الرئيسية / حوارات ناصرية / عبد الناصر بين معنى الكرامة وبين هتاف “رعاياك يا مولاى” -بقلم: محمد الخولى

عبد الناصر بين معنى الكرامة وبين هتاف “رعاياك يا مولاى” -بقلم: محمد الخولى

2018-636668629581363703-136_main.png

ليس صحيحاً – كما ادعت الكاتبة “لميس جابر” فى مقال أخير لها – أن احتفالات الذكرى السادسة والستين لثورة يوليو قد شهدت دعوات من شأنها “التعظيم والتضخيم” – دع عنك – كما ذكرت السيدة المذكورة – “التقديس” فى جمال عبد الناصر .

والصحيح – والموضوعى أيضاً- أن تَنَادى القوم من مفكرين ومؤرخين ومحللين، فضلاً عن أفراد وجماعات داخل مصر وفى شتى أنحاء الوطن العربى.. والقارة الأفريقية والأصقاع الأمريكية اللاتينية.. سفارة كوبا مثلاً.. إلى استدعاء ذكريات 23 يوليو – الحدث التاريخى الذى جاء بتحولات أساسية وجذرية فى بنية المجتمع المصرى، وأيضاً فى بنى الفكر وأساليب الحياة فى الوطن العربى الكبير.

ورغم أن السيدة المذكورة أعلاه مضت لتصف هذه الاحتفالات بكل موضوعيتها وأيضاً بكل بهجتها بأنها كانت زفة.. ثم أمعنت سيادتها فى استظراف غير مقبول ولا محتمَل فاستخدمت فى نفس السياق تعبير الهتاف الحنجورى: حيث تضيع الحقائق ويتوه التقييم الحقيقى للحدث والتاريخ – رغم هذا كله فلم يحدث لا فى حقبة عبد الناصر، ولا فى احتفالات الذكرى، بل هى العيد السادس والستون أن تعامل المصريون أو العرب أو زعامات – وشعوب العالم الثالث مع عبد الناصر على أنه فرد معصوم كما تمادت أيضاً السيدة “جابر” فى ادعاءاتها.

والحاصل – المؤكد أن كان عبد الناصر نفسه هو أول وأهم من مارس فضيلة النقد الذاتى ولدرجة قاسية فى بعض الأحيان.

والمؤكد أيضاً أن عبد الناصر حين قام مع رفاق السلاح بثورة 23 يوليو جاء ليجد مجتمعاً كان نهباً لاحتكارات القلة القليلة: نسبة النصف فى المائة – وهى بالمناسبة نسبة ثابتة ومؤكدة تاريخياً – وكان ذلك بداهة على حساب الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب المصرى الطيب الكادح الصبور.

صحيح أن من حق السيدة المذكورة ومَن على شاكلتها أن يهيموا غراماً مشبوباً بالملك فاروق.. وزمن الباشاوات والبكوات، بقدر ما أن الصحيح أيضاً أن 23 يوليو ذاتها وقعت فى أخطاء عديدة ومتنوعة شأن كل فعل إنسانى وكل كسب بشرى لم تسلم منه أى ثورة حدثت فى تاريخ الشعوب (راجع من فضلك تواريخ تفجيرات ثورية شهدتها شعوب الشرق والغرب ما بين ثورة فرنسا الكبرى إلى الثورة البلشفية فى روسيا إلى ثورة الصين بزعامة ماوتسى تونغ).

لكن الأصح أن يوليو المصرية – العربية لم تشهد سفكاً للدماء لا فى حالة الطبقات الحاكمة السابقة عليها ولا فى حالة معارضيها على نحو ما شهدته الثورات السالفة الذكر.

ومع كامل الاحترام لكفاح الساسة المصريين خلال ثورة 1919 وما بعدها، خلال فترة ما بين الثورتين – إلا أن نظام بشاوات ما قبل يوليو لم ينجح فى تحقيق الهدفين الأساسيين لنضال وآمال الشعب المصرى وهما على وجه التحديد:

.. (1) تحرير القطر المصرى من الاحتلال البريطانى الذى جثم على مقدراته ومصائرة منذ عام 1882.

.. (2) تحقيق مستوى معقول إنسانياً من العدل الاجتماعى من خلال تقريب ومن ثم تذويب الفوارق الرهيبة التى كانت بين طبقات الشعب المصرى، وبالتحديد بين الذين “يحرّقهم الشوق إلى العدل والذين يؤرقهم الخوف من العدل.. بين الذين لا يجدون ما ينفقون والذين يجدون ما لا ينفقون..” على نحو ما وصفهم “طه حسين” فى كتابه الصادر مع أواخر الأربعينات بعنوان قد لا يخفى على ذاكرة المثقفين الموضوعيين ولا على مفهومية السيدة “لميس” وهو “المعذبون فى الأرض”.

ومرة أخرى – وبغير إغراق فى تفاصيل – تنعى المذكورة أعلاه على عبد الناصر أنه أقر مجانية التعليم الجامعى. وتصف قراره فى هذا الشأن بأنه كان “مزايدة على طه حسين ” وتطالب – سامحها الله – بأن يعود التعليم فى مصر مثلما كان قبل الثورة.. “المجيدة” تقصد ثورة يوليو، وهى مجيدة رغم سيادتها وأمثال سيادتها لأن هذا النظام فى حقبة الستينات – الناصرية بعد إذنها – هو الذى أنتج عباقرة فى قامة “أحمد زويل” رحمه الله، و”مجدى يعقوب” أطال الله عمره وأسعد أيامه.

ومرة أخرى – فقد رحل عبد الناصر إلى جوار مولاه.. ومازال شاهده أعماله وإنجازاته كما قال الراحل الكريم “حسنين هيكل” فى يوم من الأيام.

والفقير، كاتب السطور من جيل يوليو- الذى تنتسب إليه السيدة “لميس جابر” بحكم السن على أقل تقدير- قد أتيحت له بفضل الله عز وجل- فرص السفر والعمل والإقامة فى بقاع شتى من خارطة عالمنا: ما بين الوطن العربى إلى أمريكا وأوروبا وإلى أفريقيا وإلى قارة أمريكا اللاتينية.

ويعلم الله سبحانه كيف كان إسم “ناصر” يقترن باسم مصر- الوطن والشعب حين كنا نردده فى ساحات القارتين الأفريقية واللاتينية.

ويعلم الفرقاء أيضاً كيف كانت صورة “عبد الناصر” مصافحاً “همرشولد” الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة هى صورة الزعيم العربى الوحيد التى يطالعها زائرو المنظمة الدولية فى مقرها النيويوركى العتيد الذى عملنا به أكثر من ربع قرن من عمر الزمن.

ويعلم الله كذلك كيف احتفلوا بزيارة الفقير إلى جماعة “أمة الإسلام” فى حى السود – “هارلم” فى نيويورك وبلغ الاحتفال ذروته حين أطلعوا الزائر المصراوى على لوحة فى مدخل بناية بسيطة تسجل لقاء الزعيم “ناصر” مع الزعيم الكوبى “فيديل كاسترو” خلال دورة الرؤساء فى عام 1960.

والحاصل أن مشكلة السيدة “جابر” وأضرابها تتمثل فى تصورهم بأن الحرية والديمقراطية لها ترجمة وحيدة وبديهية إسمها الأحزاب.. وهى ترجمة صحيحة ولكنها بالغة، بل فادحة القصور: كان عبد الناصر يؤمن منذ فجر 23 يوليو بأنه لا حرية بغير توفير لقمة الخبز مغموسة فى إدام الكرامة.. ولا ديمقراطية بغير أن يأمن الفلاح على قوته ويأمن العامل الكادح على غده.

وبغير ذلك تصبح الديمقراطية والحزبية لعبة سياسية يتبادل أدوارها فريق الباشاوات والبكوات وأزلام النظام والقصر الملكى.

وهذا هو المعنى الحقيقى- المضمون الموضوعى لشعار العزة والكرامة.

وبغير ذلك يصبح الشعار بلا مضمون.. ويظل الأمر مرتبطاً بشعار آخر.. ينضح ذلاً وهواناً وهو:

.. رعاياك.. يا مولاى

وبديهى أن “مولاى” هو جلالة الملك فاروق الذى نظمت فيه السيدة “لميس جابر” قصائد من المديح المتلفز العجيب.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *