الرئيسية / حوارات ناصرية / الناصرية والصراع العربي / الإسرائيلي – بقلم : د. محمد فؤاد المغازي

الناصرية والصراع العربي / الإسرائيلي – بقلم : د. محمد فؤاد المغازي

 

محاضــــرة عن بعـــــد
الناصرية والصراع العربي / الإسرائيلي
هذه الدراسة التي أضعها تحت تصرف معهد الكوادر الناصرية، ربما قد تستكمل، أو تمثل إضافة للمحاضرة الأولي حول الصراع العربي/الإسرائيلي .. من منظور ناصري. فالصراع العربي / الاسرائيلي منذ ظهوره، لم يجرى التعامل معه من قبل الطرف العربي
على نحو جاد وفاعل بمثل ما جري في ظل الثورة الناصرية والقائد الخالد جمال عبد الناصر.
المهم هو أن لا أكون قد أقحمت نفسي بما يترتب عليه أي تغيير في جدول الدراسات لمعهد الكوادر الناصرية.
***
هنا عدد من الملاحظات:
_ أولا فمعذرة: أنني لم اكتب مصادر البحث وذلك بسبب أن البحث أو الكتاب لم ينشر بعد. وكتابة المصادر تعرض العمل كله للسرقة.
_ ثانيا: هنا اشارات لبعض الجماعات، والأفراد الذين كان لهم موقف عند مناقشة الدراسة، والآن أصبح لهم موقف مغاير. لهذا تصبح الدراسة دليل يدينهم بالتلون السياسي, أو التلون العقائدي.
بالتوفيق لمعهد الكوادر الناصرية. وستكون مكافئتي كباحث من قبل الدارسين في معهد الكوادر الناصرية هي الاضافة من أساتذة المعهد وطلابه بما يتطور البحث، وبالنقد الذي يصحح المفاهيم.
د. محمد فؤاد المغازي
****

 

الناصرية والصراع العربي / الإسرائيلي
إسرائيل جدار عازل يمنع تحقيق الهدف القومي في الحرية والاشتراكية والوحدة:
تحمل كلمة إسرائيل العديد من الأسماء: الأرض الموعودة، أو أرض الميعاد، أو أرض إسرائيل، ويزعم اليهود أن الرب وعدهم بأرض فلسطين وأعطاهم إياها ردحا من الزمن. ثم وعدهم حين طردوا منها بإرجاعهم إليها في الوقت المناسب.
ولا ترسم التوراة حدودا ثابتة لهذه الأرض، ففي الآية 15 من الإصحاح من سفر التكوين لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلي النهر الكبير نهر الفرات. وتختلف حدودها في الآية 8 من الإصحاح 17 من سفر التكوين أعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكا أبديا. فالوعد الإلهي ، والذي قامت عليه عملية التأسيس للدولة اليهودية، جاء في سفر التكوين ففي ذلك اليوم عقد الرب مع إبرام ( إبراهيم ) عهدا قائلا: لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات. ()
يعتمد قادة إسرائيل على الوعد الإلهي باعتباره السند لملكية أرض فلسطين، وهو سند من شأنه أن يلغي الحقيقة التاريخية لملكية الأرض، فهذه جولدا مائير تفسر الوعد الإلهي على النحو التالي:” إن هذا البلد موجود، كإتمام أو إنجاز لوعد وعده الله. ومن المضحك أن نطلب منه حسابات وشروحا لشرعية هذا الوعد.” ()
ومن القادة الإسرائيليين من أمثال موشي ديان من يربط بين هوية اليهود وبين أرض فلسطين بوصفهم شعب التوراة، السند الديني الذي يمكنهم من ملكية الأرض التوراتية، أرض القضاة، والشيوخ، والقدس، والجليل، وأريحا، وأمكنة أخرى.” ()
وهنا نلاحظ أن ما ورد في تفسيرات موشي ديان عن ملكية الأرض إشارة خطيرة وردت في تحديده للمناطق المطلوب الاستيلاء عليها، وهي عبارة ( وأمكنة أخرى )، وهو تعبير مطاط يوحي بأحقية اليهود في تملكهم لمناطق وأراضي لا تعرف مواقعها ويجهل حدودها العرب والعالم، فتحديد حدودها الجغرافية من أين تبدأ، وإلي أين تنتهي لا يعرفها غير الإسرائيليين.
أما مناحيم بيجين وهو شخصية تتبني التطرف والتعصب فيما يطرح من عقيدة، وفي إجراءات تطبيقها فيستبيح كل الأساليب، ويصنف بكونه واحد من غلاة الإرهابيين الصهاينة. فمارس قتل الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، وهو من قاد ونفذ مذبحة دير ياسين في 9/4/1948، راح ضحيتها أطفالا، ونساء، وشيوخا. ولم يتورع أن يمارس الإرهاب ضد البريطانيين الذين ساهموا بالنصيب الأكبر في قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين. فرصدت الحكومة البريطانية ما يوازي مبلغ 20 ألف مارك لمن يرشد عنه أو يقبض عليه. يفسر مناحيم بيجين السند الديني بملكية الأرض” إن هذه الأرض، وعدنا بها، ولنا الحق فيها.” ()
وفى خطاب لمناحيم بيجين أمام الكنيست الإسرائيلي راح يذكر الإسرائيليين بما قاله فلاديمير جابوتنسكي الذي تعلم منه التعصب والإرهاب:”…قبل قدومنا إلى أرض إسرائيل لم نكن شعبا ولم نكن موجودين. على تراب إسرائيل ترعرعنا. وعلى أرضها أصبحنا مواطنين، وحِصْناَّ لعقيدة الرب…إن كل عبري فينا منحتنا إياه أرض إسرائيل وكل ما عدا ذلك لدينا فهو غير عبري، وإن إسرائيل وأرض إسرائيل هما شيء واحد.” ()
وحتى لا تكون الأرض موضوع نقاش في أي حوار عربي / إسرائيلي، نصح آبا إبيان بن جوريون..” لا داعي لأن نتفاوض مع العرب لسنوات. إذا تفاوضنا الآن فسوف تكون لهم طلبات في حقوق الأرض وحقوق الناس _ بما فيها حق عودة اللاجئين _ وهي طلبات ليس في وسع إسرائيل أن تقبلها.
كان هناك سببا آخر لم يقله أبا إبيان أو على الأقل لم يسجله بن جوريون في يومياته، وهو أن أي تفاوض مع العرب الآن، وأي مطالبة باعترافهم، سوف يؤديان إلي رسم لحدود دولة إسرائيل، فيما هي الآن مشروع قابل للتوسع لا يمسك به قيد…ونتيجة لرفض إسرائيل اعتماد خريطة فإن إسرائيل ما تزال حتى الآن بغير دستور، لأن أي دستور لا بد له أن يقرر حدود الدولة، ثم أنها أيضا بغير قانون للجنسية، وهي في ذلك الصدد تعتمد على قانون العودة الذي يجعل من كل يهودي قادم إليها إسرائيليا بالأمر الواقع!” ()
لكن العقيدة الإسلامية لا تعترف بالوعد الإلهي، وتنفي أي علاقة تربط بين النبي إبراهيم واليهود. فقد أورد القرآن سورا كثيرة تنفي أن النبي إبراهيم كان نبي الديانة اليهودية. على العكس تماما. فما ورد في سورة آل عمران الآية ( 65 ):” يا أهل الكتاب، لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون”.
وفي الآية ( 67 ) “ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن حنيفا مسلما، وما كان من المشركين “.
وفي الآية ( 68 ) ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولى المؤمنين”. ()
تحولت الأرض إلي الأساس الذي يغذي البعد الديني ويمنحه الشرعية، فمن غير امتلاك أرض الميعاد لا تكون هناك ديانة يهودية فشعب إسرائيل وأرض إسرائيل هما شيء واحد.
وعلى الرغم من أن الغالبية من اليهود يتوحدون حول مقولة العودة وتملك أرض فلسطين، فإن ذلك لا يلغى أن من بينهم من يرفض المقولة التوراتية، ويأتي ألبرت أينشتاين في مقدمة هؤلاء، فعبر حوار دار بينه وبين حاييم وايزمان قال اينشتاين:”…إنني قلت لحاييم وايزمان حتى من قبل 1948 أنني أريد بيتا ووطنا لليهود ولكني لا أتمنى ذلك على حساب شقاء العرب الفلسطينيين. وحين أجابني وايزمان بأن الله وعد اليهود بهذه الأرض، كان ردى.. أننا يجب أن نترك الله خارج هذه المناقشة، فالكل يرى أن (الله) معه. إذا كان (الله) قد أعطى اليهود وعدا في فلسطين فإن (الله) هو الذي أسكن الفلسطينيين فيها.” ()
مع ديفيد بن جوريون التقت واختلطت العقيدة اليهودية بالأرض وبالتطبيق. فتمكن من أن يحدد طبيعة الصراع، والأهداف الاستراتيجية التي يتعين علي الإسرائيليين التمسك بها وتنفيذها، فظلت إسهاماته الأيديولوجية معمولا بها حتى الآن، وتمثل للأجيال التي جاءت من بعده قواعد استراتيجية لا يجوز الخروج عليها. فلخص تحديده الاستراتيجي لطبيعة الصراع العربي / الإسرائيلي على النحو التالي:” ليس هناك حل. الأرض واحدة ولا يمكن تقسيمها، والصراع على الأرض بين أثنين، وهى لابد أن تكون لأحدهما فقط، ولابد أن يكون الشعب الإسرائيلي هو الذي يحصل على هذه الأرض بمفرده. والحل الوحيد بالنسبة له _ إذا كان هناك حل _ أن يسعى بكل الوسائل، بما فيها القوة والسياسة وحتى الخديعة، لكي يجعل الطرف الآخر يرضى بالتنازل عن مطلبه.” ()
حول وحدانية الأرض ووحدانية المالك يقول يوسف ويتز ( مدير الصندوق الوطني اليهودي ) في عام 1940: “يجب أن يكون واضحا لدينا أنه لا مجال لوجود شعبين في هذا البلد فإذا ما غادره العرب فهذا سيكفينا…إنه ليس هناك من وسائل أخرى، غير إرغامهم على تغيير مكان استقرارهم، جميعا، ويجب ألا نترك حتى ولا قرية واحدة، ولا قبيلة واحدة…ويجب أن نشرح لروزفلت، ولكل رؤساء الدول الصديقة، أن أرض إسرائيل ليست شديدة الضيق، إذا تخلى عنها العرب، وإذا دفع بالحدود إلى الشمال قليلا على طول الليطاني، وقليلا إلى الشرق في مرتفعات الجولان.” ()
وإذا كان بن جوريون ويوسف ويتز قد اعترفا بأن هناك طرفين يتنازعان حق ملكية الأرض، فإن ما قالته غولدا مائير كان أكثر تطرفا، فقد ألغت الوجود الفلسطيني أصلا..” ليس هناك شعب فلسطيني. ليس الأمر كما لو أننا جئنا لنطردهم من ديارهم، والاستيلاء على بلادهم. إنهم لا وجود لهم.” ()
وجاء منهج استخدام القوة في الاستيلاء على أرض فلسطين، والتخلص من الفلسطينيين انتقاء براجماتي طبقه ممثلي الحمائم والصقور بن جوريون ومناحيم بيجين ومن تتلمذ على يديهم فيما بعد، أما الحديث عن استخدام السياسية والدبلوماسية فظلت تمثل الواجهة الدعائية للتحديد الاستراتيجي، فمن غير المنطق أن يتم استيلاء غزاة على أراضي الغير بالإقناع وبالسلم.
وإذا كان ألبرت أينشتاين قد رفض مقولة الوعد الإلهي، فإنه أدان أعمال الإجرام التي يرتكبها الصهاينة في حق الفلسطينيين..”…اهتمامي باليهود إنساني، وكذلك اهتمامي بإسرائيل إنساني. إنني عشت معهم وما تعرضوا له في ألمانيا قبل الحرب…وكنت أشاركهم حلم الوطن. أن يكون لهم وطن لا يضطهدهم فيه أحد…بنفس الوضوح فأنا أقول…إنني لا أريدهم بدورهم أن لا يضطهدوا أحدا. فعرب فلسطين لهم حق في الوطن الوحيد الذي عرفوه، لا يستطيع أحد أن ينكره عليهم. ما كان يحزنني فيما جرى في ناحيتكم من العالم سنة 1948 أنه بدا لي صراعا بين حقين.
ما حدث سبب لي أزمة ضمير…لقد أسعدني قيام دولة يهودية في فلسطين. وأحزنني المأساة التي تعرض لها العرب في فلسطين. وكان في ظني أن القوى الدولية المعنية تستطيع أن تعالج هذه المحنة. ولكن هذه القوى لم تستطع، ولعلها أرادت _لمصالحها_ تعميق المشكلة بدلا من محاولة حلها.” ()
كان موقف الزعماء الصهاينة من قضية تقسيم الأرض مرفوضا، وموقفهم من قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين هو الآخر أمرا مرفوضا ومستحيلا، فعودتهم تعني عودة جزء من الأرض إلي ملكيتهم مرة أخري. ففي رد لرئيس وزراء إسرائيل موسي شاريت ( وثيقة رقم 1055 9_/086 أ 684 ) منتقدا ما جاء في خطاب دالس الذي تناول فيه القضايا الأساسية ( الأرض، وحق اللاجئين في العودة، والحدود ):” بالنسبة لما قاله دالس عن اللاجئين فهو يفضل لو أن وزير الخارجية الأمريكي لم يستعمل كلمة “عودة اللاجئين repatriation ” وأستعمل بدلا منها كلمة resettlement.
ورأيه أن إعادة التوطين ممكنة حيث هم. وأما عودتهم فهي مستحيلة لأن إسرائيل ليس لديها مكان لهم…ومعني توطينهم حيث هم أن المسئولية على الدولة المضيفة لهم الآن وعلى المجتمع الدولي المشغول بحل مشكلتهم.
وبالنسبة لما قاله دالس عن الحدود والأمن فإن إسرائيل كانت تفضل لو أن وزير الخارجية الأمريكي شرح ما يعنيه بوضوح…فإن الأمن بالنسبة لإسرائيل معني أوسع بكثير من أي خطوط حدود. وأضاف شاريت فيما يتعلق بموضوع الحدود ذاته فهو لا يفهم تصريحات دالس في هذا الشأن، لأن دالس أشار إلي احتمال تغييرات على الأرض…ولا أظن أن أحدا يمكنه أن يطلب من إسرائيل أن تتخلى عن أية أرض في حوزتها الآن.
وحتى تلك الأراضي التي يعتبرها بعض الناس جرداء بلا قيمة اقتصادية _ يقصد صحراء النقب _ اكتسبت بعد سنة 1948 قيمة معنوية لا يمكن إغفال تأثيرها، وهي تجعل التنازل عنها مستحيلا…وأخيرا وصل شاريت إلي موضوع القدس، فرجا عدم تناوله، طالبا من الولايات المتحدة إذا تطورت مبادرتها يوما وأدت إلي إدخال الأمم المتحدة في التسوية، ألا يكون هناك إقحام لموضوع القدس في أي شيء مع الأمم المتحدة.” ()

لقد نجح الزعماء الصهاينة في البداية من توظيف العنصر الديني والتركيز عليه، كمقدمة في التمهيد لبناء الدولة، فالصهيونية العالمية لم تكن تملك في يدها _ آنذاك _ سندا آخر، غير الاضطهاد الأوروبي لليهود كواقع، في مقابل السند الديني الذي يعدهم بالتحرر من هذا الاضطهاد، وبالتالي فليس أمامهم غير التوجه إلي أرض فلسطين أرض الميعاد، والوعد.
في ذلك الظرف التاريخي كان هناك متابعة ورصد من قبل الزعماء اليهود لسياسات الدول الكبرى وتحديدا بريطانيا وفرنسا لمصالحهما في المنطقة العربية بشكل خاص، فنجحوا في ربط المشروع الصهيوني بالمشروع الاستعماري الغربي، وبهذا الربط تمكنوا من الحصول على مساعدة حقيقية من قبل بريطانيا وفرنسا.
عبد الناصر الرؤية والدور في إطار الصراع العربي / الإسرائيلي:
استمر الموقف الرسمي المصري والقوي السياسية المصرية من قضية الصراع العربي / الإسرائيلي، والانتماء العربي لمصر قبل قيام ثورة يوليو عام 1952، على النحو الذي ذكره د. محمد حسين هيكل باشا:” كانت البلاد العربية والإسلامية تعطف علي عرب فلسطين أشد العطف. لكن حكومات هذه البلاد كانت تقف من هذه المشكلة الدولية موقفا سلبيا بحتا، وكان ساسة مصر على اختلاف أحزابهم يرون في هذا الموقف السلبي حكمة غاية الحكمة.
فمشكلة العلاقات المصرية البريطانية وتنظيمها كانت تحتاج إلي كل جهد تستطيع مصر بذله، فإذا وجهت الجهود إلي فلسطين أو غير فلسطين أضعف ذلك نشاطها في المسعى لاستقلالها وسيادتها. كان سعد زغلول باشا وغيره من ساسة مصر يقولون هذا بصراحة، وإن لم يمنعهم قولهم من العطف علي فلسطين والأسف للسياسة المتبعة فيها.” ()
ظلت مصر حتى ظهور جمال عبد الناصر بعيدة عن قضايا العرب ومشكلاتهم، لأن النظام السياسي القائم فيها لا يقدر على حل مشاكل مصر والمصريين أصلا:” فحين جاء الفلسطينيون إلي القاهرة للحصول على تأييد مصر في موقفهم ضد هجرة أعداد غفيرة من اليهود الأوربيون إلي بلادهم…أشار عليهم سعد زغلول صراحة بالعودة والصلح مع المستوطنين الجدد من اليهود متسائلا: ألم تؤكد لهم الحكومة البريطانية أن الوطن القومي لليهود لن يصبح دولة قومية، وأنه ستتم حماية الحقوق المدنية والدينية للغالبية العربية البالغة 92 % من عدد السكان؟
ثم أردف قائلا: أليس اليهودي والعربي، على أية حال، من نفس السلالة السامية؟ ألم يعش العرب قرونا في انسجام مع اليهود، سواء الذين ولدوا في العالم العربي أو الذين التجئوا إليهم من محاكم التفتيش الإسبانية ومن مذابح روسيا القيصرية؟” ()
لقد كان أولي بسعد زغلول أن يقول صراحة للفلسطينيين أن مصر لا تقدر على تقديم أي شكل من أشكال العون والدعم لهم، بدلا من أن يقول للفلسطينيين اطمئنوا إلي وعد الحكومة البريطانية. وهل كان للبريطانيين وعدا واحدا صدقوا فيه مع المصريين، أو مع العرب؟ حتى يكون سندا له فيما وجهه من نصيحة للفلسطينيين!
مع ظهور جمال عبد الناصر شهدت المنطقة العربية عامة و مصر خاصة، انتعاشه للدعوة القومية العربية، وموقفا مغايرا بالنسبة للقضية الفلسطينية. كل هذا في إطار تنامي دور مصر إقليميا ودوليا. فحول تطور الانتماء القومي العربي لمصر، يرجع د. أنيس صايغ أسباب ازدهاره إلي دور عبد الناصر، مستندا إلي ما قاله عبد ناصر في كتابه فلسفة الثورة حول دوائره الثلاثة العربية / والإسلامية / والإفريقية :” لا نغالي إذا قلنا أن الفضل الأكبر في ذلك يرجع إلي شخص واحد، هو الرئيس جمال عبد الناصر. لم يعتنق ناصر الفكرة العربية إلا بعد أن اختبرها…ولمس مدي صلاحياتها لأن تكون عقيدة مصر…لم يسمح لنفسه بأن تظل حيرته تدور في حلقة مفرغة من مصر، إلي الإسلام أو العروبة أو أفريقية أو أوروبا أو المتوسط إلي مصر مرة أخري…في البحث عن حقيقة مصر.
يبدأ عبد الناصر في هذا البحث باستعمال المنظار المصري لكافة القضايا، فهو يعلل الثورة من زاوية مصرية ويرجع جذورها إلي تربة مصر نفسها، وهو يعالج قضية فلسطين من زاوية مصرية أيضا، وهو يعتبر التاريخ المصري وحدة منفصلة، في دوافعه وفي آثاره، وهو يحصر القضية المصرية بصراع مصر وحدها…ثم ينتقل إلي البحث عن علة هذه الحالة وعن السبب الكامن وراء الوضع الذي وصلت إليه مصر، فيجد العلة، في عدم وجود رأي عام قوي متحد.
:” لقد جاء وقت كنت أشكو فيه من أن الناس لا يعرفون ماذا يريدون، وأن إجماعهم لا ينعقد علي طريق واحد يسيرون فيه…إننا نعيش في مجتمع لم يتبلور بعد…ثم أقول لنفسي: سوف يتبلور هذا المجتمع وسوف يتماسك. أدرك جمال عبد الناصر أن مصر بحاجة إلي عقيدة…هنا يتعرض ناصر إلي الطرق الثلاثة التي وقف إزاءها موجهو مصر منذ عهد البلبلة…طريق الفكرة العربية وطريق الجامعة الإسلامية وطريق الوحدة الإفريقية…لم يري عبد الناصر أنها تمثل طريق واحد، بل إنه يفرق بينها، ويفصل بين الحقيقية كل منها، ويميز بين آثار كل منها في تاريخ مصر…وبعد أن قام بتفحص شامل وعميق، فعرف أن الطريقين الإسلامي والإفريقي، على أهميتها، ليسا في أهمية الطريق العربي، وأن مصر تحتاج الطريق الأهم وليس الطريق المهم…ما من شك في أن الدائرة العربية هي أهم هذه الدوائر وأوثقها ارتباطا بنا. فلقد امتزجت معنا بالتاريخ، وعانينا معها نفس المحن، وعشنا نفس الأزمات…وامتزجت هذه الدائرة معنا بالدين…ثم جمعها الجوار في إطار ربطته كل هذه العوامل التاريخية المادية والروحية.” ()
أصبح الحديث عن فلسطين يشغل مساحة كبيرة في الخطاب الناصري، وهناك شبه إجماع بين المفكرين والباحثين الذين تناولوا دراسة البعد القومي عند عبد الناصر إلي أن أهم المؤثرات في تشكيل هذا الوعي، كانت هي القضية الفلسطينية وساعد في ترسيخ هذا البعد عوامل مكملة من بينها التحاقه بالكلية الحربية واهتماماته بدراسة الأمن المصري الذي قاده في النهاية إلي وحدة الأمن العربي، وكانت فلسطين هي مفتاح أمن المنطقة العربية وأمن مصر: ” كان جمال عبد الناصر أثناء دراسته العسكرية قد وضع رسالته لامتحان كلية أركان الحرب عن خطة أللنبي في فلسطين، وكان أللنبي يعتقد أن الدفاع عن مصر يرتكز على الخط الممتد من غزة إلي بئر سبع. وكان عبد الناصر مقتنعا بهذا الاتجاه وقد اختبره بنفسه في فلسطين، أي أنه توصل إليه دارسا وتأكد منه محاربا.” ()
لا ينفي عبد الناصر دور فلسطين في تشكيل وعيه القومي بل يؤكده :” وأنا أذكر فيما يتعلق بنفسي أن طلائع الوعي العربي بدأت تتسلل إلى تفكيري وأنا طالب في المدرسة الثانوية أخرج مع زملائي في إضراب عام في الثاني من نوفمبر من كل سنة احتجاجا على وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لليهود ومنحتهم به وطنا قوميا في فلسطين، اغتصبته ظلما من أصحابه الشرعيين. وحين كنت أسائل نفسي لماذا أخرج في حماسة؟ ولماذا أغضب لهذه الأرض التي لم أراها؟ لم أكن أجد في نفسي سوى أصداء العاطفة. ثم بدأ نوع من الفهم يخالج تفكيري حول هذا الموضوع لما أصبحت طالبا في الكلية الحربية أدرس تاريخ حملات فلسطين بصفة خاصة وأدرس بصفة عامة تاريخ المنطقة وظروفها التي جعلت منها في القرن الأخير فريسة سهلة تتخطفها أنياب مجموعة من الوحوش الجائعة!
ثم بدأ الفهم يتضح لما بدأت أدرس وأنا في كلية أركان الحرب حملة فلسطين ومشاكل البحر الأبيض المتوسط بالتفصيل. ولما بدأت أزمة فلسطين كنت مقتنعا في أعماقي بأن القتال في فلسطين ليس قتالا في أرض غريبة وهو ليس انسياقا وراء عاطفة، وإنما هو واجب يحتمه الدفاع عن النفس…ولما انتهى الحصار وانتهت المعارك في فلسطين وعدت إلى الوطن، كانت المنطقة كلها في تصوري قد أصبحت كلا واحدا…ولقد بدأت بعد أن استقرت كل هذه الحقائق في نفسي أومن بكفاح واحد مشترك وأقول لنفسي: مادامت المنطقة واحدة وأحوالها واحدة، ومشاكلها واحدة، ومستقبلها واحدا، والعدو واحدا مهما حاول أن يضع على وجهه من أقنعة مختلفة، فلماذا تتشتت جهودنا.” ()
إسرائيل كيان عنصري وأداة لفرض التجزئة والتخلف:
لقد أفضت التراكمات العدائية المترتبة على الصراع العربي / الإسرائيلي إلي ترسيخ القناعة لدي عبد الناصر بأن النزعة العدوانية جزء من طبيعة وتركيبة إسرائيل وقادتها :”…كنا نحن العرب نريد أرضنا ونريد السلام عليها والحرية من حولها، وكانوا يريدون أرضنا، ولا سبيل لهم إلى ذلك حتى يستولوا على الأرض إلا بالقتل.
ولم يكونوا يخفون رغبتهم في القتل حتى تخلو الأرض…أكثر من واحد من زعماء إسرائيل قال علنا أمام الرأي العالمي كله نحن نريد أرض العرب. فكيف نأخذ أرض العرب من العرب؟ هل نقنعهم بأنهم يتركوا لنا أرضهم بالمنطق والحجة؟ ذلك لا يصلح، والسبيل الوحيد إذن هو أن نقتل وأن نثير الرعب والخوف وليس في ذلك ما ينبغي أن نخجل منه أو نداريه تحت الشعور بوطأة الضمير.” ()
فإسرائيل لا تعدو عن كونها وجودا فرضته سياسات عنصرية واستعمارية، وأن إسرائيل لا تخرج عن كونها تكرار لتجربة جري تطبيقها في روديسيا :”…فمشكلة روديسيا هي مؤامرة إسرائيلية بحذافيرها. إن مشكلة روديسيا ليست بعيدة عنا.. بل ربما كنا نحن أقرب إخواننا الأفريقيين إلى فهم طبيعتها، فهي في صميم الأمر تكرار لمؤامرة إسرائيل. أقلية غريبة، تدعى لنفسها عنصريا حقا في وطن شعب آخر.. وتحت ظل الاستعمار.. تتقدم لتمسك بمفاتيح الثروة الوطنية والسلطة الفعلية.
ثم تفرض بالقوة سيطرتها، إلى حد إعلان استقلال مزعوم، ويتظاهر الاستعمار بعدم الرضا.. مع أنه يملك فرصة التغيير ووسائله، ولكنه في الواقع شريك لنفس المخطط العدواني مهما تظاهر، ومهما كان التنويع في الأدوار.” ()
ويرفض عبد الناصر المقارنة بين القضية الفلسطينية وقضية برلين. ففي حديثه مع جريدة الأبزيرفر البريطانية شرح عبد الناصر الفوارق الجوهرية بين المشكلتين وكانت تحليلات عبد الناصر تمثل نبوءة :”…فمشكلة فلسطين تختلف عن جميع المشاكل الموجودة في العالم. فهي تختلف مثلا عن مشكلة برلين. فمشكلة برلين الاختلاف فيها: هل برلين مقسمة أم غير مقسمة؟ هل هي محتلة أم غير محتلة؟ أما مشكلة فلسطين فهي مشكلة فريدة في نوعها في العالم…شعب طرد من أرضه اغتصبت أملاكه وحل محله شعب آخر. أما مشكلة برلين فشعبها موجود فيها. جزء منه في ألمانيا الشرقية والآخر في ألمانيا الغربية، لكن الشعب هو الشعب الألماني…ولسوف يجئ يوم من الأيام تنتهي المشكلة العارضة ولا يبقى في ألمانيا غير الشعب الألماني.” ()

لقد انتهت مشكلة برلين بالفعل وسقط سورها الذي مثل مرحلة تاريخية عارضة في تاريخ ألمانيا، ولم يبقى غير الشعب الألماني كما توقع جمال عبد الناصر، في وقت كان تصور سقوط حائط برلين هو تصور أكثر من خيالي ولا يمكن حدوثه، وقد كانت تلك قناعة غالبية القادة الألمان أنفسهم. وما قاله عبد الناصر حول المشكلة الألمانية يرجع إلي إيمانه بدور العامل القومي باعتباره أحد المكونات الطبيعية لكل أمة، وهو عنصر أبقي وأقوي من كل أسباب الانقسام والتجزئة والتي تمثل مراحل عارضة في تاريخ كل أمة.
ويضيف غياب خريطة تحدد حدود الدولة الإسرائيلية عاملا في تثبيت ما توصل إليه عبد الناصر من أن إسرائيل كيان توسعي عنصري فإسرائيل لم تتقيد بالخرائط المرفقة بقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر عام 1947، باعتباره أحد الشروط الثلاثة التي على أساسها قبلت عضوا في الأمم المتحدة.
وحتى الآن ظلت حدود الدولة الإسرائيلية مجهولة لا يعرفها إلا الإسرائيليون، وتمثل تكرارا لنموذج سبق أن تعامل به الأمريكيون في القضاء على الهنود الحمر، فقد حرص الأمريكيون على أن تبقي حدود الدولة الأمريكية مفتوحة وبغير تحديد حتى يصلوا إلي المحيط الهادي، وهناك أعلن قفل الحدود بعد نجاح الأمريكيين في طرد الهنود وقتلهم، والاستيلاء على أراضيهم. تحول النموذج الأمريكي إلي نموذج يمكن تطبيقه على الأرض الفلسطينية، لأنه يمنح الإسرائيليين فرصة بعدم التقيد بتقديم خرائط قبل الوصول إلي الحدود المجهولة والتي يقبل بها الإسرائيليون.
وهذا بالفعل ما جاء في أقوال كلا من بن جوريون، ومناحيم بيجين المعلنة والتي تتجاهل تحديد واضح لحدود الدولة اليهودية. فبن جوريون يعلن ” أن القضية لا تتعلق بالإبقاء على الوضع الحالي. إن علينا أن نخلق دولة دينامكية، تتجه إلى التوسع”. أما مناحيم بيغين فيعلن ” إن أرض إسرائيل سترد إلى شعب إسرائيل. الأرض كلها، والى الأبد.” ()
الأول بن جوريون في حديثه عن الدولة اليهودية استعار من النازية مقولة ( الدولة الديناميكية )، والثاني مناحيم بيجين يتحدث عن ( الأرض كلها ). ما هي تلك الأرض؟ وما هي حدودها؟ الإجابة غير معلنة.
وتساهم الأحداث في ترسيخ قناعة جمال عبد الناصر تجاه الوجود الإسرائيلي في فلسطين، فعندما أيد (أنو) رئيس وزراء بورما حضور إسرائيل إلي مؤتمر باندونج عام 1955 باعتبارها دولة أسيوية، اتصل به عبد الناصر فشرح له أن دولة وجودها غير شرعي، وأنها كيان بغير حدود. ” إن وجود أساس شرعي وقانوني لأي دولة لا بد أن يكون ضمن حدود مقبولة ومعترف بها. والحدود التي رسمها المجتمع الدولي لإسرائيل هي حدود التقسيم، لكن إسرائيل تخطت هذه الحدود بالعدوان، وهذا ثابت من قرارات متصلة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وسأل (أنو) جمال عبد الناصر هل أفهم من ذلك أنكم لا تمانعون في حضور إسرائيل إلي باندونج إذا هي اعترفت بخطوط التقسيم؟ وبعث إليه عبد الناصر بأنه إذا اعترفت إسرائيل بخطوط التقسيم والتزمت بها عملا وتقدمت بخريطة نهائية لحدودها على هذا الأساس، فإنها بالقطع تصبح مهيأة لحضور مؤتمر باندونج، وتثبت أنها مستعدة للسلام”. وقام ( أنو ) باتصالاته مع أصدقائه في إسرائيل يطلب اعترافا منهم بقرار التقسيم وبخريطة نهائية لحدود بلدهم. ولم تستجب إسرائيل، وتراجع (أنو) عن إصراره على دعوتها.” ()
وعندما طرح مشروع روجرز _ وليس مبادرة روجرز _ المكون من عشر نقاط بينها تحديد خرائط لحدود إسرائيل والحل العادل لمشكلة اللاجئين، عندها رفضت إسرائيل مشروع روجرز. ()
لقد ظل العنصر المركزي في مشاريع السيطرة الغربية على المنطقة العربية يعتمد على إبقاء حالة التمزق السائدة بين العرب، وكان العرب وما زالوا ينظرون إلي وجود إسرائيل بأنها أداة تكرس التجزئة بين العرب، وتحرص على أن تظل حاجزا يفصل بين العرب في المشرق والمغرب، بما يمنع تحقيق أي مشروع يحقق للعرب مشروعهم الوحدوي، حتى تظل أسباب الضعف العربي قائمة ومتصلة.
ففي أوائل عام 1954 وضعت الولايات المتحدة الأمريكية بالاشتراك مع بريطانيا خطة تحمل أسم ( ألفا ) لترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، تقوم على فرض تسوية للصراع العربي/الإسرائيلي، وإقامة حلف عسكري شرق أوسطي يشترك فيه العرب والإسرائيليين. غير أن المشكلة التي واجهت الأمريكيين في وضع الخطة ( ألفا ) موضع التنفيذ، كانت في وجود جمال عبد الناصر:” إنه يدرك أن العقبة الكبرى التي تواجهها الخطة هي أن عبد الناصر بخبرته الاستراتيجية وبتجربته في فلسطين سوف يكون مصرا على فتح الاتصال البرى بين مصر وبقية العالم العربي، وبالتالي فإن موضوع النقب سوف يكون النقطة الأهم بالنسبة له.”
في 21/1/1956 كتب روبرت أندرسون _ المتحدث باسم الرئيس الأمريكي أيزنهاور _ من القاهرة:” اجتمعت مع ناصر وعرضت عليه تسوية سريعة، فقاطعه ناصر قائلا:” إن التوصل إلي تسوية سريعة أمر مستحيل تماما…وعاد ناصر بسرعة إلي موضوع النقب مؤكدا أنه لا يمكن البحث في تسوية على أساس تقسيم العالم العربي نصفا في إفريقيا ونصف في أسيا بدون اتصال بين الاثنين…وجئنا بخريطة وسألت ناصر عن حدود الصلة التي يقترحها لربط العالم العربي ونظر ناصر إلي الخريطة _ ويظهر أنه كان جاهزا للإجابة _ وقال: على أقل تقدير لا بد أن تكون المنطقة الظهرية إلي الخليل إلي غزة عربية.
ورددت من المستحيل على إسرائيل أن تقبل ذلك، وإصراره عليه سوف يؤدي إلي زيادة شكوك إسرائيل، وهذا طريق الحرب. على أنني سألته إذا كان يتصور تعديلات أخري على الأرض. قال: إنه يعتقد أن مثلث ( سمخ ) والمنطقة المحيطة ببحيرة طبرية يجب أن تكون في يد سوريا، وفي كل الأحوال أن تكون عربيتين.” ()
كان الخطاب الناصري يربط بين محاولات إضعاف مصر، بغرض الوصول إلي إضعاف العرب جميعا..” إن وجود مصر ضعيفة ضعف للنضال العربي كله. ووجود مصر مغلولة شلل للنضال العربي كله، وليست هذه هي حقيقة جديدة، وإنما هي استقراء التاريخ والطبيعة، ولعل ذلك من وجهة نظر السياسة الاستعمارية من بين الأسباب التي قصدها الذين مهدوا للعدوان الإسرائيلي…أن يعزلوا مصر وراء حاجز الصحراء في سيناء عن الشرق العربي كله، ليمنعوا اتصالها به. وليسهل على إسرائيل أن تواجه جبهات عربية ممزقة ومتباعدة. وليسهل عليهم أن يتعاملوا مع عالم عربي مشطور في منتصفه.” ()
الوزير فتحي الديب، الذي تولى مسئولية دعم حركات التحرر العربية فترة حكم جمال عبد الناصر، يدلي بشهادته، فأكد على أن عبد الناصر كان يربط دوما بين تحرر مصر وتحرر العرب، فحرية مصر منقوصة طالما أن حرية الأقطار العربية منقوصة: “…فبعد أن رتب القائد البيت المصري إثر تفجر الثورة وانطلاقه بشعب مصر وقدراته النضالية ليعبر حدود أرض مصر إلى ساحة الوطن العربي من خلاله أيمانه العميق، والذي ركز عليه في تكليفه لي بمهامي، بأهمية تحرير كافة أجزاء الوطن العربي انطلاقا من أن حرية شعب مصر تظل قاصرة عن تحقيق أهدافها ما بقيت أي ساحة عربية لم تتحرر.” ()
وهناك اعتقاد جازم سيطر على تفكير عبد الناصر هو إمكانية تحرير فلسطين إذا ما تحقق الشرط الوحدوي للأمة العربية، فيستشهد د. محمد السيد سليم على ما ورد في حديث لعبد الناصر مع الصحفي الهندي كارنجيا ” اعتقد عبد الناصر أن الأمة العربية ستتحرر. وبرر هذا التنبؤ بالنمط التاريخي في حياة الأمة العربية منذ عصور التتار والصليبيين. مؤدى هذا النمط هو أنه حينما يتحد الجيشان المصري والسوري تستطيع الأمة العربية أن تهزم أعداءها…وطبقا للمنطق التاريخي الدائري نفسه، استنتج عبد الناصر أن فلسطين ستتحرر.
” سيعود ( الفلسطينيون )، لقد جاء وقت في الماضي استطاع فيه الاستعمار المستتر بالصليبية احتلال أرضنا في فلسطين لمدة سبعين عاما، ولكن العرب واصلوا القتال من أجل أراضيهم إلى أن استعادوها في النهاية. وليس لدى شك من أن التاريخ سوف يعيد نفسه…انطلاقا من هذا المنطق الحتمي في التاريخ العربي فقد استخلص عبد الناصر عدة قوانين أساسية للتطور السياسي العربي.
أول هذه القوانين هو حتمية الوحدة العربية وانتصار القوى التقدمية العربية على الاستعمار والقوى الرجعية…الواقع أن مفهوم الحتمية التاريخية، الذي كان محور التحليل الناصري صنع هذا التحليل بنوع من اليقين المطلق يشبه اليقين الذي يميز الأيمان الديني…بيد أن الاعتقاد الناصري في حتمية التطور التاريخي لم يعن أن تلك الحتمية هي حتمية آلية. فالحتمية التاريخية تتطلب تدخل العنصر البشرى لتحريك تلك الحتمية. وقد أكد عبد الناصر هذا المعنى في خطابه 1/5/1966 :” لا يكفى القوى الثورية أن تطمئن إلى أن حركة التاريخ معها، لابد من أن تتجمع كل القوى الثورية في العالم العربي لتتصدى لمواجهة الرجعية والاستعمار.” ()
إضافة إلى كون الوجود الإسرائيلي يمثل عائقا للتمزيق يمنع وحدة الأمة العربية، فإن هذا الوجود يمثل أيضا عائقا نحو التقدم والتطور للأمة العربية :”…إننا جزء لا يتجزأ من أمة عربية واحدة. تاريخها واحد. ونضالها واحد. ومصيرها واحد…أن سلامة الأمة العربية الواحدة لا تتجزأ. والعدوان على أي جزء منها عدوان على الكل.
…إن الاستعمار لن يحمل عصاه ويرحل من كل الأرض العربية بالإقناع وبالمنطق. كذلك فإن إسرائيل لن تنزاح من مكانها في وسط الأمة العربية رضا وسلاما…وإذا كنا نقول أن الحرية العربية لا تتجزأ، فإن التقدم العربي لا يمكن بناؤه على التجزئة. إن الوحدة ليست نداء يردد أصداء الماضي، وإنما الوحدة العربية أصلا وأساسا هي نداء بالتجمع وانطلاق إلى بناء المستقبل وتوفير رخائه.” ()
وفي حديث يتناول فيه عبد الناصر المقارنة بين التخلف المفروض على العرب وبين الوجود الإسرائيلي ودوره في بقاء هذا التخلف:”…لقد تخلفنا طويلا عن العالم…الفارق بيننا وبين غيرنا من الأمم يتسع كل يوم وما لم نتحرك بأقصى سرعة فسوف نقع فريسة لأعنف استعمار عرفه التاريخ وهو استعمار التخلف…أن التخلف هو الشيء الوحيد الذي يضمن البقاء لإسرائيل على أرضنا إلى الأبد. والخطر الإسرائيلي يتلاشى حتى قبل المعركة الفاصلة، إذا تمكنت الأمة العربية أن تخلص نفسها من التخلف الذي فرضه الاستعمار عليها والذي تحاول الرجعية أن تفرضه الآن.” ()
ويتخذ عبد الناصر من موقف الغرب وإسرائيل والأنظمة العربية المتعاونة معهم من الوحدة المصرية السورية دليلا على حرصهم أن لا يأخذ العرب فرصة للتطور:”…إن أمل الوحدة حين يتحقق يصبح تتويجا لكل الآمال العربية الأخرى. وهو في نفس الوقت ضمان لها، وهو الإطار السليم لتطور الأمة العربية ونموها المتكامل وفرصتها الحقيقية لبلوغ مستوى التقدم المنشود في عصر تتسابق الأمم فيه إلى التقدم بسرعة مدهشة.
…في 1958 حينما أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا من أول يوم ظهر مين همه فعلا طلاب الوحدة المخلصين ومين همه أعداء الوحدة، ظهر الذعر الإسرائيلي وظهر أيضا الخوف الاستعماري من الوحدة وعبرت بريطانيا أن الوحدة ستقضى على النفوذ الاستعماري في هذه المنطقة، وظهر أيضا خوف الرجعية من الوحدة…أمريكا وإنجلترا.. أقاموا إسرائيل وحموا إسرائيل…اقتصاد إسرائيل يعتمد على اللي بيجى من أمريكا. كانت الأول بتجيب سلاح من فرنسا والنهارده من أمريكا مجانا أو بثمن رمزي بتسلح إسرائيل. كل هذا كي تكون قاعدة استعمارية في قلب الوطن العربي وحاجز يمنع تحقيق الوحدة في العالم العربي.
إذن نطلع بنتيجة أن الاستعمار يدعم الرجعية والاستعمار يسلح الرجعية. والاستعمار يدعم إسرائيل. والاستعمار يسلح إسرائيل ولما كان الاستعمار هو الأصل. وهو مصدر التخطيط فإن الجانبين اللذين يحصلان على الدعم والسلاح، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونا جانبين متصادمين، وإنما جانبين متعاونين، ولو حتى بالوساطة.” ()
وكان عبد الناصر يتولى تفنيد ما يوجه له من نقد واتهامات بغرض إضعافه أو القضاء عليه، فنجده يرفض التفسير الذي يصف الحلم القومي في وحدة الأمة العربية بالتعصب، فالقومية العربية تعني أملا عربيا. وهي ليست طيفا أو خيالا يداعب أحلام النائمين. وإنما الوحدة العربية علم التاريخ على الأرض العربية ودرسه، وعلم الواقع المعاصر كله ومقتضياته، وعلم البناء الشامل للمستقبل ومتطلباته، بل على النطاق الدولي الأوسع. ()
كما أن عبد الناصر كان يدرك جيدا التأثير القوى للصهاينة واليهود في العالم على وسائل الإعلام وخاصة في العواصم الرئيسية منه، والتي تحاول دوما أن تعطى للصراع وجها دينيا يظهر فيه العرب بمظهر المتعصبين دينيا ضد أقلية مؤمنة من اليهود فيقول: “…إسرائيل تقول في العالم الخارجي أن العرب يريدون أن يذبحوا كل اليهود، لا لسبب إلا العنصرية العربية. ويحاولوا بهذا أن ينفوا العنصرية الإسرائيلية. على طول السنين عاش العرب المسلمين والمسيحيين جنبا إلى جنب مع اليهود. ولكن الصهيونية هي التي اغتصبت فلسطين.” ()
وبمراجعة مفردات الخطاب الناصري الخاصة بقضية الأديان، لا يظهر عند عبد الناصر أي تفضيل لديانة بالذات، اعتقادا بأن مصدر جميع الأديان هو الله وحده، وأن الرسالات جاءت لهداية البشر، من هنا وجب النظر للأديان بغير تعصب يسئ إلى جوهرها الصافي “…إن القيم الروحية الخالدة النابعة من الأديان قادرة على هداية الإنسان وعلى إضاءة حياته بنور الإيمان، وعلى منحه طاقات لا حدود لها من أجل الحق والخير والمحبة. إن الرسالات السماوية كلها في جوهرها كانت ثورات إنسانية استهدفت شرف الإنسان وسعادته، وأن واجب المفكرين الدينيين الأكبر هو الاحتفاظ للدين بجوهر رسالته…لقد كانت جميع الأديان ذات رسالة تقدمية…إن جوهر الأديان يؤكد حق الإنسان في الحياة وفى الحرية، بل إن أساس الثواب والعقاب في الدين هو فرصة متكافئة لكل إنسان. إن كل بشر يبدأ حياته أمام خالقه الأعظم بصفحة بيضاء يخط فيها أعماله باختياره الحر”. ()
ولقد ظل جمال عبد الناصر يرفض استخدام الدين في السياسة، فنراه يهاجم الأحلاف القائمة على رابطة الدين كالحلف الإسلامي الذي حاول تأسيسه النظام السعودي بدعم وبتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية. كما هاجم الاستعمار التركي الذي ارتدي عباءة الخلافة الإسلامية وسيلة لفرض السيطرة والاستغلال.
ويذكر معمر القذافي بعد نجاح ثورة الفاتح أنه سأل جمال عبد الناصر..” عن العلاقات داخل مجلس قيادة الثورة وعن سبب تخلف البعض في بعض المراحل…فشرح لنا بأن سبب خروج كمال الدين حسين من المجلس، هو أننا استمرينا نناقشه سنتين حول الدستور، وكان رأيه أن يكون القرآن دستور الدولة، فلما لم نتمكن من إقناعه، ولم يتمكن من إقناعنا خرج من المجلس وابتعد.” ()
لقد توصل عبد الناصر في النهاية هو الآخر إلي طرح مقولة تتناول تحديد طبيعة الصراع العربي / الإسرائيلي، تتطابق في منطقها مع ما طرحه بن جوريون، وإن اختلفت في تحديد من هو صاحب الأرض، فبينما ذهب بن جوريون أن صاحب الأرض هو الشعب الإسرائيلي، ذهب عبد الناصر إلي أن صاحب الأرض الوحيد هو الشعب الفلسطيني:
” أن الأرضية الأصلية وراء الصراع العربي الإسرائيلي هي في الواقع وعلى وجه الدقة أرضية التناقض بين الأمة العربية الراغبة في التحرر السياسي والاجتماعي وبين الاستعمار الراغب في السيطرة وفى مواصلة الاستغلال.
وفيما مضى كان سلاح الاستعمار ضد الأمة العربية هو سلاح التمزيق، وبعد حربين عالميتين، ومع تعاظم الأيمان بالوحدة العربية، لجأ الاستعمار إلى إضافة سلاح التخويف إلى سلاح التمزيق، وكان أن أستغل في ذلك الدعاوى الأسطورية للحركة العنصرية.
وهكذا سلم جزء من وطن الأمة العربية غنيمة مستباحة للعنصرية الصهيونية المدججة بالسلاح لكي يتم تكريس تمزيق الأمة العربية وليتحقق تخويفها باستمرار عن طريق إيجاد قاعدة في قلبها لتهديدها، فضلا عما يتبع ذلك من استنزاف كل إمكانيات القوة العربية في صراع محكوم فيه تاريخيا.” ()
ويذكر كاتب غربي أن القضية الفلسطينية في وجود عبد الناصر تلقت دعما غير في جوهر الصراع العربي / الغربي / الإسرائيلي، وفي أساليبه التعامل معه. فلم يكن من بين الحكام العرب من عمل للقضية الفلسطينية بمثل جمال عبد الناصر. ولولا جهوده لظلت القضية الفلسطينية مشكلة لاجئين. ()
موقف الحزب الناصري من الصراع العربي / الإسرائيلي:
تبني الحزب القومي العربي الناصري مجمل ما قال به عبد الناصر حول تفسيره لطبيعة الصراع وأهداف العدو الإسرائيلي. فأورد في برنامجه السياسي أن حقائق التاريخ والجغرافيا ردت مصر بالضرورة إلى العرب، نزولا على مقتضيات روابط وتفاعلات قرون، وضرورات أمن واعتبارات مصلحة. ( دور مصر العربي )
ولأن أي قوة متفوقة عسكريا على الحدود الدولية، بمعيار الأمن القومي المجرد، تعتبر قوة معادية بصفة مبدئية، فما بالنا إذا ما أضفنا إلى ذلك الطبيعة العنصرية للعقيدة الصهيونية وتطلعاتها الحقيقية إلى إخضاع الأمة العربية كلها. (إسرائيل كيان عنصري)
من هنا يكتسب اصطلاح الصراع العربي/الإسرائيلي جدارته على امتداد المستقبل، وخاصة إذا تم التعبير عنه اجتماعيا، أي بمعيار الجماهير بدلا من معيار الطبقة الحاكمة، باعتبار أن أي صراع هو بالأساس صراع اجتماعي يدور حول مصالح وموارد مادية.
وليس من الصحيح أن إسرائيل هي الطرف الأساسي في الصراع، ولكنها الطرف المباشر فيه، وهو صراع قد يكون أكثر خطورة في الأجلين القصير والمتوسط، لأنه يمثل المشروع الاستعماري المباشر الذي يعمد كل يوم إلى خلق وقائع جديدة على الأرض العربية، كما أن دائرة عدوانه لا تقف عند حد. فعملية غسيل الدماغ التي تعرض لها الشعب المصري هي إلى زوال، فقد ذهب إلى السلام من أجل الطعام، كما قيل له آنذاك، ولكنه يكتشف الآن أنه خسر الهدفين معا. ()
ويرصد الحزب الناصري التراجع في موقف الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية والعربية بشكل عام، في الوقت الذي يتمسك الطرف الإسرائيلي فيه بمواقفه السابقة، فأعطى العرب من أجل السلام تنازلات لم تكن تخطر على بال، والنتيجة هي ما نراه اليوم.
إن الخط البياني ومن ضمنه العربي ومن ضمنه الفلسطيني، من مسألة الاعتراف بالعدو الصهيوني والتعايش معه شهد انحدارا منذ هزيمة 1967 وحتى الآن. فيما نجد أن الخط البياني الصهيوني من مسألة الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه وممثله الشرعي ظل محافظا على ذات الاتجاه ولم يشهد أي انحدار مهما كان ضئيلا. إن الاعتراف والتعايش هو المسألة الاستراتيجية الرئيسية في الصراع العربي/الإسرائيلي، وفى المسائل الاستراتيجية لا يناور ولا يساوم، أما العرب فقد اخضعوا هذه القضية المركزية الاستراتيجية للمناورات والتنازلات، دون تحقيق أي مكسب صغير على الأرض. ()
والحزب الناصري يرى في التسوية الجارية طمسا نهائيا لكل ما جرى في الفترة التاريخية منذ 1917 إلى 1947 وما جرى فيها من ظلم نال الشعب الفلسطيني ” إن ما يجرى في السياق التاريخي للقضية والتسوية، ليس أكثر من اعتراف ضمني من قبل جميع الأطراف بأن الحل النهائي لهذه القضية لابد من أن يتأسس على الاعتراف النهائي بوجود إسرائيل، كحجر زاوية وأساس للتسوية”. ()
حول التسوية السياسية:
السؤال الأول: هل التسوية برنامج سياسي ترفعه الأنظمة والمنظمات على مدى جيل أو أجيال، أو هو عملية إجرائية مؤقتة، يمكن القبول بها في لحظة ما من لحظات الصراع الطويل؟
السؤال الثاني: أن الموقف من التسوية، لابد أن يكون محسوبا على أساس موازين القوة الفعلية لحظة التسوية، وبالتالي في حساب النتائج المادية والسياسية التي ستفرضها هذه الموازين. فما هي النتائج؟
إن أخطر ما نشهده الآن يتمثل في تدهور النظرة التاريخية للقضية الفلسطينية بالذات فمن مبدأ تحرير فلسطين كما حددها الميثاق الوطني الفلسطيني حتى وصلت المنظمة إلى حد الاعتراف بإسرائيل وهى تحتل كامل التراب الفلسطيني.
لقد أقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته ( 11 ) عام 1972 قاعدة تحكم تعاملات الطرف الفلسطيني مع مجمل الصراع، وبغض النظر إلي أي الأجيال ينتمي المتفاوضون، فأقرت المبدأ التفاوضي الذي لا يقبل التلاعب به تحت أي مسميات، وفي ظل أي ظروف فذكر الميثاق الوطني التالي: لا يحق لأية جهة من أي جيل من أجيال الشعب، مهما تألبت عليه الظروف أن تتنازل عن أي حق من حقوقه الثابتة والطبيعية.
فأدان عقلية التسوية، وما تفرزه من مشروعات ضد نضال شعبنا في تحرير وطنه، أو مسخ هذه القضية بمشروعات الكيانات أو الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين، والتصدي لهذه المشروعات بالكفاح المسلح وبالنضال الجماهيري المرتبط به. غير أنه في الدورة التالية مباشرة للمجلس، بات من يقاوم دعوات التسوية متهما بالخروج على الإجماع الوطني وعلى شرعية منظمة التحرير. في الدورة ( 12 ) عام 1974، أقر المجلس برنامج النقاط العشر، الذي يدعوا فيها إلى إقامة سلطة وطنية على جزء من أرض فلسطين.
وفى الدورة (13) عام 1977 تحولت السلطة إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، لتصل في الدورة (16) عام 1983 إلى دولة كونفدرالية مع الأردن، ثم تتابع انحدار الدولة الفلسطينية إلى إقامة (كيان فلسطيني) في ذلك الجزء من أرض فلسطين يرتبط كونفدراليا مع الأردن (اتفاق عمان عام 1985). ثم جاءت دورة الجزائر عام 1988 ليعلن المجلس إقامة الدولة المستقلة من ناحية، وقبول قرار 242، من ناحية أخرى. وعلى هذا الأساس أعلن ياسر عرفات الاعتراف بإسرائيل، وقبول قرار 242، وإدانة الإرهاب، كما أعلن أن نص الميثاق الوطني الفلسطيني بشأن القضاء على إسرائيل أصبح لاغيا. وبهذا انقلب البرنامج الفلسطيني إلى برنامجين متناقضين، ومنظمتين متناقضتين، لا يجمعهما إلا نفس الاسم ونفس القيادة، إنهما منظمة للتحرير، ومنظمة للتسوية. ()
لقد توقع منظري الحزب الناصري في برنامجهم توقف المفاوضات بين الطرفين من أجل تقديم تنازلات، قبل حدوثها بست سنوات نتيجة لظهور عقبات تدخل في نطاق الحقوق الثابتة والمشروعة للشعوب والإنسان، كحق العودة والتعويض والتزام بالقرارات الصادرة عن الشرعية الدولية. هذه المبادئ تتعرض لانتهاكات مستمرة من قبل الإسرائيليين، مما يعرضهم لضغوط خارجية وداخلية، كل هذا يحدث في ظل استمرار الخلل في ميزان القوة والذي استمر وللآن لصالح إسرائيل.
وأن الموقف الأمريكي سيظل منحازا لإسرائيل ” فالمفاوضات الجارية الآن، تحت الأشراف الأمريكي ليست إلا أداة لاستهلاك الوقت…أما التحجج بأن القدرات العربية أضعف من أن تنشئ هذا الموقف الرافض للتهديد الإسرائيلي والحصار والاحتواء الأمريكي، وأن المحصلة النهائية تقتضي مسايرة أطراف الضغط والتهديد.
…وإن كان هذا الادعاء بشقية صحيحا، ومصدره الأول بل الوحيد هو تكبيل الحكومات العربية الراهنة للإرادة القومية، أما الانقسام الحادث فهو يخص الحكام العرب وحدهم ولا يمس في جوهره الشعوب العربية من قريب أو بعيد. إن الحكام هم الذين أحدثوا هذا الانقسام بدافع المصالح الشخصية الضيقة، ويحاولون الآن تكريسه وفرضه على الشعب العربي.
من هنا فإن حزبنا يجد لزاما وضروريا الإسراع بالاتصال بكافة القوى والأحزاب والمنظمات والمؤسسات والاتحادات والجمعيات العربية لتعبئتها في إطار جبهة قومية متسلحة بإرادة واعية، بهدف التصدي للتحدي الصهيوني الأمريكي بكل الحسم والعزم. تقديم الدعم المطلق وغير المحدود للانتفاضة الفلسطينية التي يجب أن يتاح لها فرص وإمكانيات الاستمرار.” ()

حول آليات التعامل مع الصراع ترك الحزب الناصري الباب مفتوحا أمامه في اختيار السياسات التطبيقية بشأن الصراع:
1_ زوال الكتلة الاشتراكية كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة.
2_ تعاظم منزلة أمريكا في النظام العالمي حتى أصبحت في المنزلة الأعلى.
3_ أوروبا الموحدة اقتصاديا وسياسيا.
4_ انفراد أمريكا في التأثير المباشر على شبكة العلاقات والأمن في المنطقة.
5_ غياب الأمن القومي العربي وتبعيته في منطقة الخليج للقوى الغربية وللولايات المتحدة.
6_ وضع اليد الأمريكية على معضلة الصراع العربي/الإسرائيلي.
7_ إحكام الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية يدها على النفط العربي في الخليج.
تشكل مجمل هذه الوقائع عناصر ضاغطة على الأمن العربي ، تبدد مقوماته، وتحاول منعه من التشكل وتدفع القوى الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة، إلى أن تحتل منزلة العربي وتقوم مقامه، طالما أنه غائب وغير قادر على التشكيل.
…هذا الواقع من شأنه أن يطرح مفاهيم أخرى غير الأمن العربي وطرح تصورات بديلة تدور جميعها حول غرضين رئيسين وهما: صيانة أمن إسرائيل وإدماجها في المنطقة، وضمان إمدادات النفط . فمنذ قيام إسرائيل أصبح لنا جار دخيل أهم مقومات أمنه القومي، هو عدم قيام نظام للأمن القومي العربي.
إن عقيدة إسرائيل الأمنية تتمثل في أن زعزعة الأوضاع العربية وتضاربها أهم لسلامة إسرائيل من قواتها المسلحة. إن خبراء الأمن القومي يصفون هذا السعي الإسرائيلي بأنه محاولة لتحقيق الأمن المطلق لإسرائيل، وهذا لا يتحقق إلا في غياب أمن الدول المجاورة…إن إسرائيل تمثل التهديد الرئيسي للأمن العربي، وأن القضية الفلسطينية قضية قومية تشمل كل العرب وتؤثر عليهم جميعا.” ()
وللتدليل على ذلك ما ورد بمجلة ( كيفونيم ) حول خطط إسرائيل للثمانينات، فتصف الحالة التي وصلت إليها مصر بعد اتفاقيات السلام..” غدت مصر من حيث هي جسد ومركز، جثة هامدة، ولا سيما إذا حسبنا حساب المواجهة التي تتزايد شدتها بين المسلمين والمسيحيين.
إن تقسيمها إلى مقاطعات جغرافية متميزة ينبغي أن يكون هدفنا السياسي للتسعينات على الجبهة الغربية. وإذا ما تفككت مصر، على هذا النحو، وحرمت من سلطتها المركزية، فسوف تعرف بلدان أخرى مثل ليبيا، وبلدان أبعد، الانحلال ذاته.
إن تشكيل دولة قبطية في الصعيد وتشكيل كيانات في مناطق صغيرة قليلة الأهمية، هو مفتاح تطور تاريخي عوقه حاليا اتفاق السلام ، لكنه على المدى الطويل. وبالرغم من المظاهر، فإن الجبهة الغربية تحمل من المشكلات أقل من المشكلات التي تحملها الجبهة الشرقية. إن تجزئة لبنان إلى خمس مقاطعات يجسد مقدما ما سوف يجرى في مجموع العالم العربي. وتقسيم سورية والعراق إلى مناطق محددة على أساس المعايير العرقية أو الدينية، ينبغي أن يكون، على المدى الطويل، هدفا له الأفضلية بالنسبة إلى إسرائيل. والمرحلة الأولى هي تدمير القدرة العسكرية في هذه البلدان. إن العراق الغنى ببتروله، والذي هو نهب للنزاعات الداخلية، يقع على خط التسديد الإسرائيلي وسيكون تفكيكها مهما جدا لمصلحة إسرائيل. ()
بعد أكثر من ربع قرن على عقد اتفاقية كامب ديفيد عاد المشير عبد الغني الجمسي الذي شارك في تطبيق اتفاقية كامب ديفيد في جانبها العسكري، عاد ليحذر العرب، ويعيد ما سبق وأن قال به عبد الناصر حول أهداف إسرائيل التوسعية :” علينا نحن العرب أن ندرس الصراع العربي/الإسرائيلي منذ بدايته وحتى الآن وقد مر عليه 100 سنة، خمسين سنة منذ مؤتمر بال 1897 بعد 50 سنة أنشئوا الدولة سنة 1948، ومنذ 1948 وحتى الآن قد توسعوا وسياستهم التوسع. ونظرية الأمن الإسرائيلي خطيرة جدا جدا لأن هدفها التوسع التدريجي على حساب الدول العربية في المنطقة. هذه هي قناعتي التي توصلت إليها، بالإضافة إلي ذلك أن نظرية الأمن الإسرائيلي مبنية على العمل العسكري في كل خطواته التنفيذية. وعندما نرجع إلي أقوال وأحاديث الزعماء اليهود أو الزعماء الإسرائيليين جمعتها وأعطتني الانطباع أن الصراع العربي/الإسرائيلي لم ينتهي ولا يزال أمامنا وقت طويل بحيث أن العرب يعرفوا من هو العدو؟ وماذا يعمل؟ وماذا يهدف إليه؟ هذه سياسة الدول العربية وجامعة الدول العربية والتي يجب أن تأخذ شكلا آخر، حتى نقدر أن نؤمن أنفسنا في هذه المنطقة ضد الصهيونية العالمية التي إسرائيل جزء منها.” ()
والسؤال: كيف سيتعامل الحزب الناصري في مصر مع الصراع العربي/الإسرائيلي في ظل المتغيرات القائمة؟
يذكر د. مجدي حماد أن أهم ما سعي إليه عبد الناصر هو إحداث تغيير حقيقي في موازين القوة نتيجة..” لإدراكه أن إدارة الصراع تتطلب محاولة تغيير موازين القوة…والاستجابة للظروف المتغيرة في البيئة الدولية من ناحية أخرى. وإدراكه لخبرات الحرب في سياق الصراع العربي الإسرائيلي سواء حرب 1948، أو حرب 1956، أو حرب 1967، وكلها خبرات تدور حول محاولة حل الصراع بالقوة المسلحة.
إن الصراع مع إسرائيل يجب أن لا يغفل أو يتجاهل ثلاث حقائق حيوية:
1_ أن القضاء على الاستعمار في العالم العربي يترك إسرائيل بقواها الذاتية ومهما كانت الظروف، مهما طال المدى، فإن القوى الذاتية العربية أكبر وأقدر على الفعل.
2_ إن إعادة توجيه المصالح العربية في خدمة الحق العربي ضمانة أولى، فإن الأسطول السادس كان يتحرك ببترول عربي، وهناك قواعد عربية وضعت قسرا وبرغم إرادة الشعوب في خدمة العدوان.
3_ أن الأمر الآن اقتضى كلمة موحدة تسمع من الأمة العربية كلها.. وذلك ضمان لا بديل له في هذه الظروف.” ()
توصلت استنتاجات عبد الناصر إلي أنه حتى في حالة قبول الإسرائيليين بالحل السلمي، فإن هذا القبول سوف يكون خاضعا في النهاية إلى مقاييس وموازين ” التوازن العسكري بيننا وبين العدو وليس راجعا إلى وضوح حقوقنا أو مهارة المتفاوضين.
إن الحجج والبراهين الوحيدة ذات الفعالية في الاقتناع على مائدة المفاوضات هي قوة الجيش واستعداده للقتال. وأن مائدة المفاوضات هي في الحقيقة ميدان القتال نفسه، وأن التعنت الإسرائيلي لا يستند إلا على واقع الغزو وقوة الجيش الإسرائيلي.” ()
لهذا أصبح واضحا لإسرائيل أن تصفية المشروع الناصري يمثل الخطوة الاستراتيجية نحو تسوية تخضع لشروط المشروع الغربي/الإسرائيلي. “…باعتبار أن هذه التصفية تحقق الشرط الأساسي لعملية التسوية، وفقا لمصالح وتوجهات نظام السيطرة والاستغلال العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.” ()
هل تصلح الناصرية نهجا للتعامل مع الصراع العربي / الإسرائيلي؟
لقد أوردنا في هذا الجزء من الدراسة أبحاث وتحليلات لعدد من المفكرين العرب المهتمين بدراسة الصراع العربي/الإسرائيلي، محاولين من وراء ذلك معرفة ما إذا كان الطرح الناصري ما زال صالحا للتعامل مع الصراع العربي/الإسرائيلي في ظل المتغيرات والمستجدات المحلية/ والإقليمية/ والدولية.
تناول الباحث جميل مطر المهتم بدراسة وتحليل قضايا الصراع العربي/الإسرائيلي. يبدأ الباحث بتفسير مدلول الصراع العربي/الإسرائيلي، فالتعريف ليس صحيحا:”…فالصراع العربي / الإسرائيلي ليس صراعا قائما بين كل الدول العربية وإسرائيل بأي معيار، سواء كان هذا المعيار عسكريا/أو سياسيا/ أو اقتصاديا. فمعظم الدول العربية تقع خارج دائرة الصراع المباشر تماما.
كما أن إسرائيل ليست وحدها الطرف الثاني في الصراع…فضلا عن ذلك فإن تعبير الصراع نفسه قد لا ينطبق تماما على الحالة في الشرق الأوسط. فالصراع يعنى _ في أحد مدلولاته _ تضاربا عميقا في أهداف طرفي الصراع، بينما الواضح أن الدول العربية غير متفقة على هدف في الصراع يضعها في تناقض مع الطرف الآخر، والأقرب إلي واقع الجهد الحالي المخصص من الطرف العربي…هو تعبير ( الخلاف ) وليس الصراع…وقد وجدت مختلف أطراف الصراع مصلحة في استخدام تعبير طرف عربي في الصراع.
فالأعداء وجدوه تعبيرا يخدم صورة إسرائيل كدولة مستضعفة في مواجهة عشرين دولة عربية، ووجدوه _ وهو الأهم _ تعبيرا يمكن توظيفه لتأصيل وتعميق العداء في بلادهم ضد العرب وقوميتهم وطموحاتهم. ومعظم الدول العربية وجدت التعبير مناسبا يتناسب كرصيد شعبي لا تتحمل في سبيله تكلفة تذكر…ولكن أهم الأسباب على الإطلاق هو أن الأنظمة العربية الحاكمة تدرك أن اشتراكها الفعال والجاد في أنشطة ومجهود الطرف العربي في هذا الصراع يتطلب منها أن تتوحد _ ولا أقول تتحد _ وهذا التوحد أخطر عليها كأنظمة حكم قطرية من التهديد الموجه إليها من خلال إسرائيل.” ()
وينتقل جميل مطر في بحثه من التعريف إلي بدايات تعامل نظام ثورة 23 يوليو مع الصراع العربي/الإسرائيلي، فيشير إلى أن الثورة حاولت تفادى المواجهة المبكرة مع إسرائيل حيث “…تركزت خطة ثورة يوليو بالنسبة للمسألة الإسرائيلية على استراتيجية قوامها عملية (تثوير) المنطقة العربية والتحريك المستمر لجميع متغيرات النظام العربي ومن بينها مرونة حركة التحالفات العربية ودعم الإمكانات الأيديولوجية كالقومية والاشتراكية والإمكانات الثقافية، والتهديد المستمر للمصالح الاستعماري، وتضخيم مختلف الأرصدة السياسية العربية في العالم الثالث والكتلة الشيوعية، وإدماج الطوائف والآليات العربية في المسار القومي.

كما لم تغفل الثوابت الرئيسية وأهمها على الإطلاق العلاقة المصرية السورية، لقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحا فزادت من الإمكانات العسكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية للمنطقة، وتم خلالها جلاء القوات العسكرية الأجنبية عن معظم الدول العربية وزاد عائد النفط وانتشر فكر التخطيط والتصنيع وأمام هذه الإنجازات توقفت أو كادت تتوقف محاولات التوسع الإسرائيلي والغارات المسلحة.
ولم تخطئ ثورة يوليو في تعريف أعدائها وتحديدهم فاعتبرت الاستعمار وإسرائيل والرجعية العربية زوايا تتكامل في مثلث واحد. ولم تتوهم في أي وقت أن العدو المثلث انهزم أمام التيار القومي…ولكنها أخطأت حين تصورت أن النظم التقدمية رصيد صافى لحساب الطرف العربي في الصراع العربي الإسرائيلي…قبل انتصاف الستينات بقليل.
اجتمعت قوى العدو المثلث التي تشكل تناقضا جذريا مع ثورة يوليو على خطة تهدف إلى عزل مصر وإشعاعها الثوري والقومي. فتحركت قوى رجعية _ بعلانية غير معهودة _ لإقامة نظام إقليمي إسلامي يحاصر ثورة يوليو ويفتت النظام القومي العربي. وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية حصارا اقتصاديا على مصر، وكثفت من وجودها السياسي والعسكري، وتدفقت الأسلحة الألمانية والأمريكية إلى إسرائيل التي بدأت تعد لمعركة حاسمة ضد الثورة العربية.
وبوعي غير ناضج أو بقصد ضيق الأفق شاركت تيارات قومية أساسية في الوطن العربي بدور لا يقل خطورة، وهو المزايدة على ثورة يوليو للخروج عن استراتيجيتها الهادفة إلى الالتفاف حول إسرائيل والانتقال إلى سياسة المواجهة العسكرية المباشرة. وكان مؤتمر القمة الذي دعت إليه مصر في عام 1964 شاهدا تاريخيا على خطورة المرحلة التي مر بها الصراع العربي/الإسرائيلي.” ()
ساهمت المداخلات التي تولاها أساتذة جامعيين، ومفكرين، وكتاب متخصصين، وشخصيات سياسية تولت مناصب قيادية في التجربة الناصرية، إضافات للدراسة المقدمة من جميل مطر، فاستكملت جوانب متعددة، ساعدت في تقديم رؤية أعمق وأشمل للصراع العربي/الإسرائيلي.
د. عصام نعمان حدد أطراف الصراع بين طرف عربي وطرف غربي، فهذا أقرب إلى الصواب استنادا على البعد التاريخي ” فالصراع في المنطقة العربية سابق على الصراع العربي / الإسرائيلي فهو صراع مزمن، ومتواصل، مع قوى خارجية طامعة من جهة، والأمة العربية ممثلة بقاعدتها الحضارية ومركز ثقلها الأساسي مصر من جهة ثانية. وأن الغرض الاستراتيجي لهذه القوى الطامعة _ من عصر محمد علي وصعود الدول الأوروبية الاستعمارية إلى عصر عبد الناصر واتساع دور أمريكا كقوة إمبريالية مهيمنة _ كان ومازال بعثرة الأمة العربية بطريق الحيلولة دون قيام دولة الوحدة.
إن تعبير الصراع العربي / الإسرائيلي غير دقيق لأن قسما من الوجود العربي يشتبك فعلا مع القوى الاستعمارية الصهيونية، وقسما آخر يتعاون صراحة أو ضمنا، بينما يقف قسما ثالث في موقف الحياد والترقب. إن للكيان الصهيوني خصوصيته ومصالحه وأهدافه الخاصة به، ولكنه في التحليل الأخير، جزء عضوي من الآلة الإمبريالية، شديد الاعتماد على الغرب الأطلسي، ومنفذ أمين للاستراتيجية والتكتيك الأمريكي.” ()
ويتفق الباحث د. خيري حماد مع تحلي د. عصام نعمان حول كينونة أطراف الصراع فيرفضان التعريف الشائع لمصطلح الصراع العربي / الإسرائيلي، ويتفقان حول توصيف الصراع، بالصراع العربي / الغربي. وما جاء في بحث د. خيري حماد حول الصراع العربي / الإسرائيلي يكاد يكون موجودا بالنص في وثيقة البرنامج السياسي للحزب العربي الديمقراطي الناصري.
لقد انتقينا من بحثه نقطتين مرتبطان بطبيعة الصراع وأطراف الصراع استندت في مصادرها على “…الأعمال الكاملة لجمال عبد الناصر، حيث تتحدد طبيعة الصراع ببعدين أساسيين:
أولهما: مستمد من السياق التاريخي للأمة العربية، وينتهي إلى أن الأمة تخوض صراعا حضاريا ضد الغرب، كما تعبر عن ذلك خبرة الحروب الصليبية.
وثانيهما: مستمد من السياق المعاصر حيث تخوض الأمة صراعا أيديولوجيا ضد الغرب الرأسمالي…وهذا الإدراك ساعد عبد الناصر على ربط تحديد مستويات الصراع العربي / الإسرائيلي، وبالتالي إدراك الإطار الكلى للصراع على الرغم من أن إسرائيل هي الطرف المباشر في ذلك الصراع…ومعنى ذلك أن قيام إسرائيل لم يغير من الطبيعة الأساسية للصراع، وإنما أضاف طرفا جديدا في ذلك الصراع…ويبقى الصراع في إدراك عبد الناصر صراعا عربيا / غربيا.
وإن كان من الضروري هنا أن نشير إلى أن عبد الناصر لم يكن يتخذ موقفا معاديا للغرب من حيث هو، وإنما كان يناصب العداء لظاهرة محددة في الغرب هي ظاهرة الاستعمار. وحول أطراف الصراع، عمد عبد الناصر إلى تحديد أطراف الصراع عن طريق تقييم موازين القوي، وبالتالي أولويات المواجهة وأساليبها المتنوعة.
أولا:” أننا لا نواجه معركة عادية…معركتنا معركة شاملة وغير محدودة…وذلك يقتضي تحليلا دقيقا لقوى العدوان وكشف أطرافها، وتعرية ارتباطاتها. وذلك فضلا عن أنه يسهل عملية ضربها وهزيمتها، يعزز قوى الثورة دائما باحتياطات من قوى الجماهير التي سوف يتاح لها أكثر أن ترى الضوء وأن تسير في اتجاهه”.
ثانيا: إن المعركة متشعبة ومتعددة الجبهات…العدو الأساسي للأمة العربية هو التحالف الذي يمثل الاستعمار في القلب والرجعية العربية على يمينه والعنصرية الإسرائيلية على يساره.
ثالثا: لقد وضعنا جميع أهداف المعركة العربية السياسية والاجتماعية والوحدوية في خط واحد. ومعنى ذلك في نفس الوقت أننا وضعنا جميع أعداء هذه المعركة في الخط المقابل…معنى ذلك أن القوى الواقفة على الجانب الآخر المعادي…تعرف أنها تخوض معركة حاسمة إذا خسرت هذه المعركة خسرت كل المواقع، وإذا كسبت هذه المعركة كسبت كل المواقع.” ()
ويفسر د. محمد أحمد خلف الله، على أن المقصود من تسمية مصطلح الصراع بالعربي مقابل مصطلح الإسرائيلي ليست الأنظمة العربية، وإنما المقصود بلفظ عربي القوى الشعبية العربية لذا ” فإن الصراع الشعبي مع إسرائيل هو الصراع الأساسي، هو الذي بدء أولا، ثم هو الصراع الذي لا يزال مستمرا إلى الآن.” ()
معن بشور تناول الصراع العربي / الإسرائيلي من زاوية آثاره التدميرية على مستقبل الشعب العربي، فخطر الصراع وآثاره السلبية ليست قاصرة على الشعب الفلسطيني ولكن سوف تطول كل الشعوب العربية حتى تلك التي لا تدخل أنظمتها طرفا في الصراع. من هنا تأتى شمولية الصراع”…ففلسطين، وهى ميدان الصراع العربي مع الصهيونية والإمبريالية هي قضية داخلية مصرية، مثلما هي قضية داخلية لكل قطر عربي مهما كان بعيدا عن ساحة المواجهة.
لأن إسرائيل، بصفتها التجسيد المكثف للاستراتيجية الاستعمارية الصهيونية…تقوم على ضرب وحدة كل بلد عربي، واستقلاله السياسي، والاقتصادي وتماسكه الاجتماعي، ولعل ما جرى في لبنان بعد الخروج الفلسطيني أكبر دليل على أن الهدف الإسرائيلي لم يكن ضرب الفلسطينيين فقط وإنما تمزيق لبنان نفسه تمهيدا لتمزيق المنطقة.
وإذا كانت الاستراتيجية الاستعمارية _ الصهيونية عبر التاريخ، وفى العصر الحاضر تقوم على ركيزتين هما عزل مصر عن المشرق العربي، وتفتيت المشرق العربي وإغراقه بحرب أهلية لا نهاية لها، فإن هذه الاستراتيجية تقوم كذلك على عزل مصر عن نفسها، وعن دورها، وعن تراثها الوطني والقومي، وعن إمكانية جدية لتحررها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ويحذر معن بشور من خطر التعامل مع القضية الفلسطينية، بنظرة إقليمية فقط أو بنظرة قومية أحادية فالقضية الفلسطينية كانت دائما مهددة بخطرين في آن واحد: خطر يختبئ وراء التسليم الظاهري بشرعية ووحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني فيبدأ بالتنصل من أي التزام جدي بالقضية تحت شعار ترك الفلسطينيين يقررون ما يشاءون، فيترك الفلسطينيين وحيدين يواجهون أقدارهم الصعبة.
…فيضطرون لتقديم تنازلات في ظل موازيين قوى غير متكافئة لتصبح هذه التنازلات قواعد ثابتة في السياسة العربية، وليظهر الفلسطينيون وكأنهم هم الذين فرطوا في قضيتهم وحقوقهم…والخطر الآخر هو الذي حاول ويحاول عبر التمسك الشكلي بقومية القضية الفلسطينية أن يصادر حرية الإرادة الفلسطينية وينصب نفسه وصيا عليها ثم يعمد إلى المساومة عليها في سوق اللعبة الدولية. ()
يتعرض د. محمد أبو العلا إلى قضية ( الهوية ) التي لم تحسم حتى الآن، وهى تحديد من نحن، من هو العدو، ومن هو الصديق؟ “…مع أن العالم بما فيه من أعداء لنا وأصدقاء يعرف من نحن، ويتعامل معنا على أننا أمة واحدة ويعد خططه على هذا الأساس…ونحن حين نتحدث عن الصراع العربي / الصهيوني في الأدبيات الناصرية فإننا نعنى بتلك التسمية أمرين:
الأول: أن الطرف العربي يعنى كل الشعب العربي ولا ينصب ذلك على الكيانات الإقليمية.
الثاني: أننا نستبعد من مسمياتنا الأدبية عن عمد مسمى دولة الكيان الصهيوني لأننا وبكل وضوح لا نرى بديلا لحسم هذا الصراع سوى إزالتها من خريطة المنطقة وأننا أيضا نعرف الصهيونية كأحد أشكال الاستعمار الذي يصارع شعبنا العربي منذ 1256 بمسميات تعددت وتنوعت بدءا من الحملات الصليبية ومرورا بالاستعمار الأوروبي وانتهاء بالإمبريالية الأمريكية والصهيونية.” ()
فؤاد زيدان يشير إلي أن “…رؤية ثورة يوليو للصراع العربي / الإسرائيلي كانت واضحة منذ البداية وخاصة لدى عبد الناصر، وهى تنطلق من نظرة حضارية شاملة لتصل إلى أنه صراع وجود، وصراع نقيضين على أرض واحدة كما شرح في فلسفة الثورة، وبالتالي فلا إمكانية للتعايش والتصالح بين الغاصب وصاحب الحق المطرود والمضطهد أو المهدد، ولا مكان في النهاية على هذه الأرض إلا لأحد النقيضين العروبة أو الصهيونية.
أما في المجال التطبيقي العملي، انصب اهتمام الثورة بعد نجاحها مباشرة على تحقيق جلاء البريطانيين، وبناء الجيش القومي، والتركيز على عملية التنمية، والتفاعل مع الجماهير العربية ومساعدتها على التحرر والوحدة. وتلك خطوات لم تكن ضرورية فقط لتحقيق استقلال الإرادة، وإنما هي أيضا شروط لازمة لبلورة قوة عربية قادرة على مواجهة الصهيونية والقوى الاستعمارية.
…لهذا لم يكن غريبا على بن جوريون أخطر زعماء الكيان الصهيوني من إدراك حقيقة التوجه الاستراتيجي لثورة يوليو في السنة الثانية والثالثة من عمرها، ففي السنة التي خفضت فيها الثورة ميزانية الجيش وزادت من ميزانية التنمية قال بن جوريون “عبد الناصر هو الخطر الأكبر على وجود إسرائيل” وظل هذا الاقتناع ثابتا لدى الزعماء الصهاينة حتى رحل الزعيم العربي.” ()
المفكر الفلسطيني د. أحمد صدقي الدجاني ينبه إلى أن ماهية الصراع “…كما فرضته الصهيونية العنصرية علينا صراع وجود. وهو صراع عربي / صهيوني. والطرف الصهيوني فيه متلاحم مع الاستعمار الغربي. ولابد أن تحكم الفكرة تحركاتنا. وهذا يعنى أن يخضع تعاملنا السياسي اليومي مع الأحداث لهذه الفكرة.” ()
ويضيف د. على خليفة الكواري بعدا يؤثر على عناصر التعريف التقليدي للصراع:
” فاستراتيجية أمريكا وإسرائيل في الوقت الحاضر هي استراتيجية القضاء نهائيا على الهوية العربية لمجتمعات الوطن العربي. ومن تحويل هذه المجتمعات إلى أمم شرق أوسطية متعادية فيما بينها أكثر من عداء كل منها للكيان الصهيوني. وفى اعتقادي أنه ليس هناك أي تفسير لإدامة الحرب الأهلية في لبنان واستمرار حرب الخليج ونشر النزعات المعادية للانتماء العربي وتعميق أثرها سوى تعميق الأسباب التي يتم بموجبها التقويم وولادة الهاويات الشرق أوسطية الجديدة.” ()
فإذا كان الهدف من تحويل العرب إلي مجتمعات شرق أوسطية يعني إلغاء الصراع أصلا، فهذا غير حقيقي، فالصراع موجود طالما أن التناقض بين المصالح قائم، والصراع مستمر حتى وإن لم يدركه أو يستوعبه الوعي كما يذهب د. أحمد يوسف أحمد”…فإن بعض محللين الصراع لا يشترطون ضرورة وعى أطرافه جميعا بهذا التعارض ومن ثم يكون الصراع موجودا على المستوى الموضوعي وان لم يوجد على المستوى الذاتي. فليس معنى أن كل العمال لا يشاركون في الصراع ضد الرأسماليين أن نقول أن الصراع الطبقي بين العمال والرأسماليين غير موجود حتى ولو خان بعض العمال طبقتهم.
وإذا أخذنا بهذه الأفكار أمكننا أن نقول أن الصراع عربي / إسرائيلي بهذا المعنى، أي بمعنى أن المشروع الصهيوني أيديولوجيا وحركيا يمثل خطرا موضوعيا على كافة الأقطار العربية إن لم يكن بمنطق السيطرة الإقليمية، فعلى الأقل بمنطق الهيمنة السياسية والاقتصادية حتى ولو لم يكن حكام بعض أو حتى معظم الأقطار العربية يدركون هذا الأمر، ومن ثم لا يتصرفون على هذا الأساس.
وقد حذر د. أحمد يوسف أحمد من الأبعاد الخفية المتسترة وراء مقولة أنه قد جرت محاولات بين ثور يوليو وإسرائيل لحل الصراع القائم..”…عن محاولات سلام مصرية / إسرائيلية في الخمسينات إلى ما قيل عن الستينات وبعد هزيمة 1967، فالمتابع للشهادات التي قدمت بهذا الخصوص على أنها وثائق لا تقبل الجدل، يعلم أهمية هذا الموضوع، وكيف أنه لم يراد به فقط أن يكون جزءا من الحملة على ثورة يوليو وإنما يكون أيضا جسرا تمر عليه محاولات فرض السلام الإمبريالي الإسرائيلي.
الأمر الثاني هو دعم القيادة المصرية لحركة الفدائيين التي اتخذت الحدود المصرية / الإسرائيلية ومن قطاع غزة نقطة انطلاقها في نهاية النصف الأول من الخمسينات، إن إلقاء الضوء على هذه النقطة من شأنه استجلاء الأمور على سياسة الصراع العربي / الإسرائيلي في هذه الفترة الهامة

.” ()
يتفق أحمد بهاء الدين مع رؤية د. أحمد يوسف حول استخدام الهزيمة العسكرية عام 1967 وتحويلها إلي هزيمة تاريخية ونهائية للنظام الناصري :” فبعد هزيمة 1967 نشطت المخابرات الأمريكية والمخابرات الإسرائيلية، وبعض المخابرات العربية، وجهات سياسية كثيرة ذاقت مرارة الهزيمة تلو الهزيمة على يد جمال عبد الناصر من 1956 حتى سنة 1967. وتحركت كل تلك الأجهزة التي طالما أصدرت الصحف وطبعت الكتب وأقامت الإذاعات طوال اثني عشر عاما مجندة أحيانا أكبر الأقلام والأسماء، ودافعة الأموال والرشاوى لرؤساء دول ورؤساء وزارات، للنيل من جمال عبد الناصر دون جدوى.
تحركت تلك الجهات ودبت فيها الروح بعد أن أصبح الأسد جريحا ومصر ملقاة على الأرض، وتفتحت خياشيمها لرائحة الدم، وأغرقت الأسواق العربية بمئات الكتب والصحف التي تحاول أن تجعل الهزيمة ضربة قاتلة نهائية، ولا تترك من آثار ثورة 23 يوليو إلا وتحاول تجريحه، ولا تترك وسيلة لإثبات عدم جدارة الإنسان المصري التي طافت بمخيلته زمنا إلا وحاولت تدميرها. كتب تغمر السوق بغير مؤلف واضح ولا ناشر معروف…كلها طبعت في مطابخ المخابرات الدولية والعربية.” ()
لقد اشتركت عددا من المطبوعات المصرية التابعة للنظام، ومجلة المجلة ( السعودية التمويل ) علي ترويج فكرة اتصالات مصر تحت حكم ناصر بإسرائيل، من خلال نشر مقتطفات من كتب لمؤلفين غربيين، أو لشخصيات غير معروفة للرأي العام العربي.. تبغي الشهرة على حساب الحقيقة، خصوصا إذا كان الحديث عن عبد الناصر، مثل القول بأن عبد الناصر كان يتبادل الخطابات السرية مع رئيس وزراء إسرائيل السابق بن جوريون، ورئيس الوزراء السابق موشي شاريت. وأتضح أنها كلها قصص ليس لها أساس من الصحة. ()
في الوقت الذي كانت فيه المطبوعات المعادية للناصرية تروج لاتصالات بين عبد الناصر وإسرائيل، وكلها أخبار ملفقة، ظهر أخير أن المملكة العربية السعودية كانت على اتصال غير مباشر ومباشر بشكل ما بإسرائيل. “…فخلال مفاوضات الإعداد لاتفاقية ال ( تابلاين ) كانت الشركات الأمريكية تقوم بنقل رسائل وترتيب اجتماعات…وأكثر من ذلك فإن مدير التخطيط في وزارة الخارجية الإسرائيلية “شيلواح” حضر اجتماعا في جدة مع الأمير فيصل وزير الخارجية، وكان حضور “شيلواح” الاجتماع ضمن وفد بترولي أمريكي. ولم يكن هناك من يدقق في الهويات.” ()
كذلك لم يتورع النظام السعودي في إشراك إسرائيل بدور في حرب اليمن، رفض القيام به شاه إيران، وهو دور توصيل العتاد للقوات الملكية اليمنية. ()
رؤية الجيل الجديد من الشباب الناصري حول الصراع :
حمدين صباحي وهو واحد من أبناء هذا الجيل يأخذ بما قاله عبد الناصر حول توصيف الصراع وتحديد أطرافه. “…فهو تحديد قاطع وجامع وهو كما ذكره عبد الناصر الاستعمار بقيادة أمريكا في القلب والعنصرية الصهيونية على يساره والرجعية العربية على يمينه. وفى إطار هذا الفهم عندما يستخدم مصطلح صراع عربي / صهيوني وهو مصطلح صحيح فإن ذلك لا ينفى العلاقة بين الصهيونية وبين الطرفين الآخرين في ثالوث العدو. ثم تطرق إلى الإشارة حول اتصالات ثورة يوليو بإسرائيل :”…حول الاتصالات بين ثورة يوليو والعدو الصهيوني فقد أعطى جميل مطر انطباعا بأن الثورة حاولت حل الصراع عن طريق اتصالات بالعدو. وهذا الكلام معيب موضوعيا لأنه حديث مرسل لم يقم عليه دليل ولم تقدم بشأنه أية شهادة جازمة. وقد راج مثل هذا الحديث في بعض أجهزة الأعلام التي حاولت أن تلصق بعبد الناصر ما هو تبرير لخطيئة السادات التي أرتكبها بالتصالح مع العدو الصهيوني.
الصراع لا يمكن حله إلا بانتقاء أحد طرفيه. وهو صراع على الوجود لا على الحدود. وطبيعة الصراع تمليها طبيعة العدو، باعتباره استعمارا استيطانيا توسعيا عدوانيا عنصريا أغتصب بالقوة أرضا عربية لا يصح ولا يحق التنازل عنها بأي حال.
من هنا رفع عبد الناصر شعار أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، ومفهوم القوة ناصريا لا يعنى القوة العسكرية، وإنما مجموعة القدرات العربية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية عامة، ولهذا قال عبد الناصر أن الأمة العربية لو تجاوزت حاجز التخلف فإن العدو سيكون مكرها على التسليم. وقد ارتبط هذا الفهم الناصري الاستراتيجي للصراع بموقف تكتيكي ناصري بالغ الحزم والحسم عبر عنه شعار ” لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، لا تفريط في الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني “…هذه هي الرؤية الملزمة للحركة الشعبية الناصرية الآن ومستقبلا، وعلى أرضيتها ترفض كافة ما تم وما سيتم من أشكال السعي للتسوية السلمية مع العدو. وفى إطارها نناضل ضد التطبيع داخل مصر، وضد استمرار خط وسياسات وبنود كامب ديفيد ومحاولات مدها عربيا.” ()
وتحسم الشهادة التاريخية لعلي صبري قضية اتصال ثورة يوليو بإسرائيل، فينفي أن يكون:” هناك موضوع يجب تناوله وهو موضوع الاتصالات في أوائل الخمسينات وما قيل إنها مفاوضات بين الثورة وإسرائيل ووساطة أمريكا فحديثي سيكون شاهدا على وقائع فلا توجد وثائق وإلا لأظهرتها إسرائيل تبريرا لموقف السادات من الذهاب إلى القدس…المهم أنه لم تحدث محادثات إنما كان هناك طرح من المخابرات الأمريكية لعقد اتفاق مع إسرائيل لكنه رفض ولذلك فأنا أقولها كشاهد.” ()
الناصريون ليسوا الطرف الوحيد الرافض للوجود الإسرائيلي:
موقف الجماعات الدينية مسلمين ومسيحيين من الوجود الإسرائيلي:
من غير الصواب أن نحصر حالة الرفض والعداء لإسرائيل في إطار التيار الناصري فحسب. فهو ليس التيار السياسي الوحيد المتشدد في رفضه للتسوية التي بدأت بكامب ديفيد مرورا بمدريد وصولا إلي أوسلو. فالصحيح أن هناك تيارات سياسية ودينية تشارك التيار الناصري رفضه للوجود الإسرائيلي، من بينها التيار الديني، بشقيه الإسلامي والمسيحي.
أرتبط الخطاب السياسي للتيار الإسلامي بمفردات القرآن، والأحاديث النبوية الشريفة في رفضه للوجود الإسرائيلي..”…فتبني الخطاب السياسي لجماعة الإخوان المسلمون بخص

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *