الرئيسية / مـقالات / الاستقلال والمقاومة أو التبعية والفناء

الاستقلال والمقاومة أو التبعية والفناء

إحراق-العلم-الاسرائيلي-في-القاهرة-620x330

كريمة الروبي

لا جدال أن ما نعاني منه الآن هو نتاج خيار مصر في الانعزال عن محيطها العربي وتبني سياسة النأي بالنفس، وقد توهم الساداتيون بأن مصر تملك خيار الابتعاد عن دورها الإقليمي، وهذا نتاج عدم إدراكهم لمكانة هذا البلد، وعدم فهمهم جغرافيا وتاريخ هذا الوطن العريق.. وهذا الوهم الذي يرقى لحد المؤامرة، أثبتت التجربة بأنه مستحيل على المستوى العملي.

فحين تخلت مصر عن قيادتها للأمة العربية وتركت الساحة خالية لأطراف أخرى للعب أدواراً إقليمية، كان الخليج حاضراً بنفطه وثرائه والقوة التي اكتسبها من عمالته للاستعمار، فأفرز ما آلت إليه الأوضاع في جميع الأقطار العربية، فما لم نكن نتخيل حدوثه منذ عقد مضى أصبح ممكناً ويتم تمريره ولا يهتم به سوى القلة من القابضين على جمر النضال والعروبة، فمن منا قد تخيل في يوم من الأيام أن تنقل الوليات المتحدة سفارتها من “تل أبيب” للقدس دون أن يقابل هذا القرار برفض عارم وتحطيم لكل سفارات أمريكا في الأقطار العربية ونشاط غير مسبوق من النخبة وعمليات مقاومة كبرى تعيد إلى ذاكرتنا عمليات اختطاف الطائرات والحافلات الصهيونية وإيلام العدو في كل مكان!.

لا شك أن توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد وخروجها من الصراع العربي الصهيوني واستغراقها في مشاكلها الداخلية التي هي نتيجة مباشرة للتبعية للبيت الأبيض، وكذلك خلو الساحة لوكلاء الاستعمار القابعين في الخليج، قد حدّ من تسليح المقاومة الفلسطينية من ناحية، ودفع بعضها للتبعية لممالك النفط اللاهثة وراء الرضا الأمريكي من ناحية أخرى، مما أفرز مقاومة منزوعة الأنياب، وأصبح الشعب يناضل بالحجارة والسكين ويخرج بالآلاف في مسيرة العودة دونما سلاح يوجهه في صدر العدو، فاكتفى بأن تكون مسيرته هي أقصى ما بإمكانه للتأكيد على الحق الذي تأبى الأجيال الجديدة نسيانه فيبذلون الدم من أجل -فقط- التذكير بهذا الحق. كما كان لسقوطنا في وحل التطبيع أكبر الأثر في خسارة دعم الدول الصديقة للقضية الفلسطينية.

لم تكن قضية نقل السفارة هي البداية بل هي مجرد مؤشر على ما وصل إليه الحال فنضالنا ليس من أجل القدس فقط بل فلسطين من النهر للبحر، وقد وصل الفجور للحد الذي جعل عضو الكونغرس الأمريكي رون ديسنتس يتقدم بمشروع قانون يطالب فيه بالاعتراف بالجولان السوري المحتل كجزء من “إسرائيل” وهو ما لم يحرك ساكنأ لدى الأصنام التي تحكمنا، ولا شك لدي بأن الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية لن يسمحا بذلك وسيقاومان بمفردهما مدعومين من بعض الحركات والتنظيمات الشعبية التي تساندهما حالياً في القضاء على المؤامرة التي خطط لها التحالف الصهيوخليجي على سورية، ولكن طرح هذا الأمر هو تأكيد على أن الوضع بات كارثياً وأن وجودنا أصبح على المحك.

عندما أرادوا إقناعنا بوهم السلام مع العدو الصهيوني، طالبونا بأن نكون واقعيين وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولكن الواقعية تحتم علينا إلقاء نظرة سريعة على وضع الأمة العربية وقت أن كان يحكمنا مبدأ “لا صلح-لا تفاوض-لا اعتراف” وتبني طريق الاستقلال الاقتصادي والسياسي ودعم المقاومة، حين كان يتزعم الأمة قائد بحجم جمال عبد الناصر الذي مازال يؤرق أعداءه إلى الحد الذي حذر فيه معهد ماكين الأمريكي من “ظهور عبد الناصر جديد في مصر” عقب الإطاحة بحكم الإخوان في مصر في 2013، ومقارنة ذلك بما نحن فيه من هزيمة وتفكك ودمار ليدرك أن الواقعية هي المقاومة، والحل في الاستقلال ورفض التبعية مهما كلفنا الأمر فليس لنا خيار آخر وإلا الفناء سيكون مصير هذه الأمة.

عن admin

شاهد أيضاً

نعم، أمريكا دولة عظمى.. ضعيفة

جميل مطر لكل منا، نحن محترفي وهواة الكتابة في السياسة الدولية، طريقته الخاصة في التحليل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *