته لأفغانستان في الفترة من 92 لـ 96، كما كان على تواصل ومقرّب جدًا من طالبان فيما بعد، ولم تنقطع العلاقات إلا بعد اغتيال والده في 99 واعتقاده بأن طالبان وراء الحادث.
كرزاي، بخلاف ذلك، كان وجهًا بشتونيًا، مُراد له لعب دور في المسائل القبلية التي لا يستقيم الحكم دون مراعتها هناك، فوق ذلك هو ابن عائلة مالية دخلت في لعبة الاستثمار تحت العباءة الأمريكية وحققت أرباح.
طبعًا لا ننسى أن الإخوان كانوا المُورّد الأكبر للمقاتلين في أفغانستان بالثمانيات، ولعب كمال السنانيري (زوج شقيقة سيد قطب) وعبدالله عزام (القاعديّ الأول) وكمال الهلباوي وعبد المنعم ابوالفتوح، أدوارًا في ذلك. بحسب روبرت باير، ضابط الـ CIA السابق، فقد لعبت دور السلاح السري في حرب الظل الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي.
من المناسب هنا لفت الأنظار إلى أن التدخل والحشد الطائفي في أفغانستان لم يبدأ منذ 1979، كما هو شائع.. السي آي إيه، عبر باكستان وبتمويلات سعودية، تحتضن وتحرض الحالة القبلية الرجعية و”على أسس دينية” في أفغانستان منذ الخمسينات والستينات، والخطة الأمريكية كانت منذ أيام دوايت أيزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دلاس (مُؤسس تحالف بغداد “الإسلامي” بـ 55، والذي رعى المؤامرة على محمد مصدق في إيران حتى إسقاطه بـ 53) هي اصطياد الاتحاد السوفيت من جنوبه الرخو في آسيا الوسطى عبر تحريض الحالة الدينية المتطرفة الرافضة له، وكانت قاعدة الوثوب هي باكستان (العضوة في كل حلف شكلته المخابرات الأمريكية من حلف بغداد، وحتى أحلاف فيصل آل سعود «الإسلامية» بالتحالف مع شاه إيران “الشيعي” في النصف الأول من الستينات)، وكان الرهان هو على تحويل أفغانستان كجسر للعبور نحو جمهوريات الاتحاد الجنوبية.
داوود خان ابن عم الملك الذي كان رئيسا للوزراء من 53 إلى 63 اشتكى من هذا الأمر، وهو ليس “شيوعي” أبدا، لكنه طلب أيضا معونة السوفيت ضد هذا النوع من الرجعية التي تجتاح بلاده بدعم خارجي وتعطل تطورها.
الخطة الأمريكية قديمة، وليست فقط من عهد جيمي كارتر ومستشاره برجنيسكي ورونالد ريجان (رعاتها ومهندسيها النهائيين).
برجنيف، مثلًا، اشتكى لجمال عبد الناصر في النصف الثاني من الستينات من التدخلات والتمويلات السعودية التي تتحرك في أفغانستان، وأنها تبث دعايا معادية لهم (رغم أن الحكم لم يكن في قبضة حلفائهم)، و”الشيوعيون” عمومًا لم يصلوا للسلطة في أفغانستان إلا في 1978 (عبر ثورة ثور أو ساور)، ولم يكن حتى دواد خان، رئيس الوزراء السابق، قد نفذ انقلابه في 73 على ابن عمه الملك معلنا الجمهورية.
_____________________________________
السيد شبل
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏أشخاص يقفون‏‏‏

عن admin

شاهد أيضاً

مطارق الحنين الي فلسطين

مطارق الحنين!! د.شكري الهزَّيل لم يكن يدور بخلدي يوما ان تضرب الاسوار اطنابها حول قلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *