الرئيسية / حوارات ناصرية / العرب والدور المصرى – بقلم : سامى شرف

العرب والدور المصرى – بقلم : سامى شرف

2017-636222710807335928-733

استطاعت التجربة المصرية فى العصر الحديث منذ منتصف الأربعينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضى أن تؤسس لدى الأنظمة العربية، وفى ضمير الشعوب العربية مكانة القيادة لمصر داخل النظام الإقليمى العربي، حيث كانت مصر تجسد للدول والشعوب العربية النموذج الاقتصادى والسياسى والثقافي، الذى يجب أن يحتذى، وكانت جاذبية الدور المصرى نابعة من الانبهار بالتجربة المصرية السباقة دائما. كما أدرك العرب أن مصر هى ضابط الإيقاع فى المنطقة العربية، وجهازها العصبي، وأن الوطن العربى بدون ضابط الإيقاع لابد أن تختلط حركته وتسوده الفوضى، وأن الوطن العربى بدون جهازه العصبى محكوم عليه بالشلل الجزئى أو الكلي، كما أن مصر بدون وطنها العربى الكبير ستصدر نغمة نشازا لا يستمع إليها أحد، أو حركات لا يستجيب لوقعها الكثيرون.

وفى هذا السياق يقول بول هاموند وسيدنى الكسندر: إنه ومنذ الحرب العالمية الثانية نجد أن قضايا الوحدة العربية والقيادة العربية قد تمركزت أو تمحورت حول مصر، وذلك لعدة ظروف موضوعية خاصة بمصر. وقد زادت تلك المسألة بعد الثورة، وقد زادت الظاهرة بالدور الكاريزمى لعبد الناصر داخل مصر والعالم العربي. وعلى الرغم من الاستقطاب الأيديولوجى الحاد الذى كان يقسم العالم العربى بين قوى راديكالية ثورية تقودها مصر، وقوى محافظة؛ فقد منح العرب بالإجماع لواء القيادة لمصر فى مواجهة القضايا المصيرية التى واجهت الأمة العربية. ورغم تجميد عضوية مصر فى النظام الإقليمى العربى لمدة تقارب عقدا من الزمان عقب توقيع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل 1979، ومحاولات دول وزعامات عربية احتلال مركز القيادة الذى بات شاغرا بغياب مصر، فإن النظام العربى ظل عاجزاً عن طرح بديل جدى للقيادة المصرية. ورأى عدد كبير من الباحثين والمفكرين العرب أن الفراغ الضخم الذى ترتب على انحسار مصر وانكماشها داخل حدودها وتراجع دورها الإقليمى كان نتيجته الأزمات التى يشهدها النظام العربي.

ومنذ عودة مصر للصف العربى فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى حدث خلاف وجدل عربى رسمى وشعبى على الدور العربى لمصر من وجهة نظر الأطراف العربية، فما تطلبه أو تتوقعه سوريا من مصر يختلف- تماماً- عما يطلبه العراق، وربما الفلسطينيون مثلا، وربما ما تتوقعه الجزائر يختلف عما تتوقعه المغرب، وأصبح لا يوجد اتفاق عربي، أو رؤية عربية حول ما هو المطلوب من مصر عربيا. ومع تداعيات أزمة الحادى عشر من سبتمبر 2001، وتهديداتها الخطيرة على النظام الإقليمى العربي، توجهت أنظار العرب جميعاً إلى مصر- الشقيقة الكبرى- بحثاً عن بوصلة للخروج من المأزق، إلا أن سياسات نظام الرئيس مبارك أحبطت الآمال العربية، ومما ضاعف من هذا الشعور الموقف المصرى الضعيف قبل وبعد الاحتلال الأمريكى للعراق 2003. ولعل النهج والسياسات التى اتخذها نظام الإخوان المسلمين ـ الفاشى الذى تولى حكم مصر فى غفلة من الزمن، وانعدام الرؤية التامة فيما يخص السياسة الخارجية؛ حيث ترنحت مصر خارجيا بسبب مواقفها المتقلبة وغير المتزنة، والتى كانت نتيجة القراءات الخاطئة أو العمل وفق حسابات مذهبية وعلى رأسها الموقف من الأحداث فى سوريا وإغلاق السفارة، ومحاولات زعزعة الاستقرار فى دول عربية مثل الإمارات والأردن، والعراق؛ فيما اعتبره الكثيرون دلالات ضعف وانهيار الدور المصري، وجعل العرب حكومات وشعوبا يشعرون بالجزع والأسف على ضياع الدور المصري، بل وتسخيره ضد الأمن القومى العربي، وهو ما رفضه جيش مصر الوطنى بكل قوة، وأعلنت مختلف مؤسسات الدولة، والقوى الوطنية رفضها هذه السياسات.

وبعد أن تحررت مصر من كابوس جماعة الإخوان المسلمين فى 30 يونيو 2013، وتولى زمام الأمور فيها جيشها الوطني، ثم انتقلت المسئولية لرئيس وطنى منتخب بإرادة وإجماع لم يتكرر منذ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، تنفس العرب الصعداء، واستعادوا مع الشعب المصرى نسائم ثورة يوليو 1952، وعزة وفخر المد القومى المصري؛ فقدم الأشقاء العرب الشعوب قبل الحكومات دعما كبيرا لمصر، لتتصدى لكل محاولات إجهاض الثورة، واستعادة الدولة المصرية مكانتها، وجاءت تعليقات وتصريحات المواطن العربى البسيط، والنخبة العربية، والقيادات لتعكس مدى الارتياح لعودة مصر لمكانتها، واستبشروا خيرا للأمة بأسرها بهذه العودة، وسادت حالة من النشوة الوطنية والتلاحم القومى فى أوصال الأمة، ذكرتنا بملاحم 1956 فى التصدى للعدوان الثلاثي، وأكتوبر 1973 حيث النصر على الدولة الصهيونية.

مما سبق، دعونى أؤكد أن ما يدعم دور مصر العربى والإقليمي؛ هو حيازتها على ثقة ومشروعية عربية لممارسة هذا الدور، وقيام مصر بهذا الدور مصلحة مشتركة للطرفين ـ مصر والعرب ـ لأن عجز مصر عن القيام به من شأنه تفريغ العالم العربى إلى حد كبير من شخصيته، ودعوة إلى مزيد من التشرذم والضعف، وفى الوقت نفسه تهديد غير مسبوق للأمن القومى المصري.

ولذا يجب أن يدرك كل واحد أهمية المحافظة على مكانة الدور المصري، وأن يضع فى اعتباره حقيقة مهمة؛ هى أن معظم العرب لا يزالون ينظرون إلى مصر على أنها القائد الشرعى للنظام الإقليمى العربي، وينتظرون عودة الفاعلية لهذا القائد، وأن من المصلحة المصرية البحتة والرؤية الإستراتيجية للأمن القومى المصرى ـ وليس أمن النظام ـ ما يحتم أن تستعيد مصر هذا الدور بأقصى سرعة ممكنة قبل أن ييأس العرب ويتجهوا لأطراف أخرى تسعى لسلب مصر دورها الإقليمي. وهنا لابد أن أشيد بوعى القيادة السياسية ـ الرئيس السيسى وإدراكه العميق دور مصر الإقليمي، وسعيه المقدر لاستعادة مصر لمكانتها ودورها الخارجي؛ حيث عادت بؤرة اهتمام العرب، ومنصة لانطلاق التعاون العربى بين كل الأشقاء، ورغم كل تلك العواصف التى تضرب بلادنا العربية، ورغم ما تعانيه مصر من إرهاب وأزمة اقتصادية، استطاعت مصر أن تستعيد كثيرا من دورها المؤثر فى المنطقة، واتسمت قراراتها كافة بالاستقلالية، وتغليب المصلحة المصرية والعربية على ما عداها، أبى من أبى، وشاء من شاء.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *