الرئيسية / تقارير وملفات / حربنا المنسية.. حرب الاستنزاف

حربنا المنسية.. حرب الاستنزاف

2017-636426629027944000-794
سعيد الشحات

عاتبنى العم والأستاذ أحمد يحيى، لأننى لم أتناول حرب الاستنزاف، ونحن نحتفل بانتصارات حرب أكتوبر 1973، وكتب لى: «أتمنى أن يشمل قلمك الحديث عن حرب الاستنزاف التى سبقت حرب أكتوبر ودورها فى التهيئة للحرب، حيث أرى أن حرب الاستنزاف هى العامل الأساسى فى تحقيق النصر وإحداث الارتباك لدى الصهاينة، لما واجهوه من مفاجآت من قوات الصاعقة وقوات العمليات الخاصة.. وأنا أشعر بأن حرب الاستنزاف لم تأخذ حقها فى الحديث عنها، وأن إهمالها كما لو كان متعمدا.. وشكرا».

العم الأستاذ أحمد يحيى أحد كبار مدينتى طوخ، وسجله الوطنى محترم وكبير، ولأنه كذلك فهو غيور على تاريخ مصر بشهدائها، الذين دافعوا عن الأرض، ولهذا يتمنى أن تعرف الأجيال حقيقة حرب الاستنزاف، التى تتعرض لعملية غدر من البعض، بالرغم من أنها إحدى صفحات الشرف للعسكرية المصرية.

أرادت إسرائيل ألا يتذكر هذه الحرب أحد، لأنها تذكرهم بما لا تحب أن تتذكره، ولا تحب أن يتذكر العرب بأن لهم حربا انتصروا فيها، وبكل أسف تبنى هذا المنطق مصريون صغار النفوس، فنزلوا عليها تشويها، وذلك بغرض الثأر من جمال عبدالناصر الذى قاد هذه الحرب بعد هزيمة 5 يونيو 1967 كخطة استنزاف لإسرائيل، حتى تحين لحظة الحرب الكبرى، وامتد هذا المنطق إلى عرب متصهينيين.

الغريب أن هؤلاء جميعا لا يقولون ما يقوله قادة إسرائيل، الذين عاشوا وقادوا هذه الحرب، فبينما هم يمنحون إسرائيل نصرا مجانيا فيها، يقول قادتها عكس هذا تماما، ويكفى ما قاله عنها الجنرال عزرا وايزمان الذى كان وزيرا للدفاع الإسرائيلى ثم رئيسا للدولة، ففى كتابه «النسور الزرقاء» قال: «إن حرب الاستنزاف التى سالت فيها دماء أفضل جنودنا، مكنت المصريين من اكتساب حريتهم على مدى ثلاث سنوات للتحضير لحرب أكتوبر العظمى فى عام 1973، وعلى ذلك فإنه سيكون من الغباء أن نزعم أننا قد كسبنا حرب الاستنزاف، وعلى العكس من ذلك، فإن المصريين- بالرغم من خسائرهم- هم الذين حصلوا على أفضل ما فى هذه الحرب، وفى الحساب الختامى، سوف تذكر حرب الاستنزاف على أنها أول حرب لم تكسبها إسرائيل، وهى الحقيقة التى مهدت الطريق أمام المصريين لشن حرب الغفران «6 أكتوبر»، شهادة «وايزمان» ليست هى الوحيدة فى هذا المجال، فهناك شهادات أخرى، وجميعها تتفق على هزيمة إسرائيل فيها، وتتفق على أنها كانت البروفة العملية لحرب أكتوبر 1973 وبسالة الجندى المصرى فيها، وهى كما قال الفريق عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث فى حرب أكتوبر، وأحد الرموز التاريخيين للعسكرية المصرية فى مذكراته «الصراع العربى الإسرائيلى»: «إن حرب الاستنزاف هى الأب الشرعى لنصر أكتوبر 1973، وكان لآثارها الإيجابية دور مهم للغاية فى تجهيز القوات المسلحة لحرب أكتوبر، فحرب الاستنزاف بمراحلها المتصاعدة حافلة بالكثير من التجارب والدروس التى استفاد منها المخطط المصرى فى التحضير والإعداد والتخطيط لحرب أكتوبر، كما استفاد منها الضابط والجندى المصرى فيما نسميه بـ«التطعيم للمعركة»، فالقتال بكل أشكاله البدائية أو الحديثة هو فى البداية تهديد لحياة الفرد، وهو ما يدفع إلى الخوف على النفس كشعور أولى، والمقاتل الناجح هو من يعبر هذه المرحلة بأسرع ما يمكن، ويحول الشعور بالخوف إلى الرغبة فى الدفاع عن النفس التى لا تتأتى إلا بالإصرار على قتل العدو، فإذا اقترنت هذه العملية المتسلسلة بالتصميم والإرادة والتخطيط الجيد، كان النصر على العدو، وكان هذا تماما هو ما حدث فى حرب الاستنزاف».

أواصل الحديث عن حرب الاستنزاف، التى مهدت لانتصارنا على إسرائيل فى حرب 6 أكتوبر عام 1973:
فى مذكراته «الصراع العربى الإسرائيلى» للفريق عبدالمنعم واصل، قائد الجيش الثالث فى حرب أكتوبر، يذكر أن حرب الاستنزاف، التى بدأ فعليا فى مارس 1969 هى أول حرب تضطر فيها إسرائيل إلى الاحتفاظ بنسبة عالية من القوات الاحتياطية بالتعبئة لمدة طويلة، مما كان له أثر سلبى على معنويات الإسرائيليين والحياة الاقتصادية فى إسرائيل، حيث تعتبر القوات الاحتياطية هى عماد الجيش الإسرائيلى، وهذه القوات فى الحقيقة تكون فى السلم عماد القوة العاملة فى إسرائيل.

يؤكد واصل، أن إسرائيل اضطرت خلال تلك الفترة إلى الاحتفاظ بحوالى 20 لواء فى ذروة حرب الاستنزاف، وهو ما يعادل نصف وعاء التعبئة للقوات البرية وكل السلاح الجوى، واضطرت إسرائيل إلى الدفع بقواتها الجوية إلى المعركة فى محاولة للتأثير على إصرار القيادة المصرية على الاستمرار فى هذه الحرب من خلال الغارات الجوية فى العمق، ثم على أهداف مدنية، يضيف واصل، بدأت حرب الاستنزاف بصدور الأوامر بتدمير دفاعات وأسلحة العدو على الضفة الشرقية للقناة على طول المواجهة مع العدو، وخلال ذلك وبالتحديد فى 9 مارس 1969 استشهد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذى كان يراقب القصف من أحد المواقع على الضفة الغربية للقناة نتيجة للقصف المضاد من مدفعية العدو.

يشير واصل باختصار بطولات الأسلحة المصرية المختلفة فى هذه الحرب مؤكدا، أن القوات البرية قامت بالكثير من العمليات على الجبهة، كما قامت الضفادع البشرية من القوات البحرية بالإغارة على ميناء إيلات، وقامت قوات المدفعية بأعمال مجيدة فى تدمير تحصينات خط بارليف وإحباط جهود إنشائه، كما تم تنفيذ هجوم ليلى صامت على لسان بورتوفيق، وقام الدفاع الجوى على الجبهة بالعديد من الكمائن أسقط منها العديد من طائرات العدو، وفى يوم 30 يونيو 1970 أسقط أحد كمائن الدفاع الجوى طائرة هليكوبتر تحمل 13 خبيرا إسرائيليا كانوا فى زيارة للجبهة، وأطلقت إسرائيل على هذا اليوم «السبت الحزين» كما أسقطت كمائن الدفاع الجوى 12 طائرة فانتوم فى أسبوع واحد، وأطلق على ذلك الأسبوع اسم «أسبوع تساقط الفانتوم»، هذا بخلاف الإغارات والكمائن بواسطة القوات الخاصة فى سيناء، التى تصاعدت إلى الإغارة بحوالى كتيبة صاعقة فى منطقة البلاح، تم خلالها قتل العشرات من جنود وضباط العدو، وتدمير العشرات من دباباته ومركباته وعرباته، علاوة على أسر العديد من أفراده والحصول على وثائق وخرائط تحوى معلومات مهمة عن أوضاعه وخططه الدفاعية.

ويشير واصل إلى بطولات سلاح البحرية المصرية أثناء هذه الحرب، مؤكدا أنه كان لها نشاط كبير، حيث قامت الضفادع البشرية بالإغارة على ميناء إيلات الإسرائيلى، كما قامت بتدمير السفينة الإسرائيلية بيت شفيع، وفى عمل انتحارى تم تدمير سفينة أبحاث إسرائيلية فى بحيرة البردويل فى شمال سيناء، وتنفيذ عدة إغارات على خزانات الوقود فى ميناء إيلات، وقامت قوات الخاصة البحرية بتدمير الحفار الإسرائيلى «كينج»، الذى كانت إسرائيل تخطط لاستخدامه فى استخراج البترول من تحت مياه خليج السويس بالحفر المائل، وتم تدمير الحفار أثناء رسوه فى ميناء أبيدجان بساحل العاج فى أفريقيا.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. والبحث عن فتحى الديب «جاسوس عبدالناصر الذى أشعل الحدث»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *