الرئيسية / حوارات ناصرية / تحميل كتاب: حرب فلسطين في مذكرات جمال عبد الناصر – يوميات محمد حسنين هيكل

تحميل كتاب: حرب فلسطين في مذكرات جمال عبد الناصر – يوميات محمد حسنين هيكل

الصورة البارزة

تحميل كتاب: حرب فلسطين في مذكرات جمال عبد الناصر – بقلم : محمد حسنين هيكل
مقدمة اليوميات : عبد الله السناوي

فجأة.. توقف رجل يوليو القوي “جمال عبدالناصر” عن الاستطراد في حديثه المستفيض مع الصحافي الشاب -وقتها- “محمد حسنين هيكل” عن تجربته في حرب فلسطين وشهادته على ما جرى فيها.

طلب “جمال عبدالناصر” من ضيفه الانتظار قليلاً، وغادر حجرة الاستقبال في بيته المتواضع بشارع الجلالي في الوايلي، ليعود بعد قليل ومعه صور ومتعلقات شخصية ورزمة خطابات، بعضها تلقاها بعد العودة من الحرب من “أهالي الفالوجة”، وبعضها من زوجته تحية ووالده وعمه، وبرطمان مملوء بتراب المنطقة التي حارب فيها، معتقداً أنه سوف يعود إليها، لتستكمل القوات المصرية المهمة التي لم تقم بها، وأن مصر لم تخض حرباً حقيقية في عام ،1948 فالحرب تشترط أن تكون واعياً بأهدافها ومستعداً لمقتضياتها، والنظام السياسي -وقتها- بدا غير مدرك أنه قد دخل حرباً فعلاً، أو ماذا يفعل بالضبط في فلسطين.

غير أن أخطر ما أحضره معه “جمال عبدالناصر” دفتر مذكرات شخصية على غلافه الخارجي بقعة من دمه.. وقال ل”هيكل” : “يمكنك أن تأخذ معك هذا الدفتر، وأن تقرأ فيه، وأن تكتشف بنفسك ما جال بخاطري تحت وهج النيران في حرب فلسطين، وما كتبته يوماً بيوم في خنادق القتال على ضوء لمبة جاز”.

في ذلك اليوم البعيد من مطلع عام ،1953 عندما أخذ “هيكل” يتصفح دفتر المذكرات، وعلى غلافه الخارجي بقعة من دم “جمال عبدالناصر” سأله : “هل هذه إصابة حرب..؟”.. فأجاب على الفور : “لا”.. وأخذ يروي “جمال عبدالناصر” قصة بقعة الدم على غلاف دفتر مذكرات، فأثناء كتابته اليومية مسجلاً وقائع القتال، وانتقاداته الحادة لمستوى الأداء العسكري للقيادات العليا، الذي كان مزريا، حدث أن قصفت القوات اليهودية مقر رئاسة الكتيبة المصرية السادسة، وكان رئيس هيئة أركانها، وأدى الارتجاج الشديد الذي نتج عن القصف إلى سقوط لمبة الجاز، وخشي “جمال عبدالناصر” أن يؤدي سقوطها على أرضية الغرفة إلى حريق، فحاول أن يمسك بها دون جدوى، فأدى ذلك إلى جرح في يده، وسقطت قطرات من دمه على الدفتر الذي كان يكتب فيه.

وبدا النفي القاطع، والقصة الإنسانية البسيطة التي رواها “جمال عبدالناصر” مثيرة للالتفات من صحافي شاب غطى العمليات العسكرية في فلسطين، وتعرف على أعداد كبيرة من أبطال هذه الحرب، ويعرف -باليقين- أن البطولات فيها بلا حصر، وأنها حقيقية، ولكنه يعرف -باليقين أيضا- أن عددا آخر ادعوا الإصابات فيها، وحصلوا على أنواط ونياشين. ثم إنه يعرف -وهو شاهد كمحرر عسكري في ميادين القتال في فلسطين- أن “جمال عبدالناصر” هو واحد من أبطال هذه الحرب، ومن أبطال الصمود الأسطوري في “حصار الفالوجة”، وأنه أصيب أكثر من مرة، وقاد عمليات بطولية هددت حياته، كأنه كان على موعد مع الموت في هذه الحرب كل لحظة، ولكن المقادير ادخرته ليقوم بعد أربع سنوات بأكبر عملية تغيير سياسي في تاريخ مصر والمنطقة في العصور الحديثة.

كانت مصر في مطلع عام ،1953 الثورة في أولها، وصراع السلطة داخلها يوشك أن يشتعل بعد عام فيما عرف ب”أزمة مارس”.

.. وكان الحوار في هذا اليوم الشتوي البعيد بين الرجلين -زعيم يوليو والصحافي الشاب الذي قدر له أن يصحبه محاوراً وصديقاً إلى نهاية الرحلة- منصبا حول شخصية وأفكار “جمال عبدالناصر”.. وكانت فكرة “محمد حسنين هيكل”، رئيس تحرير مجلة “آخر ساعة” -في ذلك الوقت- إجراء “حوار في العمق” مع الرجل الذي بدا له أنه زعيم الثورة وقائدها الحقيقي يكشف عن شخصيته وأفكاره وتجاربه في “فلسطين” و”السودان” و”منقباد” وخلفيته الاجتماعية.

وبعد حلقتين كان قد كتبهما “هيكل” باسم “أحاديث مع جمال عبدالناصر” أخذت صورة مقالات موقعة باسمه، بدا ل”جمال عبدالناصر” أن ما هو منشور يعبر بدقة عنه، طالباً من “هيكل” أن يستمر في تلك السلسلة من الأحاديث، واضعاً في حوزته مذكراته الشخصية في حرب فلسطين، ومفسحاً أمامه المجال واسعاً، بغير تكلف رسمي.. وفي بيته، أن يسأل كما يشاء.. وفي الخلفية أزمة سلطة توشك أن تشتعل في مارس/ آذار.. بدا “عبدالناصر” واثقا من نفسه ومن قدرته على حسم صراع السلطة، وتجاهل الحديث في هذا الموضوع، وأخذ يتحدث عن “فلسفة الثورة”، وكانت المفاوضات مع الإنجليز للجلاء عن مصر على رأس مشاغله. وفيما كان هدف “هيكل” بأحاديثه مع “جمال عبدالناصر” معرفة ما في داخل هذا الرجل الذي تبدى أمامه من اللحظة الأولى الرجل القوي في النظام الجديد لثورة يوليو، كان “عبدالناصر” راغباً في تأسيس فكرة جوهرية عن ثورة يوليو ومستقبلها، ووجد فيما كتبه “هيكل” تعبيراً حقيقياً عنه.

في هذه اللحظة بالذات تجسرت العلاقة بين الرجلين، وذاب الجليد، فقبلها بدا أن الأساتذة “إحسان عبدالقدوس” و”أحمد أبو الفتح” و”حسين فهمي” و”حلمي سلام” أقرب إلى يوليو ورجالها، ورغم أن “هيكل” التقى “ناصر” قبل الثورة وبعدها عدة مرات، بعضها مثير، إلا أنه لم يكن الأقرب.. حتى هذا اليوم البعيد من مطلع عام ،1953 فيومها تلاقت أفكار، ووضع “ناصر” ثقته في “هيكل”، الذي تولى صياغة خطاباته ووثائق الثورة، محاوراً وصديقاً.. حتى نهاية الرحلة.

و.. كانت تلك الأحاديث مع “جمال عبدالناصر”، مضافا إليها دفتر مذكراته اليومية في حرب فلسطين، هي الأساس الذي صيغت عليه “فلسفة الثورة”.. ثم ما أطلق عليه “يوميات الرئيس جمال عبدالناصر في حرب فلسطين”، التي نشرت على حلقات في مجلة “آخر ساعة” خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان من عام ،1955 والمذكرات المنشورة ليست يوميات بالمعنى الحرفي، ولكنها تصريحات أدلى بها “عبدالناصر” إلى “هيكل”، الذي صاغها مستندا لدواعي التدقيق في التواريخ على دفتر اليوميات الشخصية، الذي لم يتسن لأحد غيره أن يطلع عليه على مدى ستين عاماً منذ كتابتها.

وترجع أهمية هذه الوثيقة الخطية إلى أنها تكشف دواخل نفس “جمال عبدالناصر”، وشخصيته، بخطه هو، لا بأي خط آخر، ولم يكن في تصور “جمال عبدالناصر” عند كتابتها الدور الاستثنائي الذي سوف يلعبه -فيما بعد- على مسارح التاريخ.

وهذا هو الفارق الجوهري بين هذه الوثيقة الأصلية، والمرويات المتعددة التي كتبت عن حرب فلسطين ونسبت إلى عبدالناصر ما نسبت. ومضاهاة اليوميات المنشورة في “آخر ساعة” بهذا الدفتر الذي ينشر نصه الحرفي للمرة الأولى تثبت الاتساق في الروايات، لكن مواطن التركيز مختلفة، فاعتبارات المقاتل الغاضب تختلف -بطبائع الأمور- عن حسابات رجل الدولة.. وتكشف الوثيقة التاريخية، التي ربما تسبق في الأهمية “فلسفة الثورة”، رؤية عبدالناصر للصراع العربي – “الإسرائيلي”، أو خلفيات هذه الرؤية.

يمكنك أن تلحظ بسهولة -وهو شاب في الثلاثين- إدراكه لطبيعة الصراع، وان من طبائع العدو عدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة والعهود المبرمة، ولكنه يسجل بخط يده مواطن القوة عند هذا العدو، وبخاصة في أسلوب الحياة داخل المستعمرات والآلات الزراعية الحديثة فيها.

وقد زار مع قائده العسكري “الضبع الأسود” الاميرالاي “السيد طه” مستعمرة “جات” للتفاوض، وفي هذا التفاوض رفض القائد المصري تسليم الضباط والأسلحة، وكان القرار إجماعيا بالقتال حتى آخر جندي.. وربما تجد في هذا الموقف أصول “صرخة السويس” : “سنقاتل.. ولن نستسلم أبداً”.

وفي اليوميات تكتشف صلابة وجسارة عبدالناصر، ونسقه الأخلاقي، وارتباطه العاطفي بأسرته، وعمق هذا الارتباط، وسخطه على القيادة العسكرية والسياسية للبلاد، وبخاصة اللواء أحمد باشا المواوي قائد حملة فلسطين، وتأهبه للموت استشهادا بلا وجل، وعلاقة الصداقة المتينة ب”عبدالحكيم عامر”، وتصافح أسماء شهيرة من قيادات “الضباط الأحرار”، وأسماء أخرى لضباط قاتلوا بشراسة، واستشهد أغلبهم، ولا يعرف عنهم شيئا حتى اليوم.. والأهم أنك يمكن أن تلحظ العدد الكبير من الضباط الأقباط الذين قاتلوا أو استشهدوا في فلسطين، ويذكر عبدالناصر أسماءهم، وبعضهم مقرب منه، دون أن يرفق بالأسماء أدنى إشارة للهوية الدينية للمقاتلين من ضباط وجنود.

ويبدو أن مصر -الآن- لديها أزمة في ذاكرتها، وأزمة في نسيجها الاجتماعي الواحد، فأخذنا نفرق مالا يفرق.

على مدى (55) عاماً احتفظ “هيكل” في مأمن وثائقه بدفتر مذكرات “جمال عبدالناصر”، غير أن “الأستاذ” أشار إلى دفتر المذكرات في إحدى حلقات “مع هيكل” على قناة “الجزيرة”.. وقد اتصلت به بعد خمس دقائق من نهاية هذه الحلقة المثيرة، مستغرباً أن يحتفظ بوثيقة خطيرة، عمرها ستون عاماً، دون أن ينشرها.. وكانت إجابته : “لها وقت تنشر فيه.. في حياتي أو بعدها”.. وكان تعليقي : “ما وصلت إليه في عوالم السياسة والصحافة من مكانة رفيعة جعلت منك الصحافي الأول في القرن العشرين -بحسب تعبير النيويورك تايمز- لم يكن من فراغ”.. فرد على الفور : “عبدالناصر هو الذي لم يولد من فراغ”.. والمعنى أنه كان مؤهلا للقيادة والزعامة.. وأن نصوص المذكرات، مع ملاحظة أنه كتبها في الثلاثين من عمره.. وهي بالأساس مذكرات مقاتل، كاشفة لما جرى يوم 23 يوليو/ تموز وما بعده، كأنه شهاب انطلق من تحت نيران حرب فلسطين إلى أوسع عملية تغيير في مصر والمنطقة.

وفيما بعد قرر الأستاذ “هيكل” أن ينشرها، وطلب مني -وقد ألححت عليه قبلها باسم “جمال عبدالناصر” والولاء له أن تنشر هذه الوثيقة الخطيرة في عيد ميلاده التسعين- أن أذهب إليه، وأخذنا في مكتبه على نيل الجيزة نتصفح معاً دفتر اليوميات، قبل أن يبدأ مكتبه في تصوير نسخة خطية كاملة. وقال الأستاذ : “أنت تعرف خطوط الريس.. انظر معي، فهناك على بعض الصفحات خطوط أخرى لرجال آخرين، تسجل أوضاع التعيينات في الكتيبة بتواريخ سبقت وصول “جمال عبدالناصر” إلى غزة يوم 3 يونيه 1948 في قطار، وكان معه في الرحلة إلى ميادين القتال “عبدالحكيم عامر” و”زكريا محيي الدين”.

وبطريقة ما وصل الدفتر إلى “اليوزباشي جمال عبدالناصر”، وأخذ يسجل يومياته من لحظة الوصول.. وفي وقت لاحق، وقبل أن يعود الدفتر التاريخي الثمين إلى مأمنه في محفوظات “مؤسسة هيكل”، اكتشف “الأستاذ” مفاجأة مدوية، وهي أن “عبدالناصر” بعد أن سجل آخر يومية له في هذا الدفتر يوم (30 ديسمبر 1948)، عاد إلى الصفحة الأولى فيه (1 يناير)، معدلا تاريخ السنة (1948) ب(1 يناير 1949).. ومضت المذكرات الجديدة مسجلة شهادته على ما جرى في شهور يناير وفبراير ومارس من العام التالي للحرب.. وقبل أن يعود ل”القاهرة”.

وهي شهادة مضافة، وجزء لا يتجزأ من هذه اليوميات، على رؤية رجل ولدت إرادة الثورة فيه تحت وهج النيران.. سوف نزيح الستار عنها في وقت لاحق. ومن المعروف أن “جمال عبدالناصر” شرع في تأسيس “تنظيم الضباط الأحرار” قبل حرب فلسطين، ولكن فكرة الثورة على النظام بأكمله ولدت في ميادين القتال. وعندما عاد إلى القاهرة بدأ في إعادة بناء التنظيم وتشكيل لجنته التأسيسية تحت قيادته.. وكان لافتا في نصوص اليوميات إطلاق “عبدالناصر” على كل من هو أعلى منه رتبة لقب “بك”، غير أنه هو نفسه -بعد سنوات قليلة- من ألغى الألقاب في مصر، وافتتح صفحة اجتماعية جديدة فيها.

ولدت الثورة في قلب رجل عندما كتب بخط يده في يوميات القتال : “لقد فقدنا ثقتنا في قيادة الجيش.. وفي قيادة البلاد”. ولعل هذه العبارة -بالذات- هي المشهد الافتتاحي لإزاحة النظام الملكي بالكامل.. تمهيدا لعصر يوليو التي خاض معاركها، انتصر وخسر، وربما أكثر ما أوجعه بعد هزيمة (1967) أن بعض ما انتقده في عام (1948) تكرر معه عام (1967).

ثغرات النظام أدت إلى الانقضاض عليه والنيل منه.. وكانت تلك محنة رجل متسق مع نفسه ومع أفكاره، يصدق نفسه ويصدقه الشعب، لا يكذب ولا يدعي.. حتى وهو يكتب في مطلع شبابه يوميات قتال لا يتوقع أن يراها أحد.. أو أن المقادير سوف تصحبه إلى سدة السلطة العليا في مصر، وأن يكون بعد أربع سنوات الرجل القوي في مصر وبعد ثماني سنوات الرجل الذي يسقط الإمبراطوريتين الإنجليزية والفرنسية، ويصعد بالأحلام العربية -في تجربة الوحدة مع سوريا- إلى ذراها العالية بعد عشر سنوات فقط من كتابة مذكراته في خندق قتال على ضوء لمبة جاز.. كأنه شهاب انطلق من فلسطين إلى القاهرة.. كأنه نسر محلق في سماء المنطقة حملنا على جناحيه، قبل أن يهبط إلى مثواه.. ونهبط بعده إلى المأساة.

رابط للتحميل

https://drive.google.com/file/d/1JEK9MgyLVAgVP50HfE08ACqpVBofd2hE/view?usp=sharing

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 11 أغسطس 1956.. مجلة فرنسية تكشف أسرار مستندات حملها مصطفى الحفناوى من باريس حول خطة سيطرة بريطانيا على قناة السويس بعد انتهاء الامتياز فى 1968

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11 أغسطس 1956.. مجلة فرنسية تكشف أسرار مستندات حملها مصطفى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *