الرئيسية / حوارات ناصرية / جمال عبد الناصر / يوليو.. حوارات نادرة مع الزعيم عبد الناصر

يوليو.. حوارات نادرة مع الزعيم عبد الناصر

13-7-2018 | 15:18

مصطفى عبادة
ستة وستون عاما، كأنها طرفة عين، فى عمر الأمم والحضارات، لكنها، مع ذلك، شهدت تطورات صعودا وهبوطا، فى مسيرة الدولة المصرية، التحاما جماهيريا، وتصنيعا، حروبا مع أعداء ظاهرين، وأعداء كامنين كالفطر السام فى جسد الأمة، حروبا خارجية لتثبيت دعائم الأمن القومى المصرى والعربى، ستة وستون عاما، مرت على ثورة يوليو، سينقضى الزمن، وتتوالى الحقب، وتظل 23 يوليو حجرا صلبا، غيرت أمة من حال إلى حال، سارت بها فى سياق مستقبلى، قبل أن تعترضه عقبات ومؤامرات، وكانت يوليو تنتصر لسياقها، مرة بالتنمية ومرة بالحرب، وأخرى بالدبلوماسية، ورابعة بالكمُون، ظل هذا الحجر الصلب، معلما يدور حوله كل شىء، ولم تكن يوليو ضربة حظ، أو حدثا خبط عشواء فى مسيرة المصريين، كانت ابنة طبيعته، لنضال أحمد عرابى، ومحمد فريد، ثم سعد زغلول، ودستور 1923، وليبرالية أحمد لطفى السيد، ومتوسطية طه حسين، ونضال عباس محمود العقاد، ابنة طبيعية لشعر شوقى وحافظ إبراهيم، وتشرّد عبدالحميد الديب، وميلودراما حركة الطلبة والعمال، وروايات نجيب محفوظ، بداية ونهاية، وخان الخليلى، والسراب، هذه الأنهار الصغيرة، تجمعت لتصنع لحظة تاريخية، هى لحظة 23 يوليو 1952، لحظة الإصلاح الزراعى، والتعليم المجانى، وتكافؤ الفرص، لحظة مصانع الحديد والصلب، فى حلوان، ومصانع النسيج فى المحلة الكبرى، وشبرا الخيمة، وكفر الدوار، ومصانع الألومنيوم فى نجع حمادى، وقصب السكر، لحظة التنمية الذاتية، والاعتماد على النفس: لحظة المجد.
2
إذا ذكرت يوليو، ذكر عبد الناصر، وعبد الناصر يعنى الحسم والقوة، يعنى عدم التردد، يعنى الذهاب إلى الهدف مباشرة ومن أقصر الطرق، يعنى عدم المساومة فى الوطنية، أو الخضوع لمقتضيات اللحظة وتوازنات القوى، ولأن البدايات دائما تنبئ عن النهايات، تأملنا الحوارات الأولى فى حياة جمال عبد الناصر، وهى حوارات تكشف عن طبيعة الرجل، ودلائل موقفه، إقدامه ووضوحه، فالحوار الأول مع جمال تم وهو – بعد – بكباشى، بتاريخ 18 يونيو 1953، وكان ممدوح طه المحرر فى الأهرام، هو من يجرى الحوارات فى البداية مع ناصر، فى هذا الحوار الأول تظهر شخصية جمال كما تشكلت فيما بعد حينما أصبح رئيسا، وقت إجراء هذا الحوار كان البكباشى جمال، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة.
يقول ممدوح طه فى مقدمته لهذا الحوار عن شخصية جمال عبد الناصر: كشفت تصريحاته الحاسمة عن مبلغ إيمانه ومدى تصميمه على طرد المستعمر المحتل من أرض مصر، وأوضحت هذه الخطب والتصريحات عن رأيه فى أقصر الطرق التى يؤمن بها للنهوض بهذه الأمة ومعالجة مشاكلها المتعددة المزمنة، وعبد الناصر فى هذا الحوار يقول بحسم: الجمهورية آتية لا ريب فيها، فهذا ما أجمع عليه الشعب، وما قررته لجنة الدستور التى تمثل مختلف هيئات الشعب وطوائفه. ويقول: لا مانع من تعدد الأحزاب، ما دامت تستهدف خدمة الوطن، ومن أعجب التصريحات فى هذا الحوار الذى أدلى بها البكباشى جمال، كان حول أعداد المعتقلين، ولاحظ أن هذا الحوار تم بعد مرور عام على الثورة، يعنى هناك ثورة شعبية كبيرة قامت، متضامنة مع الجيش وتخيل أن عدد المعتقلين كما يقول ناصر: المعتقلون الآن 255 شخصا، بينهم 3 حزبيين، والباقون يعملون لصالح دولة أجنبية أو يدعون للفوضى.
لم يمر شهران على هذا الحوار، حتى أجرى ممدوح طه نفسه حوارا مع جمال عبد الناصر بتاريخ 23 أغسطس 1953، وحمل الحوار الجديد مفاجأة لم يلتفت إليها أحد ولا ذكرها مؤرخو الثورة، خصوصا على صعيد حرب العدوان الثلاثى على مصر، بعد ثلاث سنوات من إجراء الحوار، والتصريح الذى قاله عبد الناصر فى هذا الحوار يفسر لماذا تم العدوان الثلاثى، حين قال ناصر: لن نرتبط بما يمس استقلالنا وسنستخلص حقنا كاملا قبل 1956. حدد عبد الناصر فى هذا التصريح تاريخا محددا للاستقلال التام، مما جعل العدو يستعد ويجهز نفسه لضرب حركة التطور المصرية، والسبب الظاهر والمباشر كان تأميم القناة، مع أن تأميم القناة، كان جزءا فقط من خطة ثورة يوليو، وعبد الناصر للسعى إلى هذا الاستقلال الكامل.
3
تولى إجراء الحوارات مع عبد الناصر، بعد ذلك، زكى سلامة، نائب مدير وكالة «اليونايتد برس» فى الشرق الأوسط، قبل أن يظهر هيكل فى الأهرام، ويقصى الجميع، ويستحوذ هو على إجراء الحوارات مع الرئيس جمال عبد الناصر، ويصبح بعد ذلك هو صديقه الصدوق، وشريكه فى التجربة كلها، أظهر حوار عبد الناصر مع زكى سلامة، القدرة على المناورة التى يتمتع بها ناصر، حينما يكون الحوار موجها إلى الخارج، حيث يقول: الاتفاق المصرى- الإنجليزى سيزيل عقبة رئيسية فى تحسين علاقات العرب بالغرب، ويقول: مخاوف إسرائيل مفتعلة بقصد الحصول على المزيد من الأموال الأمريكية. وبهذا التصريح يحاول عبد الناصر دق إسفين بين إسرائيل وأمريكا، بل يخطو خطوة أكبر وأعمق فى تهدئة الجبهة الغربية، الناقمة على استقلال مصر، حين يعرض بالشيوعية فيقول: إن الصهيونيين، يخدمون الشيوعيين، إذ يحاولون إثارة الاضطرابات، ومع تحسين العلاقات بين العرب والغرب، وفى التفاصيل يشرح عبد الناصر: فقد عقد الشيوعيون والصهيونيون عزمهم على تعطيل التسوية السلمية، ذلك لأن نشوء اضطرابات فى العالم العربى لا يخدم إلا العناصر الهدامة، وهذه الرغبة فى خلق القلاقل والاضطرابات فى العالم العربى، لتؤيد ما ذكرته من قبل من أن الصهيونيين يخدمون الشيوعيين فى محاولاتهم إحداث القلاقل، واعتراض طريق تحسين العلاقات بين الغرب والدول العربية.
4
اتخذت الحوارات، مع ظهور هيكل، طابعا جديدا ومختلفا، وصارت أقرب إلى حلقة نقاشية بين مفكرين، حتى إن الحوار الأول لهيكل مع عبد الناصر كان ناصر هو البادئ بالسؤال، حيث بادر ناصَرَ هيكل قائلا: قبل أن أجيب على أسئلتك (هكذا والصحيح: عن أسئلتك) دعنى أولا أسألك: ما هو الأساس الذى يستند إليه الحكم بفشل السياسة الأمريكية؟ ويجيب هيكل – حيث يبدو الأمر، على عكس طبيعة الحوار الصحفى، أو صحفى يحاور رئيسا – إن رأيى أن السياسة الأمريكية سائرة فى تحقيق الغرض الذى تهدف إليه، بل ربما كان خير ما يتمناه واضعو هذه السياسة أن يتصور الناس، هنا فى الشرق العربى، أن السياسة الأمريكية فاشلة، وأنها عاجزة عن تحقيق أى غرض، لكن ذلك بعيد عن الحقيقة.
ويستمر الحوار بهذه الطريقة، فلا تعرف من الصحفى، ومن الرئيس، ويزداد الأمر صعوبة، مع طريقة الإخراج الصحفى القديمة، فلا نستطيع التفريق بين آراء هيكل وتنظيراته، وتصريحات الرئيس، الطريف أن المانشيت الرئيسى لهذا الحوار يقول: الرئيس يتحدث إلى الأهرام، وهى إشارة كاشفة، عن أن الأهرام هو هيكل، وهيكل هو الأهرام، لكن الأكثر طرافة وإيلاما، فى هذا الحوار نفسه، أنه تركز كاملا على الأزمة السورية – الأمريكية، حيث تقول تصريحات عبد الناصر صراحة: جمال عبد الناصر يكشف السياسة الأمريكية تجاه سوريا، والسياسة الأمريكية ليست «شلة» وليست «ساذجة»، وإننى أعرف الحرب الموجهة إلى سوريا، فقد وجهت إلىّ من قبل. وكأن هذا الحوار يجرى الآن، وكأن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة لم تتغير، حتى وإن تغيرت كل النظم والسياسات فى العالم العربى، فالسياسة الأمريكية ثابتة وما عداها هو المتغير.
لا يمكنك أن تغادر، حوار هيكل مع عبد الناصر، دون أن يلفت نظرك فهم عبد الناصر العميق للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وفهم دوافعها فى تصرفها بهذا الشكل الدائم والثابت، تجاه القضايا العربية، وهو تصرف يتسم بالانحياز لإسرائيل، والتعصب المقيت أحيانا، أمريكا تتصرف بغل واضح كثيرا، ومخفى قليلا، يقول عبد الناصر، شارحا حقيقة الموقف الأمريكى تجاه سوريا:
«إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها من إمكانيات العلم بحقائق الأوضاع فى سوريا، وفى غير سوريا، ما يسمح لها بأن تعرف كل الحقائق، وكل التفاصيل، ولقد قابلت بنفسى من المسئولين الأمريكيين، من يعرف زعماء سوريا جميعا، ومن التقى بهم واحدا واحدا، وتحدث إليهم بلغتهم الأصلية – العربية – وعاش فى بلادهم، يدرس ويراقب عن كثب، وليس معقولا أن يصل فى الحكم إلى مثل هذه الدرجة التى توحى بها تصرفات السياسة الأمريكية».
– أذكرك بأن هذا التحليل، يتعلق بالتقارب السورى – السوفيتى، ورد الفعل الأمريكى عليه.
حيث يضيف عبد الناصر: إذن هل يمكن أن يعزى الأمر، فى نهاية اليأس من العثور على حل يستقيم مع المنطق السليم، إلى حد أن ننسبه إلى السذاجة أو إلى العصبية الأمريكية التقليدية فى كل ما يتصل عن قرب أو بعد إلى الشيوعية؟
والجواب على هذا بالنفى قطعا، فإن الموقف لا يحتمل السذاجة، ولا يحتمل العصبية، وإذن لا يتبقى إلا أن تكون المسألة خطة مرسومة، مدروسة تنفذ تفصيلا بعد تفصيل، وبخطوات تعرف مواقع أقدامها.. إذا وصلت بنا السلسلة المنطقية إلى هذا الحد، فما النتيجة التى يمكن لهذا كله أن يقودنا إليها؟
– إنه يقودنا مرة أخرى إلى مشكلة المشاكل فى الشرق العربى وهى مشكلة إسرائيل.
5
السؤال المنطقى هنا: هل كان عبد الناصر يكره الصحافة الأمريكية؟
– الإجابة دون تردد: نعم. فكثيرا ما صرح فى حواراته بأن الصحفيين الأمريكيين يحرفون كلامه، لخدمة مصالح بلادهم، وبالمنطق أيضا هل الصحفى يأتى إلى الحوار، أو الموضوع، دون انحياز مسبق؟ الإجابة: لا. لأن اختيار القضية التى يسأل فيها، أو اختيار الموضوع الذى يعالجه، انحياز فى حد ذاته.
كشفت هذه الحوارات أيضا، أن الصحافة الفرنسية، كانت الأكثر اهتماما بلقاء الرئيس عبد الناصر، وذلك قبل عام 1967، وفرنسا إحدى الدول المشاركة فى عدوان 1956، ويهمها معرفة موقف القائد منها ومن بلادها، لكن بعد عام 1967، كانت الصحافة الأمريكية هى الأكثر اهتماما بالحوار مع الرئيس عبد الناصر، وكانت مجلة «نيوزويك» وصحيفة النيويورك تايمز، ومجلة التايم، حتى إن ناصر ظهر على غلاف التايم خمس مرات، لكن هذه الملاحظة ليست مطلقة، فهناك مجلة «ذى يونيتد ستيتس نيوز آند ورلد ريبورت»، قد أجرت حديثا مع عبد الناصر فى 31 أغسطس 1954، حينما كان رئيسا لوزراء مصر، وعلى الطريقة الأمريكية ركز الحوار على: إسرائيل والشيوعية، والصين الشيوعية، وحياد الهند، وبرنامج النقطة الرابعة، وكأن أمريكا كانت تشتم بوادر ميول اشتراكية لدى عبد الناصر. الغريب أن ناصر قال فى هذا الحوار: «إن الشيوعيين فى مصر أقلية ضعيفة»، وعن برنامج النقطة الرابعة، رأى عبد الناصر: وقد حاول الشيوعيون أن يقنعوا أكثرية الشعب المصرى أن برنامج النقطة الرابعة الأمريكى ليس إلا عملا استعماريا، وذلك قبل أن يتحول عبد الناصر إلى التحالف مع الشيوعيين، ثم لينقض عليهم بعد ذلك، وبوادر تلك المواقف الناصرية من الشيوعية والشيوعيين ظاهرة وجلية فى حواراته الأولى، الأمر المثير أن حوار عبد الناصر مع الصحافة السوفيتية تأخر حتى عام 1956، ولم يكن مع صحفى محدد، بل مع وفد من الصحفيين السوفيت، وذلك بعد العدوان الثلاثى على مصر. على أن حوارات عبد الناصر مع الصحفيين الآسيويين كانت تتسم بالحميمية والدفء، حتى إن الصحفى الهندى «كارانجيا»، حضر للحوار ومعه زوجته التى قدمت الورد إلى جمال عبد الناصر، وكان حوار كارنجيا هو آخر حوارات عبد الناصر مع الصحافة الخارجية، حيث مات بعدها فى 28 سبتمبر 1970، وبعد عام 67 كانت أكثرية حوارات عبد ا لناصر مع الغرب، وتركزت مع الإذاعات والمحطات التليفزيونية.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *