الرئيسية / مـقالات / مصر: معضلة التغيير ومحور تل أبيب… واشنطن… الرياض – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

مصر: معضلة التغيير ومحور تل أبيب… واشنطن… الرياض – بقلم: محمد عبد الحكم دياب

2017111213252237

Apr 14, 2018

 

التغيير من سنن الحياة المؤكدة.. وأهمه التغيير السياسي، الذي يحتاج لمجرى يحمي مساره وضفاف تضبط مجراه.. وذلك غير متاح ولا ممكن، فيتسرب كما تتسرب المياه تحت الرمال وبين الشقوق، وتُبْقي الأرض جرداء والتربة جدباء، وتذهب المياه إلى حيث تتحول إلى مستنقعات؛ تصبح مرتعا للطحالب، ومأوى الحشرات والديدان، وتصبح مزرعة للأوبئة والأمراض المتوطنة..

والتغيير السياسي له آلياته، وأفضلها ما كان متدرجا وسلميا، وحين يتعذر يأخذ طابعا ثوريا (راديكاليا) وقد يتحول لنشاط مضاد ومعاكس. والتغيير المتدرج أقل تكلفة وأكثر أمنا؛ لكنه في حاجة لرعاية حكم رشيد ودولة مستقرة، ويمر سهلا دون عناء كبير.. ويتطلب ظروفا ونظما مهيأة له وتعمل من أجله. أما التغيير الجذري يُفرض بالقوة اضطرارا لا اختيارا؛ حينما تتجمد الحياة العامة، وتموت السياسة وتتحول لعمل شخصي، وتعادي التغيير الديمقراطي المتدرج، وحين يصبح ضغط التغيير فوق طاقة السدود المعوقة على التحمل، فتتصدع جدرانها وتنهار أمام طوفان قد لا يُبقي ولا يذر.. والارتداد، الذي يعرف بالثورة المضادة، يأتي قسرا؛ على حساب المصالح المشروعة والحقوق الطبيعية.. ويتم بالحديد والنار، ويُفرض فرضا، وعواقبه دائما وخيمة وكارثية.

والعمل الديمقراطي بآلياته في التداول السلمي؛ هو الأنسب للتغيير السياسي، ويتحقق عمليا بوجود سيادة كاملة لدولة القانون، والمساواة الكاملة بين المواطنين، والعدالة الاجتماعية البعيدة عن التمييز، والعمل الناجع والناجز في مجالات التنمية البشرية والثقافية والتعليمية والصحية والصناعية والزراعية والألكترونية والفضائية والاستراتيجية.

والتغيير الديمقراطي بهذا المعنى يعتمد على عقول واعية، وطاقات مبدعة، ومبادرات خلاقة، وسياسات رشيدة، وخطط مجدية، وبها يتبوأ الشعب موقع الصدارة في كل مراحل التغيير. والتغيير الحقيقي يبدأ من الشعب ويتم بالشعب ويعود إلى الشعب. وهذه وصفة مجربة؛ للاستقرار والرخاء والهيبة والقوة.

والدولة الديمقراطية دولة غير مشوهة، وليس لها أكثر من وجه، ومواطنوها ليسوا ظواهر صوتية؛ مهمتهم الهتاف طول الوقت، ولا تتيح لأحد مهما كانت قوته فرصة الاستبداد والتسلط، والمعيار الناظم لها هو الجدارة، التي لا تُمَكن «المحاسيب» من التحكم في الأرزاق والأعناق؛ ولا تُلبس الحق والعمل الجاد لبوس المؤامرة، ولا تعتمد على «الترعيب» في التحكم في حاضر الأباء ومستقبل الأبناء.

وذلك إن دل على شيء فيدل على ما يعتري النفوس المسؤولة من عقد الخوف وعدم الثقة في الذات وفي الأقربين، ووجودها في مراكز اتخاذ القرار يُفرِغ أي تغيير حقيقي من مضمونه ويفسده. ويبحث المواطن عن سبيل آخر يسلكه، فلا يجد غير سبيل الرفض، ومنه تشتعل شرارة التمرد والثورة، اللذين يستمدان مشروعيتهما من عجز الحكم واستبداده وفساده.

وتعيش «القارة العربية»؛ في مجملها، حالة مصادرة شاملة على مختلف الأصعدة؛ بما تحمل من نذر الخطر. و«المشيـر السيسي» نموذج «ناجح» في فرض المصادرة الشاملة على كل القوى، وهو من البراعة فيحملها دائما للمواطنين، ويتفادى أن تلصق به.. وكان دوره بارزا في منع مصر حين واتتها الفرصة مرتين في كانون الثاني/يناير 2011 وفي حزيران/يونيو 2013؛ أي في أقل من ثلاث سنوات؛ في منعها من الإمساك بها..

وهذه ليست دعوة للثورة، إنما تذكرة بالتعمد الرسمي لـ«شيطنة» ثورة يناير، وبالدعوة لـ«الحكم الرشيد»؛ تجنبا لمخاطر الفوضى والعنف في ظروف التخبط والتوحش الذي يتحكم في الدولة، ومخاطبة العقلاء، وما أكثرهم، للفت الأنظار إلى مخاطر أدوار تلعبها أذرعة «المشير» الطويلة، وكبح جماحها؛ بخطوات دستورية وعملية سريعة؛ تضع القدم على طريق «الحكم الرشيد»، وتستعيد حلم الديمقراطية المجهض. ووقف التعامل مع المواطن باعتباره ظاهرة صوتية وطبل أجوف، وإتاحة الفرصة للمراجعة والتصحيح، خاصة أن الظاهرة استفحلت وتحولت لـ«ظاهرة صوتية راقصة».

من المعلوم من السياسة بالضرورة أن زيادة الفرص واتساع مساحات المصالح الاقتصادية والاجتماعية، وكسر القيود المكبلة للحريات، وتلبية مطالب المعيشة والحياة؛ بمنطق الحق وليس بأسلوب الصدقة، وتمكين الدولة من الاعتماد على نفسها، وترتقي بالتعامل مع مواطنيها دون مَنٍّ واستعلاء، فهذا يعيد للمجتمع بهاءه وينزع عنه قسوة الدولة تجاهه، وتمكنه من دوره على الوجه الصحيح.. وإذا ما حدث ذلك استقرت النفوس واستراح المسؤولون وتفرغوا للأهم؛ العمل والانتاج والإبداع والابتكار، فيواجهون مسئوليات الحياة، ويتغلبون على مصاعبها، فتعود للدولة مكانتها اللائقة بها أمام مواطنيها.

والوضع الغالب في دول «القارة العربية» لا يختلف كثيرا؛ حيث تتقلص الفرص وتقتصر المصالح على فئات محدودة للغاية.. وتعاني الدولة العربية قصورا في تلبية مطالب ومستلزمات الحياة الأساسية، ويعم داخلها التوتر، ويسود فيها عدم الاستقرار.

ورغم ذلك هناك في مصر ما يشبه الاجماع على أهمية الانفراج وفتح المجال العام أمام القوى والأحزاب والائتلافات الوطنية، والحد من القبضة الحديدية ضد الشباب؛ في وقت يسعى فيه «المشير» وأذرعته لتأسيس حزب؛ يتخذه ظهيرا في خطواته القادمة لتعديل الدستور، وما يتردد بشأنه من مد مدة الرئاسة الواحدة لست سنوات، وزيادة عدد مرات الترشح، لتصبح مفتوحة، وتسمح باستمرا«المشير» لأكثر من فترتين.

والمعروف عن «المشير» أنه لا يلتزم بالدستور، ويعتمد التفويض المباشر، الذي يطلبه من المواطنين، وتجاوز بإصدار قوانين غير دستورية سمحت بعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وكان غير قابل للعزل. ومنحته سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية؛ في سابقة لم تعرفها مصر من قبل، تخطى الأقدمية في تعيين رؤساء الهيئات القضائية.. ولما تخطى دور المستشار يحيى الدكروري النائب الأول والأقدم لرئيس مجلس الدولة؛ طعن الرجل على قرار «المشير» أمام المحكمة الإدارية العليا، وهو الذي غير القانون؛ بالمخالفة للدستور، ليتمكن من الدكروري لإصداره حكما بمصرية جزيرتي تيران وصنافير.

من جهة أخرى فإن عين «المشير» على «ائتلاف دعم مصر»؛ المُهَنْدَس أمنيا ورئاسيا، ونجاحه في «شيطنة» ثورة يناير وشطبها من سجل التاريخ المصري القريب جدا. والسنوات الأربع الماضية أكثر من كافية لاختبار تكوين هذا الائتلاف؛ بخلطته الإدارية والأمنية والمالية، التي لا علاقة لها بالسياسة، ومكونة من جنرالات جيش وشرطة سابقين، وأباطرة مال متمكنين، وحيتان رجال دولة حاليين وسابقين.

وذلك الائتلاف تورط في مهزلة انتخابات الرئاسة، وظل ممسكا بعصا الأمن لمواجهة المعارضين، واستن سُنة تجريمهم وتخوينهم، وتخصيص عدد من المحاميين لتقديم البلاغات ضدهم للنائب العام، التي يحيلها بدوره للقضاء، وبالفعل صدرت ضدهم أحكام بالسجن أو الغرامة أو الاثنين معا.

ويستطيع المواطن التعرف على هوية الائتلاف وتوجهاته.. إذا ما دقق في مكوناته وارتباطاته، وسوف يجده يتطابق مع توجهات «المشير» وارتباطاته وتحالفاته الداخلية والإقليمية والدولية؛ بدءا من أعضاء أمانة السياسات التي أدار بها «الرئيس الموازي» السابق جمال مبارك حكمه، مع عدد غير قليل من جنرالات الجيش والشرطة السابقين، وممثلو كتلة «أثرياء النهب» الرسمي والأهلي والخصخصة، وعلى المستوى الإقليمي والدولي؛ يرتبط الإئتلاف برباط «كاثوليكي» بمحور تل أبيب ـ واشنطن ـ الرياض، وهو محور يبذل قصارى الجهد لاتمام «صهينة» السياسة الرسمية المصرية والعربية.

ويا قلب لا تحزن!!.

عن admin

شاهد أيضاً

نعم، أمريكا دولة عظمى.. ضعيفة

جميل مطر لكل منا، نحن محترفي وهواة الكتابة في السياسة الدولية، طريقته الخاصة في التحليل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *