الرئيسية / أخــبار / نتنياهو في عُمان: وجدل «العدم» والتفاعل – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

نتنياهو في عُمان: وجدل «العدم» والتفاعل – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

26102018_142256_3
الحركة الصهيونية سعيدة بالواقع العربي الراهن و«العدم» الذي يعيشه، والعدم غير الفراغ. وينشأ نتيجة الانسحاب من أي دور فاعل، واستسهال التماهي مع المشروع الصهيو أمريكي؛ في ذروة صعوده في وسط عربي استهوته حياة الكهوف، واجترار الماضي، وهو يرى من يحكمونه يمنحون العدو بالرضا والطوع والمقابل ما لم يحققه الاحتلال بالسلاح والإفناء والتهجير.. فالعرب منذ ما بعد حرب 1973، يعيشون كابوسا صهيونيا توسعيا؛ يصاحبه تطبيع وصهينة وتوسع، وانتزاع الأراضي ومصادرتها.

والتطبيع يتم طوعا بدون حاجة لجهد أو تسويات ومجانا، وأذكر قولا لهنري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية، تعليقا على إخراج الخبراء السوفييت. وكان ذلك مطلبا أمريكيا ملحا، وقال ساخرا: كيف لم تطلب مصر (يقصد السادات) الثمن؟ وكيف تقوم بذلك مجانا؟ ورغم ذلك القول توالت الصفقات والتنازلات المجانية تباعا. وما حصلت عليه الدولة الصهيونية بالمجان وبسلام «ساخن» أضعاف ما كسبته بالقتال والحرب.

وضمن هذا التقليد المتوارث قدم «المشير» جزيرتي تيران وصنافير مجانا أو بمقابل ريالات لا تسمن ولا تغني من جوع، كل ذلك تعزيزا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتمكينه من دور مطلوب لتيسير الملاحة الحرة أمام السفن الصهيونية في خليج العقبة والبحر الأحمر. واستكمال التوسع الامبراطوري الصهيوني. وهذا يبدو بعدا من أبعاد «صفقة القرن» غير المعلنة.

وفي إطار فهمنا للتوسع الصهيوني الطوعي المشوه، الذي يربط مسقط بتل أبيب، وذلك ليس جديدا، وما تابعنا من زيارة مفاجئة لرئيس وزراء الدولة الصهيونية نتنياهو لمسقط، واستقبال السلطان قابوس له، كما صرحت المصادر الرسمية. وكان يرافقه وفد رفيع المستوى؛ ضم يوسي كوهين، رئيس المخابرات (الموساد)، ومائير بن شبات، مستشار الأمن القومي.

وغالبا ما تكون الزيارات المفاجئة عاجلة، وخارج السياق المعتاد. وبدأت في الظهور على استحياء مع تطبيق المقاطعة العربية على السادات بعد زيارة القدس المحتلة في 1977، وكانت عُمان وقتها واحدة من ثلاث دول عربية لم تقاطع؛ السودان وعمان والصومال، واحتفظوا بعلاقتهم معه، ولم يطالبوه بالتراجع عن قراره، الذي مثل بداية سقوط «لقارة العربية» بأسرِها في جُب الصهينة..

ولم يحل غياب العلاقة الدبلوماسية بين عُمان والدولة الصهيونية؛ لم يحل دون زيارة إسحاق رابين لمسقط في 1994، وحظي وقتها بترحيب من السلطان قابوس، وبعد اغتيال رابين استقبل رئيس الوزراء الصهيوني المؤقت وقتها «شمعون بيريز» يوسف بن علوي وزير الخارجية العماني في القدس عام 1995، ووقعت تل أبيب ومسقط اتفاقا للتمثيل التجاري المتبادل مطلع عام 1996.. ونمت العلاقات باضطراد، وإن تعثرت بتأثير الانتفاضة الثانية عام 2000

وجاءت زيارة نتنياهو «المفاجئة» كأول لقاء معلن منذ اثنين وعشرين عاما؛ بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعاصمة العُمانية، وظل خط رام الله ـ تل أبيب سالكا حتى قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، واعتبارها عاصمة أبدية للدولة الصهيونية.

ومن الصعب إنكار جهود عُمان في الاتفاق النووي الإيراني، عام 2015، بعد مفاوضات طويلة ومضنية. وانسحاب الرئيس الأمريكي منه بدا مدفوع الثمن وتصعيد غير مبرر من واشنطن ضد طهران. وبدا إعدام الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول؛ بدا مُعَجلا بالتحرك نحو عمان؛ بسبب ظروف غير طبيعية أحاطت بالرئاسة الأمريكية؛ عرَّضتها للضغوط، التي تهدد مستقبل الأسرة والدولة السعودية.. وتخاطر بفصم العرى «السعودية الترامبية»، وإذا ما حدث سيكون كارثة باهظة الثمن، وإذا أضيف لذلك الضغط التركي، وطلب أردوغان محاكمة المتهمين في تركيا لوقوع الجريمة على أرضها، وإذا ما حدث ذلك يؤذن بخطر على «القرن الأمريكي»، الذي ما زال في بداياته.

وإذا ما كانت الزيارة بالون اختبار من نتنياهو ردا لجميل ترامب وحمايته من عواقب متوقعة لرعونته، وهذا بالون قد لا يصلح، فما زال إعدام خاشقجي يشغل العالم. وهو ما لم يكن يتوقعه ولي العهد بن سلمان؛ المتهم بالتخلص من شخص مقرب من البيت السعودي، وعلى صلة بالأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات والسفير السعودي الأسبق.. فلم يكن شخصا معارضا ولا معاديا للمملكة، وإن انتقد بعض الشخصيات النافذة!

ومع هذا البالون أتت كلمة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي؛ قال أمام مؤتمر «حوار المنامة 2018» في البحرين، إن الوقت قد حان للاعتراف بوجود إسرائيل في المنطقة. وأكد على أن بلده لا تلعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين (الصهاينة)، وتعول كثيرا على معرفة تفاصيل خطة الرئيس الأمريكي ترامب لتسوية الصراع بين الجانبين، والتي باتت تعرف بـ«صفقة القرن». وربما حان الوقت لمعاملة (إسرائيل) بالمعاملة نفسها، وأن تتحمل أيضا الالتزامات نفسها..

والسؤال من يفرض ذلك على تل أبيب مع وجود حالة «العدم» العربية، فغالبية دول العالم فاعلة باستثناء الغالبية العربية تبدو خاملة؛ في وقت بدت فيه صحوة وسط الرأي العام الغربي؛ باتخاذ المقاطعة سلاح في مواجهة التمييز والعنصرية والاستيطان والصهيونية. ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قائمة لدول وشركات تقاطع المنتجات والخدمات الصهيونية؛ من النرويج في أقصى الشمال، حيث تخلص صندوق المعاشات الحكومي من اسهمه في شركة «البيت معرخوت» الصهيونية، وأوقف صندوق الاستثمار الحكومي الاستثمار في شركتي «افريقا ـ اسرائيل» و«دانياسيبوس» الصهيونيتين.. وفي ألمانيا انسحبت شركة القطارات الحكومية من مشروع «قطار اسرائيل» الذي يخترق الاراضي الفلسطينية المحتلة.

والغت الحكومة البلجيكية معرض «تل ابيب المدينة البيضاء»، وكان مقررا إقامته في العاصمة بروكسل، وفي سكوتلندا أعاد مهرجان السينما في أدنبرة الجائزة التي قدّمتها سفارة تل أبيب، وذلك تطبيقا لقرار المقاطعة. وأوقفت شركة «فيتنس» الهولندية للمياه التعامل مع شركة المياه الصهيونية «مكوروت»، وسحب صندوق المعاشات الهولندي استثماراته من المصارف الصهيونية في فلسطين المحتلة، وقاطعت منظومة العمال الايرلندية المنتجات والخدمات الصهيونية. وفرض اتحاد المعلمين المقاطعة الأكاديمية على الدولة الصهيونية. وقاطعتها هيئة البريد الكندية في جميع أنشطـتها، وأعلنت الكنيسة البروتستانتية في فانكوفر إطلاق حملة لمقاطعة منتجات المستوطنات، وانضمت هيئة التعليم الأمريكية إلى المقاطعة الأكاديمية من قِبَل عديد من الجامعات والنقابات. وسحب صندوق المعاشات الأمريكي استثماراته من شركات باعت جرارات زراعية للمستوطنات.

وفي بريطانيا قررت شبكة الأسواق التجارية الكبرى «كواوفرنتيف» مقاطعة منتجات المستوطنات المقامة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين. حتى مجموعة محلات «ماركس اند سبنسر»، بتاريخها المعروف في دعم الدولة الصهيونية رضخت للضغوط وقاطعت منتجات المستوطنات من أحد عشر عاما. وامتدت المقاطعة إلى ايرلندا، التي أعلنت منظمة عمالية فيها مقاطعة المنتجات والخدمات التي تصل من الدولة الصهيونية. وفرض اتحاد المعلمين الايرلندي المقاطعة الأكاديمية ضد الدولة الصهيونية. وفي جنوب افريقيا أعلنت وزيرة الخارجية أن الوزراء قاطعوا الدولة الصهيونية وتوقفوا عن زيارتها، وأعلن اتحاد التجارة مقاطعة الجهاز المستخدم في عملية الختان الذي يصنّع هناك وأوقفوا استيراده.

واضطرت الخارجية الصهيونية الاعتراف بالعجز عن مواجهة المقاطعة. وبذلك نكتشف الفرق بين العدم والوجود، وبين العرب بسلبيتهم وغير 

العرب بتفاعلهم.. فهل يعود ذلك التفاعل؟ ونحن على ثقة بأنه سيعود يوما.


عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب : دراسة مقارنة الوحدة الألمانية و الوحدة المصرية السورية 1958_ بقلم : دكتور صفوت حاتم

بقلم : دكتور صفوت حاتم 1– في فبراير عام 2008 ..  أقيمت في القاهرة ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *