الرئيسية / كتاب الوعي العربي / جذور الصراع العربي الصهيوني وحقائقه التاريخية

جذور الصراع العربي الصهيوني وحقائقه التاريخية

17956074871443992226

الأسري الإسرائيليين في حرب أكتوبر علي الجبهة المصرية

عوني فرسخ

 

شهدت مصر منذ تولى السلطة فيها محمد علي  سنة 1805 نموا طرديا في قدراتها الذاتية ، باستغلاله تنافس فرنسا الاستعماري مع بريطانيا في تشكيل جيش نظامي ، واقامة عدة صناعات ، والعديد من مشروعات البنية التحتية . والثابت في تاريخ مصر أنه كلما نمت قدراتها الذاتية تنامى طموحها الاقليمي ، خاصة تفاعلها مع المشرق العربي . وقد تجلى ذلك بحملة الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا على بلاد الشام سنة 1831 . ما كان له انعكاسات عربية ودولية .

 

فعلى الصعيد العربي لقي الوجود المصري تجاوبا من بعض الزعامات الاقطاعية ، كما بالنسبة للامير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان شبه المستقل . فيما عارضته العائلات الاقطاعية التي مس في الصميم امتيازاتها الاقتصادية ونفوذها الاجتماعي . وبدا وكأنه اسهم في وضع مجتمع بلاد الشام على عتبة التحرر من نظام “الملل” العثماني ، وتسبب في تطوره اقتصاديا واجتماعيا ، وبشر باحتمالات واعدة .

 

ولقد استفزت اوروبا تجاه المستجدات في المشرق العربي ، وتداعياتها على واقع الامبراطورية العثمانية ، خاصة ما بدا من امكانية حلول قيادة فتية في شخص محمد علي واسرته محل قيادة آل عثمان التي شاخت وترهلت ، أو قيام “الامبراطورية العربية ” التي ارق شبحها نوم مترنيخ ، المستشار النمساوي داهية القرن التاسع عشر . وفي مواجهة احتمال أحد الخطرين تراجعت حدة التناقضات فيما بين دول أوروبا الاستعمارية لتغدو تناقضات ثانوية فيما بين اعضاء معسكر واحد . إذ شكلت بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا “الاجماع الأوروبي” . وكان للبرجوازية اليهودية الأوروبية متنامية القدرات دور مؤثر في تحقيق ذلك الاجماع . وذلك بقيام المليونير اليهودي روتشيلد بحمل ملك فرنسا لويس فليب على التخلي عن حليفة محمد علي والانضمام للحلف الذي تقوده بريطانيا .

 

وبفرض الهزيمة العسكرية على جيش ابراهيم باشا ، وحصر نفوذ محمد علي واسرته في مصر ، والزامه بمعاهدة 1840 بخفض قواته المسلحة ، وتفكيك ترسانته الحربية ، يكون “الاجماع الأوروبي ” بقيادته البريطانية قد استبقى على الضعف العثماني ، وأجهض إمكانية قيام دولة عربية عصرية . بل وعزز نفوذ المرسلين الدبلوماسيين والارساليات التبشيرية في الولايات العثمانية ، خاصة العربية منها ، وتدخلهم في أدق شؤون التكوينات الاجتماعية العربية ، وبالتالي أسهم في تأخر تطورها المجتمعي .

 

وتحسبا لفاعلية مصر القومية والتجاوب العربي معها مستقبلا ، تبنى بالمرستون ، وزير خارجية بريطانيا حينها ، فكرة اعادة اليهود الى فلسطين الشائعة في أوروبا يومذاك ، كي يشكلوا حاجزا كابحا لفعالية مصر القومية ، من منطلق انه ليس مما يخدم الامبراطورية البريطانية ومخططاتها ان تتكرر تجربة محمد علي ، بقيام دولة قوية في مصر ، أو قيام اتصال بين مصر والعرب الآخرين .

 

وكنتيجة لدور بريطانيا في تحقيق “الاجماع الأوروبي ” ، وفي إصدار معاهدة لندن سنة 1840 بالصيغة التي صدرت بها ، تعاظم دور مبعوثي بريطانيا في البلاط العثماني كما لدى إدارات الولايات العثمانية ، خاصة في بلاد الشام . وقد حصلت بريطانيا لقاء دعمها السلطة العثمانية على الاعتراف لها بحق “حماية ” يهود الامبراطورية العثمانية . وكانت قد افتتحت سنة 1838 قنصلية لها في القدس  ، وكان على نائب القنصل أن يعتبر حماية اليهود في فلسطين من واجبات الدولة ، وتزويد وزارة الخارجية البريطانية بأسرع وقت ممكن بمعلومات دقيقة عن حالة السكان اليهود في فلسطين ، فيما دعمت الحكومة البريطانية وصحيفتا لندن غلوب والتايمز دعوة استعمار فلسطين بيهود أوروبا .

 

وبضغط انكليزي ، مدعوم بمداخلات المصرفيين اليهود ، أصدر السلطان عبدالمجيد سنة 1849 فرمانا يجيز لليهود شراء الأراضي في فلسطين ، منهيا بذلك الحظر الذي تواصل منذ القضاء على ثورة المكابيين سنة 135 م ، وأكدته العهدة العمرية استجابة لطلب بطريرك القدس صفرونيوس من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب .

 

وفي سنة 1852 أسس القنصل البريطاني في القدس ” جمعية تشجيع العمل الزراعي اليهودي في الأراضي المقدسة” من أجل تمكين الاستيطان اليهودي فيها . وفي العام نفسه أقام القنصل الأمريكي واردور كريستون أول مستعمرة استيطانية يهودية في فلسطين . سابقا بخمسة وأربعين سنة عقد هرتزل المؤتمر الصهيوني الأول في بازل سنة 1897 ، كما سبقت اقامتها بثلاثين عاما أول هجرة يهودية مكثفة من روسيا سنة 1882 .

 

والثابت أن النشاط الاستعماري البريطاني والأمريكي لاستيطان فلسطين بمهجرين يهودا من أوروبا جرى فيما كان غالبية يهود أوروبا ، نخبا وجمهورا ، يعارضون الهجرة الى فلسطين ، ويعتبرون أن أرض صهيون الجديدة هي الولايات المتحدة وليست فلسطين . ولم يكن الكثير من اليهود متحمسين لفكرة الهجرة إلى فلسطين ، من منظور توراتي ، باعتبار أن العودة لا يمكن أن تبدأ إلا بظهور المسيح المخلص .

 

والثابت كذلك أن عددا من حاخامي فلسطين حينها رأوا أن مطامع وطروحات المستوطنين الصهاينة تؤسس لتوترات مع مواطنيهم العرب ، وتحويلهم الى نوع من العدو لكل اليهود ، وتهديدا خطرا لتعايشهم الطويل مع العرب .

 

 

     ومما سبق تتضح الحقائق الثلاث التالية :-

 

1 – كانت القوى الاستعمارية الأوروبية صاحبة المبادرة الاستراتيجية باقامة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين ليكون اداتها في كبح فعالية مصر القومية ، وكحيلولة دون اقامة دولة عربية عصرية تهدد المخططات الاستعمارية . ما يعني ان القوى الاستعمارية هي العدو الاول والاشد خطورة على مصالح الأمة العربية وطموحها المشروع في الوحدة ومواكبة العصر .

 

2- كانت الحركة الصهيونية الناشئة هي التي وجدت فيها القوى الاستعمارية الأداة الأكثر ملاءمة لخدمة مصالحها ومخططاتها العدوانية . ومهما تعاظمت قدرات الحركة الصهيونية وإسرائيل لا يتجاوزان دور الاداة المعتمدة في وجودها وفعاليتها على دعم رعاتها على جانبي الأطلسي .

 

3 – كان دور مصر القومي ولا يزال هو المستهدف أولا ، ما يعني أن الصراع الذي فجرته إقامة إسرائيل على الأرض العربية في فلسطين إنما هو صراع عربي – صهيوني وليس فلسطينيا – اسرائيليا بحال من الأحوال . وهو صراع وجودي ممتد مع التجمع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين ، مسؤولة عنه الشعوب العربية كافة ، وليس شعب فلسطين فقط .

 

 

 

 

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *