الرئيسية / تقارير وملفات / مذكرات سامى شرف – بقلم : د. هالة مصطفى

مذكرات سامى شرف – بقلم : د. هالة مصطفى

Unt656itled-768x207

تلقيت مكالمة كريمة من السياسى البارز الذى أسهم فى تأسيس المخابرات العامة، وشغل منصب سكرتير الرئيس للمعلومات ووزير شئون الرئاسة فى الخمسينيات والستينيات، السيد سامى شرف، تعقيبا على مقالى (بتاريخ 25/8/2018) الذى عرضت فيه لشهادة الكاتب الكبير صلاح منتصر عن عصر عبدالناصر بما خلصت إليه من آراء حول أهم القضايا الداخلية والخارجية وكانت محل اتفاق من كاتبة هذه السطور، وقد لمست عتابا فى المكالمة لعدم الأخذ بوجهة النظر الأخرى التى -كما أشار سيادته- تضمنتها شهادته أو مذكراته الصادرة فى 6 أجزاء بعنوان «سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر»، وهى كما وجدتها بالفعل مذكرات شديدة الثراء والقيمة.

بعد قراءة متأنية لم أتبين تناقضا كبيرا أو خلافا جوهريا فى عرض الأحداث والوقائع التاريخية، إنما الخلاف بالطبع هو حول التقييم النهائى لها والزاوية التى يُنظر منها للحدث، ففى الشهادتين اعتراف بأن أخطاء وقعت، بدءا بسياسات التأميم وفشل الوحدة المصرية السورية والموقف من ثورة العراق وحرب اليمن، وصولا إلى هزيمة 67، لكن فى الشهادة الأخيرة كان التركيز أكبر على التآمر الخارجى ضد المشروع الناصرى ودوره فى توجيه كثير من القرارات والسياسات، والرسالة المتضمنة هنا، ألا يُحكم على التاريخ إلا بمعايير زمانه وليس بمقاييس اليوم، وهى قاعدة لها منطقها، كذلك اختلف الأمر حول مقدار المسئولية التى يتحملها الزعيم عن الإخفاقات التى حدثت، وهذا أمر طبيعى ليس فقط للكاريزما التى تمتع بها عبد الناصر، ولكن أيضا لاختلاف موقع كاتبى الشهادتين فى درجة القرب منه والمشاركة فى صنع القرار، ومن هذه الأمثلة، تحميل المشير عبد الحكيم عامر مسئولية الانفصال عن سوريا (ص 434) والأخطر هزيمة 67، التى وصفتها مذكرات شرف بأنها كانت «ساحقة» ووقعت فيها أخطاء قبل وفى أثناء وبعد العمليات، وأن أمريكا فى عهد ليندون جونسون نجحت فى إشراك الاتحاد السوفيتى فى خطة خداع كبرى لتوريط ناصر فيها، ثم عزا الفشل لعامر، الذى ــ وفق ما جاء بها ــ خاض المعركة دون أن يشرف على تدريب قواته واختبار قدراتها، فكانت أشبه بالمظاهرة العسكرية (ص 326) حتى تحولت المؤسسة العسكرية العريقة إلى جهاز بيروقراطى وتناست مهمتها الأساسية وهى بناء جيش وطنى قوى» (ص 337) ولاشك أن فى ذلك إغفال للمسئولية السياسية التى يتحملها الرئيس المنوط به اختيار قياداته، لأنه رغم ذلك فقد أبقى ناصركما تشير المذكرات أيضا على تركيبة القيادة العسكرية كما هى، تحت ذريعة أن «لا تستغل بعض القوى الاجتماعية المؤثرة أى تغيير فيها لمصالحها الخاصة، ولذلك لم يحسم الموقف بالنسبة للقوات المسلحة فى الفترة من 56 إلى 67 » (ص 441).

لكن بغض النظر عن المسائل الخلافية، نجد فى مذكرات سامى شرف ما هو أهم بكثير ويستحق التوقف عنده طويلا بل جدير بإعادة فتح النقاش العام حوله، وأقصد بذلك الجوانب الخاصة بالمراجعات والنقد الذاتى الذى أقدم عليه الرئيس عبد الناصر بشجاعة، لأنه يقدم صورة واقعية وصادقة لمرحلة دقيقة تفصل ما بين البدايات القوية الحالمة وما آلت إليه الأمور فى النهاية على أرض الواقع. كان شعار محاربة الاستعمار والإمبريالية العالمية والصهيونية يعبر عن ركن أصيل من أركان النظام يبرر به كثيرا من السياسات والقرارات المصيرية، ولكن تحت عنوان دروس 67 يقول جمال نصا «كانت هناك ثقة فى النفس أكثر من اللازم، ووصل الأمر إلى حد التبجح بهذه الثقة حتى إننا نتكلم أننا نستطيع أن نتصدى لأمريكا وإسرائيل» (ص332)

وفى السياق نفسه، يثير قضية شائكة تتعلق بعلاقة الأمن بالسياسة وطغيان العنصر الأول على الثانية قائلا: «إن الذى أضر بكفاءة الجيش هو فكرة الأمن أو تصور فكرة الأمن، فتحت اسم الأمن كان يجرى تنظيم الجيش وتوزيع الناس على محلاتهم وباسم الأمن جلس ناس فى غير مقاعدهم، إننا للأسف لم نستفد من دروس 56 ولا من دروس الانفصال» (ص 332) .

وهذه القضية بالضبط هى ما نطلق عليها اليوم تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة، والتى ترسخت بحيث أصبح الخلاص منها صعبا على مر العهود التالية، ناهيك عما أدت إليه من فتح أبواب الفساد والترهل الإدارى وانعدام الكفاءة، والمدهش أن نجد ذلك حرفيا فى مراجعات ناصر فيتحدث عن أن «الانحرافات التى وقعت داخل جهاز المخابرات اقترنت بانحرافات أخرى أخلاقية وإدارية ومالية فى مواقع أخرى بالدولة سواء فى الحكم المحلى أو المؤسسات الاقتصادية» (339).

ثم يستطرد حول ما يمكن أن يؤدى إليه الاعتماد المفرط على العنصر الأمنى من انغلاق وانعدام للشفافية ما قد يؤثر على كيان الدولة ذاته، إذ يقول «تكلمت معاكم هنا على أساس إننا بحاجة إلى مجتمع مفتوح لكن طبعا وسائل الإخفاء كانت مباحة بالنسبة لدولة المخابرات» أنا باعتبر هذه الدولة سقطت وهذه أهم الجوانب السلبية اللى اتخلصت منها فى سبيل تطهير الحياة العامة فى مصر» (ص336).

ومن الحاجة إلى مجتمع مفتوح ينتقل للحديث عن الديمقراطية، وتعرض المذكرات للحوارات التى جرت داخل اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى نوفمبر 1968، وفى هذه الجزئية تحديدا أكد ناصر «قصور التنظيم السياسى ــ أو الحزب الواحد ــ فى بناء جبهة داخلية متماسكة، علاوة على عجزه فى تقديم نموذج عملى للمشاركة السياسية (ص 337/338)، ومن ثم اقترح ضرورة تعديل النظام السياسى والانتقال للتعددية والسماح بوجود حزب معارض بجانب الاتحاد الاشتراكى الذى كان سيتحول بدوره إلى حزب، إلا أن الجميع ــ فى إشارة إلى باقى أعضاء اللجنة ــ رفض الاقتراح بحجة إزالة آثار العدوان أولا (ص 349) ومن هنا جاء الشعار الشهير «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» الذى خسرت به مصر فرصا عديدة للإصلاح وكان وسيلة لإبقاء الأوضاع على ما هى عليه وتحويل أى تغيير إلى مجرد تغيير شكلى.

وبنفس المنطق كان انتقاده ــ أى ناصر ــ لنتائج المسار الاشتراكى وسياسة التأميمات، حيث أدت إلى عكس المتوقع منها فيقول: «سوف يكون هناك حساب على كل مسئولية.. الشعب كان بيطلب وضع حد للامتيازات التى حصل عليها البعض دون حق وأنا معه.. لذلك ألغيت كثيرا من الامتيازات» (ص 353).

وبالتالى إذا أردنا أن نلخص كل ما سبق فى عبارة واحدة فستكون ــ فى رأيى ــ حصاد التجربة الناصرية كما قدمها جمال عبد الناصر بنفسه، بما لها وما عليها، وهذا يكفى للحكم عليها بعيدا عن الصوت العالى والخصومات السياسية أو إلقاء اللوم على المؤامرات الخارجية وحدها.

 

 

 

حصريا ستة أجزاء من كتاب سامي شرف ” سنوات و أيام مع عبد الناصر

https://elw3yalarabi.org/elw3y/2018/04/29/%d8%ad%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%b3%d8%aa%d8%a9-%d8%a3%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b3%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d9%81-%d8%b3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%aa/Unt656itled-768x207

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم.. 2 أغسطس 1990..إيقاظ مبارك وفهد وحسين من النوم على اتصالات هاتفية باحتلال العراق للكويت

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 أغسطس 1990..إيقاظ مبارك وفهد وحسين من النوم على اتصالات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *